ترأس الملتقى الذي نظمته جامعة الجزائر2 مؤخرا، حول ''دور التربية في الحد من العنف''، وهو رئيس اللجنة العلمية التي أشرفت على الدراسة التي دارت حول هذا الموضوع، والتي قدمت نتائجها واستنتاجاتها خلال الملتقى. الدكتور طاهر عبسي مشوار في التعليم بكل أطواره يمتد على نصف قرن، وهو يرفض التقاعد، ليس لأسباب مادية، ولكن لكونه يريد إعطاء وجهة نظر أخرى تحتاجها الجامعة التي يدافع عنها والتي تقوم على التنوع والاختلاف. اِلتقيناه بمعهد علم النفس، حيث تحاورنا معه حول موضوع الدراسة ومسائل أخرى لاتقل أهمية.
المساء: قدمت مؤخرا نتائج دراسة أشرفت عليها حول ''دور التربية في الحد من العنف'' في ملتقى نظم بجامعة بوزريعة. كيف جاءت فكرة الربط بين التربية والعنف؟
الدكتور عيسى: في البداية، فكرت في الموضوع على أساس أنني عشت في التربية منذ نصف قرن تقريبا، أقصد التربية النظامية عبر كل مراحل التعليم من الابتدائي إلى الجامعي... عرفت مشاكل التعليم عامة ومشاكل التربية خاصة، وبما أنني انتميت إلى أحد مخابر البحث في جامعة الجزائر، قلت: إننا عندما نفكر في أهداف التربية بإمكاننا أن نتساءل عما إذا بلغت الأخيرة أهدافها؟ وهل تمكنت من حل بعض الصعوبات التي يعيشها الإنسان سواء بصفة فردية أو جماعية أي في إطار المجتمع، وما موقفها من الظواهر الخطيرة التي يعيشها المجتمع؟ من بين هذه الظواهر، اِخترت العنف الذي جمعت حوله مجموعة من الأساتذة بعضهم كانوا طلبة عندي، وأخذت رأيهم حول الموضوع. الملاحظ أن هناك بحوثا كثيرة تحدثت عن العنف في المدرسة، وعندما أتحدث عن العنف في المدرسة، فكأنني أتحدث عن المرض في المستشفيات.. أي كأني أقول؛ إن المستشفى لايمكنه معالجة المرضى، إما لعدم وجود أدوية أو غياب الكفاءات الطبية. تساءلت كيف تشتكي المدرسة من العنف ومهمتها أن تربي؟ وماذا فعلت التربية للحد من هذه الظاهرة؟ بدأنا بنقد الثقافة الموروثة، فالقيم التي نشأنا عليها سواء صالحة أو غير صالحة نتأثر بها. وتساءلنا، هل الثقافة التي توارثناها هي التي جعلتنا ''أشرارا'' إذا صح التعبير؟رجعنا إلى الثقافة المنقولة -إمكانياتنا ضعيفة فلم نستطع التوسع فيها- والمكتوبة -بالعربية والفرنسية- ودرسنا محتواها. ووصلنا إلى أنها ذكرت ظاهرة العنف في سلوك الرجال أكثر منها في سلوك النساء بأبعاد ومستويات مختلفة، وهذا السلوك كان يعبر عن ضعف اجتماعي وحالة اقتصادية معينة، ثم درسنا المجتمع الجزائري من كل جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أجرينا مسحا على كل الأطروحات التي نوقشت في الجزائر حول الموضوع من خلال استعراض بعض نتائجها. ولاحظنا أن عددا كبيرا منها ترجع العنف إلى أسباب وهمية أكثر منها واقعية... قلنا نذهب أبعد من هذا لنعرف ما يجري داخل المدرسة، ودرسنا محتوى بعض الكتب المدرسية على مستوى معين، وخرجنا بنتائج تتعلق بثقافة المعلم والوسائل، فالعنف مستعمل حتى في طريقة التقويم، عندما يعطي معلم تلميذه علامة ويقول له إنك لاتساوي شيئا، قد يجعل منه إنسانا عنيفا. كما وزعنا استبيانا جامعا مانعا عبر كل أرجاء الوطن، وصلنا عبره إلى استنتاج يفيد بوجود عنف على مستويات كثيرة داخل المؤسسات التربوية، داخل الأسر، في العلاقات بين الزوجين، في المستويات الاقتصادية بين الفقير والغني. فالعنف مشكل مرتبط بالجو السائد داخل المجتمع.
