الجزائر

شبكات تهريب القطع الثمينة شكلت سوقا افتراضية عبر الأنترنت


شبكات تهريب القطع الثمينة شكلت سوقا افتراضية عبر الأنترنت
”تماثيل فنية، فسيفساء بديعة، لوحات زيتية دقيقة، مرايا فاخرة، مزهريات منقوشة”، هي بعض من الممتلكات التي كانت على مستوى أغلب العمارات التي تم تشييدها فترة الاستعمار الفرنسي، لكن المحير في الأذهان هو سبب اختفائها بطريقة فجائية عن الأنظار، فمن وراء اختفاء التحف التزيينية بعمارات وشوارع الجزائر العاصمة؟ وما هو مصيرها بعد ذلك؟أصبحت مدينة الجزائر شاحبة منذ زمن، لكثير من الأسباب، فلا القيم الاجتماعية والثقافية ظلت على حالها، ولا تحسن اقتصادي كبير في حياة سكانها، حيث شهدت المدينة نزوح أكبر عدد من المواطنين من مختلف الولايات الداخلية فترة الأزمة الأمنية، الأمر الذي جعل البيوت القصديرية تأخذ حصتها على نطاق واسع من الفضاءات، إلى جانب إهمال السكنات التي تصنف بنايات أثرية وعلى رأسها مدينة القصبة. في حين أن ما خلفه المستعمر الفرنسي يعتبر أحد الموروثات كذلك، فالجزائريون قطنوا عمارات إلى جانب جودتها فهي تتمتع بحس فني راق، تشعر به مع مدخل العمارة، فالبعض منها جسد فيه عند كل طرف من طرفي البوابة الرئيسية للمبنى، مجسم رجل عار أعلى الصدر إلى غاية البطن، لتكون التضاريس السفلى أشبه بكتلة غير واضحة المعالم، يوحي التمثالين أنهما يرفعان المبنى على ظهريهما بدعم من السواعد. وعند التأهب لتسلق الدرج تجد صوب عينيك تمثال يجسد ”فتاة” أو ”فتى” بتعابير وجه مبتسمة وحركات لطيفة، لتشمل هذه التماثيل الشرفات كذلك.أما خارج البنايات السكنية، فقد كانت الحدائق والساحات العمومية مفعمة بتماثيل جميلة، تبرز دقة فن النحت الذي تميز به الفنانون في تلك الفترة الزمنية وكانت أغلبها تصنع من مادة البرونز، ما جعلها تصمد لسنين طويلة. كل هذا يعطي خصوصية للمدينة، كما أن جميع ما خلفه الاستعمار الفرنسي أصبح اليوم تراثا جزائريا يجب المحافظة عليه، لأنه ملك للجزائريين وهم من يستفيدون منه.وعوض أن يحافظ المواطنون على هذه القطع التزيينية ويواصل المسؤولون تجسيدها في إطار المشاريع السكنية كفكرة إيجابية داخل المدينة، أخذ الوعي الاجتماعي والثقافي الشعبي في التدهور إلى غاية المساس بها، ويتضح هذا جليا من خلال الحوار الذي جمعنا مع الباحث والاعلامي فوزي سعد الله، الذي كشف الكثير من اللبس حول ظاهرة اختفاء الكثير من التحف التزيينية بعمارات وشوارع الجزائر العاصمة، خصوصا التماثيل منها. فحول سؤالنا عن سبب اختفائها بمركز المدينة على مستوى البنايات والشوارع وهل تعرضت للسرقة من طرف عصابة تهريب التحف الثمينة؟ أجابنا في قوله ”التماثيل التي تتحدثين عنها غالبيتها اختفت ليس بالسرقة، من وجهة نظري، وإنما بسبب ضعف الحس المدني الذي أدى إلى تهديمها أو اقتلاعها ورميها بكل بساطة. صحيح أن البعض اقتلعها بدوافع مرتبطة بقناعاته الدينية اعتبارا بأنها أوثان وأصنام يحرِّمها الإسلام... من وجهة نظرهم طبعا. لكن غالبيتها اختفت بسبب التدهور الأخلاقي والمدني الذي يطال البلاد. وهذا أمر طبيعي ومنسجم مع الانحطاط العام الذي تمر به الجزائر في جميع المجالات والذي بدأ من ”القمة” ثم تعمم إلى ”القاعدة””. ليؤكد لنا فوزي سعد الله أن مثل هذه التحف التزيينية لم تكن موجودة فترة الحكم العثماني من تاريخ البلاد.يضيف ذات الباحث في معرض حديثه ”.. لكن انهيار الحس المدني وتراجع القيم الأخلاقية لم يوفرا هذه التصرفات عن التراث الجزائري العثماني. من المعروف أن قصورا كاملة في قصبة الجزائر جرى ويجري تهديمها ونهب محتوياتها من زليج وأعمدة رخامية من أجمل ما صنع حرفيونا في الحقبة العثمانية ومن أجمل ما أنتجته معامل الرخام في البندقية وجنوة الإيطاليتين التي صدرت الكثير من هذه الأعمدة إلى بلادنا، فضلا عن المخطوطات وغيرها”.وفي محاولة استفسارنا فيما إذا كان ل ”الفكر الإسلاموي” الذي كان ينشط بقوة فترة التسعينات بالجزائر، دور في إزالة هذه التماثيل، أجابنا سعد الله في قوله ”الظاهرة سابقة لذلك. عندما كنا صغارا في السبعينيات، كنا نرى هذه الظاهرة، وكثيرا ما كانت هذه التماثيل عند مداخل العمارات تُحطَّم من طرف الأطفال والمراهقين دون أيّ بُعد سياسي. أنا أتحدث عما شاهدتُه بعيني في الحي الذي كنت أسكنه في مدينة الجزائر على مرمى حجر من قصبة المدينة”.وقد نشرت وكالة الأنباء الجزائرية مقالا شهر جوان المنصرم، حول سرقة القطع الثمينة التي يتم تهريبها خارج الجزائر، ويؤكد مدير الحماية القانونية للتراث الثقافي وتثمين التراث بوزارة الثقافة، مراد بتروني، أن ”المواقع الأثرية على الهواء الطلق التي تزخر بها ولايات شرق البلاد تعد الأكثر عرضة للنهب والتهريب من طرف شبكات تفننت في النهب على الآثار خاصة مع تشكيلها سوقا افتراضية على الأنترنت وبيعها بأثمان باهظة في الخارج حيث الطلب عليها في تزايد مستمر”. وفقا لذات المصدر فإن ظاهرة تهريب الآثار بالجزائر ليست وليدة اليوم غير أنها بلغت ذروتها خلال التسعينيات نظرا للظروف الأمنية الاستثنائية التي مرت بها الجزائر، حيث هربت قطع أثرية نادرة وذات قيمة لا تضاهى إلى أوروبا ودول الجوار. وقد اعترف رئيس فرقة مكافحة المساس بالتراث الوطني بالمصلحة الولائية التابعة للشرطة القضائية لأمن ولاية الجزائر، أنه من بين المنحوتات والتحف التي يعود تاريخها إلى حقب مختلفة من تاريخ الجزائر الثري، أريد المتاجرة بها أو تهريبها من طرف جزائريين بالتواطؤ مع شبكات دولية”.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)