الجزائر

شخصية الأسبوع‎:‎‏ د.عبد الوهاب بن 'ونية أخصائي علم الأوبئة والطب الوقائي لـ''المساء'':‏



شخصية الأسبوع‎:‎‏ د.عبد الوهاب بن 'ونية أخصائي علم الأوبئة والطب الوقائي لـ''المساء'':‏
 
يتحدث الدكتور عبد الوهاب بن 'ونية أخصائي علم الأوبئة والطب الوقائي بمستشفى مصطفى الجامعي في حوار مع ''المساء''، عن أهمية تغيير نمط الحياة كأسلوب للوقاية من الأمراض المعدية وغير المعدية، كما ثمن الأخصائي برنامج الرئيس في القضاء على السكنات الهشة واعتبره من أرشد السياسات المطبقة لحد الآن، والذي له إلى جانب الهدف الاجتماعي، هدفا صحيا ووقائيا هاما ومنه حفظ الصحة العمومية من أخطار الأوبئة المتنقلة المرتبطة بتلوث المحيط. كما تحدث كذلك عن الوعي الصحي الذي اختزله في نقطة التنسيق الحقيقي بين القطاعات حفاظا على صحة المجتمع.
- ''المساء'': لقد كان لكم مؤخرا حديث مع الصحافة حول أهمية الوقاية، وأشرتم إلى أن الإعلام هو القناة الوحيدة التي تقوم بالوقاية، فهل معنى هذا أن برامج الوقاية المؤسسة من قبل غير فعالة؟ 
* د. بن قونية: من ناحية اليقظة الصحية نعم، فالإعلام هو فقط من يقوم بجلب الإحصائيات والأرقام عن عدد الإصابات بهذه الحالة المرضية أو تلك في أي بلدية من أي ولاية بالوطن، ولا ئحتكم اليوم في الصحة عن جهة قائمة بذاتها تمدنا بالأرقام، وإنما دراسات متفرقة تقام من أجل مرض أو داء معين، أضرب لكم مثلا بداء الالتهابات الكبدية الفيروسية كل الأرقام المتعلقة بحالات الإصابة تكشفها الصحافة، وهذا أمر سببه عدم التنظيم. فالإحصائيات هي التي تمكننا من معرفة مدى انتشار مرض عن آخر، وهل وصل إلى مرحلة الوباء أم لا، وعليه يكون التدخل السريع واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة وفي حينه، ولكن هذا الجانب غير منظم كذلك، وما زال فيه نقص للدراسات المتخصصة والتحقيقات الصحية المعمقة، مثل آخر أسوقه هنا هو الإصابة بالليشمانيا، فقد تم خلال2011 إحصاء 20 ألف حالة إصابة وهذا عدد كبير، مع العلم أنه داء مرتبط أكثر بالنظافة.
 
- وهل هذا يعني أنه لا يتم إيلاء عناية كبيرة للنظافة في مجتمعنا، دكتور، حتى تظهر أمراض مرتبطة بقلتها؟
* للأسف هذا صحيح، يمكنني القول إنه لا توجد ثقافة نظافة لحد الآن بمجتمعنا، وهذا راجع أولا وأخيرا للوزارة الوصية، فهذه الأخيرة يقع على عاتقها جانب من الأهمية للوقاية، حتى لا تصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم، فالسياسة الصحية اليوم مرتكزة على الجانب العلاجي دون الجانب الوقائي، والسياسة العلاجية تعني علاج المريض فقط عندما يمرض، والأمر عندما يكون في حالة يرثى لها، بعبارة أخرى، اِرتكزت السياسة الصحية الجزائرية لحد الآن على توفير الأدوية وتقريب العلاج من المواطن، وتناست أمر الاهتمام بملف الوقاية وترسيخ أبجديات الاهتمام بالصحة الفردية للشخص، كأهم عامل في التقليل من الإصابات بمختلف الأمراض. ويظهر عامل اللاتوازن في توزيع الأقطاب الصحية الجامعية وحتى العيادات متعددة الخدمات، كجانب آخر من المشكلة. فالأرقام تشير إلى أنه منذ ثمانينينات القرن الماضي إلى اليوم ما يزال هناك نفس العدد من المستشفيات الجامعية وعددها 13 في 10 ولايات فقط، و38 ولاية أخرى لا يتوفر فيها مستشفى جامعي، وهذا اعتبره عدم توازن خطير تنجم عنه آثار سلبية، ومنها تدني مستوى التكوين في هذه المستشفيات بسبب الضغط الكبير والمتواصل عليها، وكذلك تباعد المواعيد العلاجية التي أصبحت مشكلة يعرفها العام والخاص ويتأثر بها على وجه التحديد مرضى الأمراض المستعصية؛ كالسرطان والأوبئة الكبدية وغيرها.
 
