الجزائر

شمس محمد فارح مشرقة على بهاء "العربية"



شيخ النّحاة العرب دون منازع وقد حظي بجريدة "الشعب" وحظيت بهخصّص الباحثان بجامعة الجزائر، سعد روان وأحمد حساني، مقالا فارها لركن "الخطأ والصّواب"، الذي كان كاتبه الأستاذ العميد الشيخ محمد فارح رحمه الله، بجريدة "الشعب"، وأسهبا في شرح أساليب كتابته المعتمدة، ومقاصد الركن من تثقيف عام، وحثّ على الالتزام بالفصيح الصحيح من الكلام، ذودا عن اللغة العربية وانتصارا لها، خاصة وأنها ظلّت مهمّشة في أرضها طوال سنون الاحتلال المظلمة.
قال روان وحساني في مقالهما المنشور ب "مجلة اللغة الوظيفية"، إنّ الاستعمار الفرنسي حاصر الجزائريين في لغتهم، ما أدّى إلى "انحسار اللغة العربية وتراجع دورها" في الحياة العامة، وسجّلا أنها "لم تكن لغة الكتابة" وقتذاك، خاصة وأنّ تعليمها انحصر "في الكتاتيب والزوايا خفية عن أعين الاستعمار الفرنسي"، وكان ينبغي أن تتحقّق أهداف الثورة التحريرية المباركة كي تؤسّس الجزائر المستقلة "أوّل جريدة يومية ناطقة باللغة العربية"، وهي جريدة "الشعب"، وكان الأستاذ محمد فارح أحد صحفيّيها البارزين، وأسندت إليه مهمة تحرير ركن يعتني بالخطأ والصّواب في اللغة العربية.
وسجّل الباحثان أنّهما اختصّا بدراسة ركن "الخطأ والصواب" بجريدة "الشعب"، كي ينظرا في مدى إسهام الأستاذ فارح – رحمه الله – في التصحيح اللغوي، وتحقيق المعايير التي اعتمدها في تصحيحاته، وقد توخّيا "إبراز جهود الباحثين الجزائريين في مجال التصحيح اللغوي، ومساهمتهم كغيرهم من البلدان العربية، في حماية اللغة العربية وصونها من اللحن"، وقالا إنهما يحاولان لفت أنظار الباحثين والمهتمين بالتراث اللغوي إلى إسهامات محمد فارح، وجهده في إثراء الثقافة اللغوية.
وأكّد الباحثان أنّ كتابات الأستاذ محمد فارح بجريدة "الشعب"، ومساجلاته الفكرية مع مخالفيه تسمح بالقول إنّه واصل "مسيرة اللغويين في قبول الفصيح من الألفاظ والأساليب، وهو اتجاه سار على دربه الأوائل، فلم يكن الأستاذ فارح متساهلاً متسامحا مع الأخطاء"، خاصة وأنّ اللحن لم ينتشر بين العوام وحسب، بل تسرّب إلى المحرّرين اللغويين أنفسهم، وإلى من يعلّمون اللغة العربية ويكتبون بحرفها"، وأضافا أنّ جهد الأستاذ فارح - سواء في الصحافة المكتوبة أو من خلال التأليف أو من خلال الإذاعة الجزائرية - كان يهدف إلى "صون اللّسان العربي من الزيغ، وحمايته من الانحراف، ودعوة الناس أبسطهم وأعلاهم إلى الفصحى"، وأضافا أنّ الأستاذ فارح ظلّ بجريدة "الشعب" ينشد الكمال اللغوي واللسان العربي المبين، وكان في كل مناسبة يردّد أن كل شيء يحيا بالاستعمال، وأنّ اللغة العربية لا تحيا إلا بالاستعمال.
وقال الباحثان إنّ إنتاج الأستاذ محمد فارح في ركنه "الخطأ والصّواب"، "تنوّع بين أسئلة طرحت عليه من أحد قرّاء الجريدة أو أحد زملائه الصحفيين، أو ما لاحظه هو من أخطاء تكلّم بها الصحفيون أو نطق بها المفكّرون والدّعاة والأئمة في ندواتهم، أو نصائح لغوية يقدّمها للقراء تثقيفا لهم"، ولاحظا أنّه كان يتقبل النّقد ويردّ ب "الأدلة والحجج"، وأضافا أنه يبدأ ركنه، إذا كان الموضوع تثقيفيا حرًّا، بالدخول في الموضوع دون تمهيد، ويجعل لكل موضوع عنوانا خاصا تحت ركن "الخطأ والصواب"، وذكرا – على سبيل المثال – أنه كتب عن "الفرق بين لام الملك ولام الاختصاص" ليذكّر القراء بالاستعمالات الجائزة لحرف اللام، الذي لاحظ أنّ كثيرًا من الألسنة والأقلام تستعمله في غير موضعه، وفي الدّلالة على غير معناه الملائم. كما قدّم الباحثان أمثلة من الركن العميد، بسؤال وجّهه أحد الموظفين يخصّ كيفية كتابة الأعداد بالحروف، إن كانت تكتب من اليمين إلى اليسار أم العكس، إضافة إلى حكم التمييز الواقع بعدهما، فأجاب الأستاذ فارح قائلا إنّ "الأصل أن تكتب الأعداد بالحروف من اليمين إلى اليسار، ولكنّه أجاز أن تكتب الأعداد من اليسار إلى اليمين بسبب التأثر باللغة الأجنبية والاحتكاك بها. وأمّا جوابه عن تمييز مثل هذه الأعداد، فبدأ بالتذكير بحكم التمييز بعد الأعداد من 11 إلى 99 منصوبا، وفيما عدا ذلك يأتي مجرورًا، وقال إنّه يرى "المحافظة على حكم التمييز حين تكون أعداده أرقاما مكتوبة كتابة رقمية، أما حين تكتب كتابة أجنبية أو تقرأ قراءة مثلها، فلابد أن يتبدّل الحكم، ولابد أن يتبع الترتيب الجديد، ولعل هذا ما جعل المجمّع اللغوي القاهري يفتي بجواز ذلك".
كما قدّر الباحثان اللّذان سجّلا أنّ صاحب ركن "الخطأ والصواب" بجريدة "الشعب"، ظل يحرّر النصائح "يوجّهها إلى المفكّرين والدعاة في الحقل الإسلامي بأسلوب لطيف جميل"، وكان يذكر بضرورة "الالتزام بالصواب اللغوي واجتناب الأخطاء اللغوية في كل ما يُقال ويكتب"، يخاطب مستندا إلى شروح الأحاديث النبوية، وخصائص ابن جني وإرشاد الأريب لياقوت الحموي.
وسجّل روان وحساني أنّ الأستاذ محمد فارح رحمه الله، أظهر من خلال ركن "الخطأ والصواب" سعة في الاطّلاع وغيرة على اللغة العربية لا حدود لها، كما أنّه في كثير من الفقرات يخاطب القارئ ب (يا أخي وأخي العربي) و(أخي العربي المسلم)، ثم يصوّب الأخطاء فيقول - على سبيل المثال - استقبل فلان فلانا لا استقبل فلان من طرف فلان".
للإشارة، فإنّ الأستاذ محمد فارح، هو شيخ النّحاة العرب دون منازع، وقد حظي بجريدة "الشعب"، وحظيت به، فكانت المنارة السّامية التي رافقت قرّاءها بكل جميل، وظلّت على العهد لم تبدّل تبديلا.
رحم الله الأستاذ محمد فارح، ولقّاه نضرة وسرورا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)