إجمالا، الدراسة دامت ثلاث سنوات ولم تنشر بعد، نتمنى أن نتمكن من ذلك، لنضعها في متناول الجميع، وعلى الأقل، حركنا العجلة التي كانت متوقفة، فأنا أُحمّل التربية ما يجب أن تتحمله. أتذكر هنا قصة معلم فرنسي سأله المفتش التربوي، لماذا يخطئ هذا الطفل؟ فرد عليه: ''ماذا أستطيع أن أقدمه لهذا الطفل؟ إنه لايحبني''. تلاحظين هذه العلاقة، التلميذ لايحب المعلم وبالتالي يكره المادة، ولما تحتل الكراهية مكان المحبة ندخل في النزاعات والمشاكل.
- برأيكم ماهي الحلول الواقعية التي يمكن أن تحد من العنف؟
؟ هناك جو يجب أن يسود حتى نتمكن من الحد من الظاهرة، إذ علينا الخروج من ثقافة الانتقامات التي بقيت إلى يومنا هذا قيمة سائدة في المجتمع، وإرساء قواعد ثقافة المحبة، فهي التي تمكننا -إذا غرست داخل الانسان- من جعل الحوار ممكنا، لأن الحوار بين الأعداء ينبني على مصالح، لكن بين الناس الذين يحسون بالطمأنينة والراحة، فإنه يصبح ثقافة جديدة تمكن كل طرف -مهما كان- من الحوار مع الطرف الآخر. هي تلك الأرضية التي تنطلق منها الثقافة الجديدة التي تؤدي حتما إلى الحد من مفهوم العنف واستبداله بمفهوم ''اللاعنف''. وأقول المحبة وليس الرحمة، لأن الرحمة مبنية على العطف الذي يمنحه القوي للضعيف، أما المحبة فهي بدون قيود، وهي البذرة الأولى التي تخرج منها قيم جديدة، ومنها الحوار.
- لكن كيف ومن هو المخول بإرساء هذه الثقافة الجديدة؟
؟ الإجابة ستكون في موضوع بحث جديد سيعدّه فريق آخر. إننا مثلا نبحث في دور ثقافة المعلم في تغيير الذهنيات، هذه الثقافة الجديدة التي نريدها لا تعتمد على النقل والتبعية ولكن على الإبداع والنقد الذاتي أولا وقبل كل شيء، لأن النقد الذاتي يسمح للإنسان بأن يقوّم نفسه ويقيمها، وغيابه يؤدي إلى الانفراد بالرأي والأنانية والسلطوية والخروج من القانون، وكل هذا يساهم في ظهور العنف. فالمعلم الذي لاينتقد نفسه لايمكن أن يقول بأن الصفر الذي تحصل عليه التلميذ هو في الحقيقة علامة تحصل عليها هو. ومعنى هذا أن يراجع مستواه الثقافي وطرقه التربوية وعلاقاته بالطفل ويحاول أن يعرفه ويفتح له مجالا آخر، بحيث يتعاونان. إن الثقافة الجديدة هي التي تسمح للناس بأن يتعاونوا بدل أن يتصادموا، اليوم نحن في حالة صدام في كل مكان ولأي سبب. نقرأ يوميا في الجرائد عن ناس يتقاتلون بالسيوف، يجب أن توضع قوانين يتفق عليها الجميع بطريقة ديمقراطية وتطبق على الجميع لمصلحة الجميع.
- كيف يمكن للبحث العلمي أن يساهم في ترسيخ الثقافة الجديدة؟
؟ البحث العلمي يجب أن يتحرر من التقليد، ولن يتم ذلك فجأة وإنما يكون ببعث روح جديدة على مستوى البحوث العلمية. ماهي هذه الروح؟ أولا التخلص من الذاتية، وليس الأمر سهلا لأنك عندما تحمل أفكارا معينة تجاه ثقافة معينة وتتهمها بأنها سبب تخلفك، تصبح تكره هذه الثقافة وكل الثقافات التي تشبهها، وبالتالي تتقوقع وتدور في ثقافتك التقليدية وتعتقد أنك تتقدم وأنت تدور في حلقة مفرغة. في هذا الإطار، يمكن الحديث كذلك عن مشكل الأنانية وحب الذات في مجال البحث العلمي.