- وماذا تقترحون لتنظيم هذا الجانب الهام، وبالتالي حل الكثير من المشاكل؟
* أولا، نعلم أن البلدية تشكل الولاية، وأن مجموع الولايات تشكل الوطن، لذلك نقترح أن تتماشى المنظومة الصحية وفق التقسيم الإداري للوطن، بمعنى هناك البلدية والدائرة والولاية وهنا نقترح قطاع صحي في كل دائرة مع توفير الوسائل المادية والبشرية لحسن التسيير، مع التركيز على الموارد البشرية أي وجود أطباء أكفّاء، ما يمكّن هذا القطاع من الارتقاء إلى قطاع صحي جامعي، ومن بعدها نقوم بتكوين الإطارات الصحية كذلك، وبذلك نرفع الضغط على المستشفيات الجامعية الكبرى، ولكن مع الإلحاح على توفير الموارد المادية والبشرية حتى لا ندخل في حلقة مفرغة، ويتم بذلك تحويل المرضى من قطاع صحي إلى مستشفى جامعي إلا في حالات الأمراض المستعصية التي تتطلب مثلا تدخلات جراحية على مستوى متقدم أو علاج السرطان.
ونتحدث هنا أيضا على الفوضى السائدة في بعض الأقطاب الصحية الجامعية، فعندما ندخل مستشفى جامعي، نجد عشرات الأشخاص يرتدون البلوزة البيضاء ولا ندري إذا ما كانوا أطباء أم طلبة، علما أننا نجد من الطلبة؛ طلبة في الطب، وآخرون في شبه الطبي، ويضاف طلبة ما بعد التدرج، وهذا حقيقة يخلق فوضى تؤثر على سير النظام وتساهم في تدني مستوى تسيير المستشفيات إداريا وعلاجيا. وحقيقة هذا مشكل كبير ندعو هنا الجهات الوصية إلى العمل على تنظيم أكثر للقطاع، والأهم متابعة مدى تحقيق هذا النظام والتنظيم ميدانيا.
 
- تشير الأرقام إلى تخرّج حوالي 800 طالب من كليات الطب سنويا بالجزائر، ولكن نسبة كبيرة منهم تحال على البطالة، وهذا الأمر اعتُبر تموها غير مقبول، ما تعليقكم؟
* لأن هناك دائما احتياج للطبيب، فإذا كنا لا نحتاجه للعلاج بسبب حالة التشبّع، فالأكيد أننا نحتاجه في الجانب الوقائي، لو كان هناك برنامج وقائي حقيقي مثلما هو معمول به في الدول المتقدمة، وتوزيع للأطباء في كامل الوطن، سيسمح هذا للمواطن القيام بإجراء فحص طبي وتحليلي على الأقل كل سنتين، وهذا يضمن  طبيا توقع أي مرض قد يتحول إلى وباء يهدد الصحة العمومية، وهذا ما يسمى طبيا باليقظة الصحية ويقصد بها دراسة تتنبأ بالأخطار المرضية المحتمل انتشارها وسط السكان، ومنها مثلا نذكر داء السكري وارتفاع الضغط وأمراض القلب.. كلها أمراض كان من الممكن جدا تفادي ارتفاع الإصابة بها لو فعلا تأسس معهد لليقظة الصحية يدرس هذا الجانب، ولو كان برنامج الوقاية فعالا أكثر.
وبعبارة أخرى، إن الوقاية تقام فقط خلال الأيام الدراسية العلمية والطبية الخاصة بمرض دون آخر، مع إعطاء توصيات ونصائح عرضية للمواطن؛ ومنها إنقاص الملح والسكر وممارسة الرياضة وبالتالي تفادي الإصابة بالسكري وغيره، والأصح إعداد برنامج وقائي فعال يختص بكل الأمراض وكيفية الوقاية منها، أي تربية المجتمع بأكمله على الوقاية، فمثلا لو تعلم المرأة منذ المراهقة كيفية إجراء فحص ذاتي للثدي، يمكن لا محالة من إنقاص عدد الإصابات بسرطان الثدي، وهكذا.
 
