الجزائر

"شذرات الغواية".. اشتغال على ثيمة الغواية




”شذرات الغواية” للكاتب عمار بن طوبال الصادرة عن منشورات القرن ال21، نصوص أدبية قصيرة مكتوبة بأسلوب مكثف لا ينشغل بالتفاصيل بمقدار ما يشير إليها. النصوص، باستثناء بعضها المتعلق بالرواية، ليس هدفها إنتاج أو نقل معرفة، إنما خلق متعة لدى المتلقي، فهي شذرات إبداعية تشتغل على ثيمة الغواية، أي الانجذاب الشديد المرفوق بمتعة تزيد كلما كان القرب أكثر من الموضوع سبب الغواية.الكتاب بالإضافة إلى المقدمة وتمهيد نظري حول المرأة والحب والجنس كثلاثية خالقة لحالة الإغواء في النفس، يحتوي على ثمانية فصول منفصلة موضوعا ومتفاوتة طولا، ولكنها تلتقي في أسلوب الكتابة الإيحائي المكثف، كما تلتقي في كونها تتمركز حول مواضيع تمتلك جاذبية خاصة ويتم الاقتراب منها بأسلوب حميمي. لهذا فكل فصل مخصص لغواية ما: غواية الكتابة، غواية الرغبة، غواية الذاكرة، غواية المرأة، غواية الحب، غواية الذات، غواية الرواية، غواية التاريخ، وكل فصل، رغم وحدة الموضوع، لا يتأسس على نص واحد، إنما هو عبارة عن شذرات قصيرة تقترب من الموضوع الرئيسي للفصل عبر زوايا متعددة.الشذرات في النهاية ما هي إلا ترجمة لحالات نفسية مختلفة وشعور متبدل إزاء موضوع الغواية، فالكتابة الشذرية باعتبارها استجابة للحظة واقتناصا لحالة شعورية ما، تبدو متوترة، غير قارة، ولا واثقة تماما مما تقوله هنا وقد تناقضه في موضع آخر، أو تعيد التأكيد عليه بصياغة أخرى تنقل نفس المعنى تقريبا، وهذا ما سيجده القارئ في نصوص: شذرات الغواية؛ أي التأكيد على ما يشغل نفسي ككاتب من مواضيع أراها ذات أولوية بالنسبة لي، ولأن أسلوب الشذرات لا يسمح بالتفصيل والإطناب والشرح والتعليل الذي تبرره وتلجأ إليه الكتابات المعرفية والأكاديمية، ولا بالتوسع الذي تسمح به الكتابات النثرية الأخرى على غرار الرواية، فهذه النصوص الشذرية شديدة الاقتضاب، مختصرة، مكثفة، مباشرة، تعانق موضوعها دون مقدمات، وتفارقه دون تمهيد لذلك، لتنتقل نحو شذرة أخرى فأخرى، فكل فصل يحتوي على عدد من الشذرات/النصوص القصيرة والتي تتفاوت طولا بين الشذرة القصيرة التي تمامها في بضعة أسطر، والمقال القصير الذي لا يتجاوز الصفحتين على الأكثر، وكل نص، وتحت تأثير قوة الانجذاب للموضوع يبدو كحالة مغازلة بشكل ما، بالإضافة إلى كونه يتحول إلى موضع تأمل يستدعي محاولة الفهم.النصوص كتبت على فترات متفرقة، تقريبا على مدى خمس سنوات، وهي في أصلها لم تكن نصوصا معدة للنشر، تراكمها وتقارب بعضها بشكل جعلها ذات موضوع واحد هو الذي أوحى بفكرة تجميعها في كتاب من أجل النشر، في جل هذه النصوص القصيرة حاولت إختبار أسلوبي في الكتابة، فهي نصوص قائمة على الأسلوب أولا، وعلى الهاجس النفسي والفكري ثانيا؛ فهي انكتبت استجابة لهواجس نفسية شديدة الحميمية: رغبات ومشاعر، بعض الغزل، تخيلات مفتونة بتفاصيل معينة. وبعض التفكيرات العابرة في مواضيع تشغل البال وتستفز العقل للتفكير فيها وحولها، وكلها مشدودة إلى خيط الغواية، فلولا قوة الغواية التي تمارسها هذه المواضيع، وتشحذ لها همّة الكتابة، ما كان لهذه النصوص القصيرة أن توجد.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)