- وماهي الحلول إذا؟
؟ بالنسبة للحلول فهي صعبة، لماذا، لأنه يجب أن تحل ثقافة جديدة محل الثقافات الطاغية، تحل العقلانية محل ثقافة النقل. ويجب أن يطغى المنطق على التبعية، ويجب كذلك أن يقوم مقام مايسمى بالأفكار المسبقة...لأننا لدينا أفكارا مسبقة تجاه بعض المفكرين من الذين ساهموا في تطوير محيطهم. عندما نتخلص من هذا الإشكال، يمكن للبحث العلمي أن يتطور، لكن مادمنا نقيده بشروط معينة، بحيث يجب أن يكون مناسبا تماما لما نريد أن يكون عليه، أي نضع إطارا وندمج فيه البحوث، فإنها تصبح سجينة للإطار الثقافي والذاتي. يجب أن نحرر الإنسان أولا وقبل كل شيء، ونحرر أفكاره ثانية ونمكنه من الإطلاع على مايفعله الآخرون في البلدان الأخرى بغض النظر عما يحدث في بلدهم، لأن الإنتاج في بلدنا ضعيف جدا جدا، ووقعنا في التكرار. نسجل ضعفا كبيرا في مجال البحوث الأولية أو الأساسية، لأن هناك عوائق ابستمولوجية تقف في طريقها. وأبعد من هذا أقول يجب الدخول في عهد الديمقراطية وتوظيف العقلانية والاستعانة بالذين كانوا سببا في تطوير ثقافتهم في وقت من الأوقات. إنها الأرضية التي يجب أن تنطلق منها البحوث في جامعاتنا وإلا سنبقى نكرر ماهو موجود عندنا، وننغلق في إطار معين لانخرج منه، وبالتالي لانستطيع أن نتقدم.
- إذا قلت أنه صعب إحداث تغيير في مجال البحث العلمي، فكيف بإحداث تغيير في المجتمع؟ كما أن الحديث عن الديمقراطية يحيلنا إلى الجانب السياسي من المسألة؟
؟لانستطيع أن نفصل الجانب السياسي عن العلمي، لأن الوزارة هي التي تمول الجامعات وهي تخضع لبرنامج وسياسة معينة، لذا عندما تقوم هذه السياسة على الديمقراطية وتريد تطوير المجتمع، يجب أن تستغل المخابر من أجل طرح مواضيع شائكة، حتى تلك التي تمس بعض الجوانب التي لايجب أن تمس، والتي يمكن أن تخلق صعوبات في إطار العلاقات مع الزملاء..الخ، لكن الساحة العلمية تجبرنا على المثابرة والعمل. المشكل أن الظواهر التي ذكرتها كالأنانية والانفراد بالرأي وكأنها نقلت من المجتمع إلى الجامعة، وكأن الجامعة جزء من المحيط الذي نعيش فيه، من هنا أنا طالبت بأن لانكون على صورة المجتمع بل نحمل صورة جديدة عن الجامعة التي ستعمل تدريجيا على إزالة النواقص الموجودة في المجتمع، لكن بما أنها موجودة داخل المؤسسات التربوية، فيجب أن نهتم بها.. أنا لم أذكرها بصفة اعتباطية بل لأنها حقيقة موجودة وتخلق صعوبات بين كل الأطراف، لذا يجب أن نتعلم النقد والنقد الذاتي الذي يُبني على التواضع، لأنك تقبل أن تُنتقد من شخص مهما كان مستواه. فالإنسان يتكون ويتطور ويتغير. أنا شخصيا تغيرت، ففي وقت من الأوقات كنت أحكم على الناس بطريقة مطلقة، ولكن تراجعت وتساءلت لما لا أكون أنا السيء أو المخطئ أو المذنب؟
- وما الذي غير رأيك وموقفك من الأشياء؟
؟ الاحتكاك بالثقافة اليونانية هو الذي غيرني، عندما اطلعت على ما كتبه سقراط أو بالأحرى ماكتبه أفلاطون عنه... اكتشفت أن هذا الشخص تواضع إلى درجة لا يمكن أن نتصورها، كان يتكلم مع جميع الناس ويناقشهم مناقشة منطقية، ويقودهم تدريجيا لاكتشاف الحقيقة كما هي. مثل هؤلاء المفكرين لم يكونوا مدمجين في ثقافتنا، لأن ثقافتنا تقوم على المطلق، نقول فلان بن فلان يعرف كل شيء وأنت يجب أن تكون تابعا له ولاتناقشه وتفعل مايأمر به. أنا نشأت على هذه الثقافة، ولما اكتشفت قيما أخرى، قلت إنني على خطأ ويجب أن أراجع نفسي. لما نكتشف بعض المفكرين الذين كانوا أعمدة النهضة الأوروبية مثل؛ ديكارت الذي اعترف أنه يشك في كل شيء حتى في الله!... وأراد تدريجيا أن يضع كل شيء تحت منظار العقل ويدرسه دراسة موضوعية ويتساءل عنه، حتى وصل إلى وضع القوانين التي تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ وهي قواعد ديكارت لتقود عقلك...ألا نستطيع أن نتغير؟ من لايتغير فإنه مصاب بمرض خطير اسمه التعصب. وأنا هنا لا أتعصب لديكارت أو غيره وإنما درست طرقهم، فهم يقولون لنا كونوا أنتم ولا تكونوا نحن. الانسان يمكنه أن يعيد النظر في كل شيء، ويستطيع أن يكتشف قيما جديدة لأن ذهنه خال من الأفكار الثقيلة التي تمنعه من الإبداع والتطور.