- وهل معنى هذا أن هناك خللا لا بد من تفاديه، وأين يكمن هذا الخلل؟
* صحيح، الخلل يظهر في عدم التنسيق بين القطاعات المعنية بملف الوقاية، ما يزال الحديث على الوقاية لحد الآن مقتصرا على الملتقيات وبعض الحملات التحسيسية التي يقودها المجتمع المدني في مناسبات محددة. وقد بدأ المجتمع الجزائري يدرك أهمية الوقاية، أي أنه وجد نفسه مجبرا على ذلك تلقائيا خاصة وأن نسبة الأمراض في تزايد، سواء الأمراض المعدية أو غير المعدية. وكما سبق وأن تمت الإشارة إليه، فإننا ما زلنا نسجل بعض الإصابات بأمراض معدية مثل الدفيتريا والملاريا وداء الكلب التي تكفي النظافة والوقاية لوحدها القضاء عليها، ونشير هنا أن البلدان المتقدمة قد قضت نهائيا على هذه الأمراض التي كانت الجزائر من جهتها قد قضت عليها القرن الماضي، ولكنها عادت للظهور مؤخرا بسبب عدم الاهتمام بالنظافة سواء الشخصية أو نظافة المحيط، وهنا ألفت إلى أن المسألة ليست سوداوية بالكامل، لأن الإرادة هنا تكفي لإعادة سحق هذه الأمراض، وهنا أحيي الإرادة الشخصية لرئيس الجمهورية السيد بوتفليقة الذي أقر برنامج مليون وحدة سكنية، وبالتالي القضاء على السكنات الهشة أو القصدير، وهو البرنامج الذي يستحق الإشادة والثناء كونه يقضي بالدرجة الأولى على الأمراض المتنقلة بسبب المحيط، وكلنا نعلم أن أمراض مثل الملاريا تنتقل عن طريق حشرة البعوض التي تكثر في محيط قذر، كما أننا نشير هنا إلى المجتمعات المتقدمة التي قضت على مثل هذه الأمراض عن طريق سياسة ''الأخضر والاسمنت'' أو تغيير نمط الحياة، بمعنى التفرقة في الأحياء بين المساحات الخضراء التي لها أهمية قصوى في الحفاظ على البيئة وعلى صحة الإنسان وكلنا ندرك ذلك، وبين الجانب العمراني بالاهتمام بجوانب الصرف الصحي الآمن، ناهيك عن مدى أهمية التفريق بين القاذورات في حاويات قمامة مناسبة.
 
- وكيف ترون هذا الجانب في الجزائر، علما أن هناك قوانين تنظم سير القاذورات والنفايات، وحتى عمل ملحوظ فيما يخص الحفاظ على المساحات الخضراء؟
* هذا صحيح ولكنه غير مفعّل، فإذا تكلمنا على سبيل المثال عن القاذورات، فإن هذا الجانب كبير وفيه الكثير من الخطوات التي لا بد من إعادة النظر فيها، ومنها العمل دون ملل على أهمية التأسيس لثقافة الحفاظ على البيئة للحفاظ على الصحة، إننا نعيش في مجتمع لا يحترم فيه أفراده أماكن ومواقيت رمي القاذورات، فعلبة السردين المرمية عشوائيا في الخلاء تصبح بؤرة مفتوحة لانتشار الأوبئة عن طريق الحشرات، والكثير من الأمثلة. والأكيد أن القطاع الصحي لا يمكنه أبدا الانفصال عن المجتمع، ودور المجتمع هنا المساهمة في الحفاظ على توازن هذا القطاع القائم بدوره على عدة أمور؛ منها الاحترام المتبادل بين الفرد ومؤسسات الدولة، والوقاية أهم من الطب، فالحياة تعايش مرة واحدة ولا بد للفرد أن يعيشها بطريقة صحيحة وصحية.
 
- نبقى في جانب الوقاية ونود معرفة كيف للإعلام أن يلعب الدور المنوط له لترسيخ أهمية الوقاية في الحياة اليومية، بحسب رأيكم؟
* نحن ندعو لئلا تبقى الوقاية مرتبطة بمناسبات معينة، وإنما عامل مثابر ودؤوب ويومي وبمناسبة أو بغيرها، وأنا أعتبر أن السياسة الصحية القائمة على الإرشاد الطبي مهمة جدا. وقبل أن يكون هذا الدور خاصا بالإعلام، هو أولا منوط بوزارة الصحة عن طريق إعداد برامج تتماشى مع هذا الهدف الهام، وأن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لإنجاحه توازي تماما إرادة رئيس الجمهورية في القضاء على السكنات الهشة. وهذا ما نسميه بالوعي السياسي للمشكل من طرف أصحاب القرار، لذلك أعيد الحديث عن برنامج المليون سكن الذي أعتبره من أرشد السياسات، والذي له -كما قلنا- أهداف اجتماعية مهمة ومنها القضاء على الكوليرا والملاريا وغيرها..
 
- وهذا يعني أن الوعي الصحي غير مسموح له إن يتراجع!
* أكيد لا بد من اليقظة المستمرة حتى نتمكن من احتواء أي مرض قد يتحول، إن نحن أهملناه، إلى وباء، خاصة مع تزايد عدد السكان، فالاحتمالات تشير إلى توقع '' مليون نسمة، وعليه لا بد من ترشيد مستمر واستقراء دائم للأوضاع الصحية المحتملة، ولذلك تحدثنا مسبقا عن أهمية إنشاء مركز لليقظة الصحية الذي تقع عليه مسؤولية استقراء الأوضاع الصحية وتسطير برامج وقائية لها وله نظرة شمولية للوقائع، والأهم أن يكون فيه مختصون من مختلف القطاعات تقدم قراءات واستقراءات للأوضاع لتفادي إلحاق الضرر بالمجتمع، ومنه مثلا كيفية بناء أحياء صحية، حسب قوانين النظافة والحفاظ على البيئة وغيره.
 
- كلمة أخيرة دكتور؟
* نتمنى أن يكون هناك وعي سياسي أولا، واجتماعي ثانيا بخطورة الوضع الصحي الذي ممكن جدا إصلاحه بالرؤية الجدية والنظرة الواقعية والمستقبلية للصحة. 



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)