- دعوت إلى ضرورة الانفتاح على الآخر. هل ترى أن المجتمع الجزائري منغلق على نفسه؟
؟ ماذا نعني بالانفتاح على الآخر؟ اليوم في بلادنا لازلنا لم نخرج من الثورة التحريرية، لازلنا نكرر المآسي التي عشناها. هناك أجيال جديدة يجب أن تبني علاقتها بالآخر على أساس التعاون. ليس معنى ذلك نسيان التاريخ، فالتاريخ لاينسى وإنما ننطلق من فلسفة جديدة؛ إنني أنفتح عليك وأتعامل معك لأنك إنسان، ونتعاهد للقضاء على مشاكلنا وتطوير بلداننا. ما أنتجه يفيدك والعكس صحيح، وهذا يدخل في إطار المصالح المشتركة.. من الضروري أن نعيد النظر في سلوكنا، وأن لانمجد دائما الذين قاموا بثورات عنيفة. هناك ناس قاموا بثورات ثقافية، فالبلدان الغربية تقدمت في إطار سلمي عندما حاولت أن تتعاون وتتقارب. فلا يجب أن نتذكر دائما الأمور السلبية التي يمكن أن تكون سببا في خلق القطيعة. فيمكن أن نبني أرضية جديدة على أساس ثقافي، فديكارت فرنسي لكن ثقافته جعلته عالميا، نفس الشيء بالنسبة لفرانس فانون الذي اِنضم إلى الثورة ونادى بالعنف الثوري ضد الاستعمار. العنف الذي يؤدي إلى هدف. قمنا بالثورة لأن هدفنا كان الاستقلال وبعده كان من المفروض أن نبني علاقات جديدة مع الدولة الاستعمارية ونبني دولة جديدة تعتمد على أسس جديدة... يمكن أن الظروف الصعبة التي مرت بها الجزائر في وقت من الأوقات جعلتنا نعاني من الصعوبات المستمرة إلى غاية الآن. أما الجامعة الجزائرية، فيجب أن تكون منفتحة على جميع الجامعات؛ عربية، أوروبية وأمريكية، لانفرق بينها إلا من حيث البحوث التي تقدمها لنا والتي تسمح لنا بأن نتطور لنكون في مستواهم، ولما لا نتعداهم.
- كيف ترى دور وسائل الإعلام في الحد من العنف؟
؟ وسائل الإعلام في الجزائر مرت بظروف صعبة جدا. تعلمنا منذ الاستقلال الاعتماد على الآخر، لم تعط الفرصة للمواطن الجزائري أن يعبر تعبيرا صادقا على مايريده في إطار النقد الذاتي والانفتاح على الآخر...الخ. وسائل الإعلام عليها أن تؤدي دورها بانتقاد كل الأمور وتقديم النصائح. في الثقافة الجديدة تكون وسائل الإعلام قناة تحمل هذا التغيير، بحيث تستطيع الحديث في كل الميادين، وتتحرر من التقليد وتكون على مستوى مسؤولياتها، لذا نحن لا نتكلم على إفراد معينين أو ثقافة معينة نحن نريد ثقافة تعطي قيمة للإنسان.
- في الكلمة التي افتتحت بها الملتقى، وصفت الطلبة بـ''جيل الديمقراطية''، لماذا؟
؟ أتمنى أن يكون الطلاب كذلك. أريد أن ينفتحوا ويعيشوا في جو خال من الأزمات، أن تكون الجامعة في خدمتهم ليس من حيث التسجيلات فقط ولكن بتوفير المراجع والإمكانيات التي تجعلهم يكتسبون ثقافات جديدة ويتقنون لغات أخرى، لأنها نافذة على العالم، لو لم أدرس لغات أخرى لاسيما الفرنسية لما اِطلعت على ماكتبه الآخرون، لكن أنا تحررت بنفسي. الجامعة يجب أن تكون في هذا المستوى، لا أقول نقضي على القديم وإنما القديم قديم والجديد جديد لأنه يحمل أمورا جديدة، مثل المحراث والجرار... يجب أن نقارن فقط بين نتائج ماتقدمه الحداثة بالنسبة لما قدمه التقليد... إذا كان الأخير لايسمح لنا بالاندماج في سياق تطوري وحداثي يجب أن نكتسب الثقافات التحررية التي تعطي لكل واحد مسؤولية. والطالب عليه أن يتحمل مسؤولية النجاح، يجب أن يوظف الإنسان يديه في وقت واحد مع مخه، أن يسيرا معا في إطار التكافؤ، فالرجل ذكي لأن لديه يدين، كما قال مفكر يوناني.
تعرف وحدات الكشف والمتابعة التي تهتم بقطاع الصحة المدرسية بعنابة، نقصا فادحا في عدد الأخصائيين النفسانيين بسبب محدودية التوظيف، بالإضافة إلى تراجع نسبة التكفل بالمصابين بأمراض العيون والجراحة العامة، وذلك بسبب تسجيل ضعف في عدد الأخصائيين في هذه الأمراض.
وحسب الخريطة الصحية، فإن عنابة تحصي نحو 20 وحدة كشف ومتابعة دائمة تتوفر في أغلبها على 5 أخصائيين، كانوا قد استفادوا من عقود التشغيل، وهذا الرقم يعكس بعض العجز، لأن تنظيم التأطير بهذه الوحدات يقتضي التدعيم بعدد معتبر من النفسانيين، إلى جانب وجود 25 طبيبا عاما وهو عدد غير كاف للتغطية، علما أن المعدل الوطني المتفق عليه هو طبيب واحد لكل7 آلاف تلميذ، إلا أن المسجل على مستوى المؤسسات التربوية، فإننا نجد غالبا أن طبيبا لـ 10 ألاف تلميذ خاصة بالقرى و المناطق النائية.
وحسب برنامج الصحة المدرسية لمديرية الصحة والسكان لهذه السنة، فإنه سيعمل على تقليص عدد التلاميذ مع مطلع السنة القادمة، وذلك عن طريق توفير أطباء إضافيين، وحسب نشاط وحدات الكشف والمتابعة، أنهم سجلوا خلال سنتي 2010 و2011 نحو 100 ألف و400 تلميذ تم فحصهم، أي ما يعادل75 بالمائة، أما نسبة التلاميذ المستهدفين على مستوى المؤسسات التربوية بولاية عنابة، فهي 90 بالمائة، أما التلاميذ الذين تم فحصهم بلغت نسبتهم نحو 19 بالمائة. هذا الرقم ضئيل بسبب تغيير أماكن الدراسة.
كما أن التكفل ضعيف جدا، خاصة فيما يتعلق بعملية الاهتمام بالأمراض المعدية سريعة الانتشار في الوسط المدرسي، وهو الأمر الذي رشح ولاية عنابة لتتصدر المرتبة الأولى من حيث عدد التلاميذ المصابين بداء الحساسية والجرب نتيجة نقص النظافة. أما المشاكل الأخرى المسجلة، فتتمثل في قصر النظر لدى تلاميذ المدارس بـ 800 حالة، ونقص في السمع 40 حالة، واضطرابات في النطق 50 حالة، وديدان الأمعاء 160 حالة، بالإضافة إلى الحالات النفسية وفقر الدم وأمراض الروماتيزم، و30 حالة صرع، وهناك حالات أخرى تخص تلاميذ لم يتمكنوا من عملية الاندماج في المحيط المدرسي.
وفي سياق آخر، يعتبر تسوس الأسنان وأمراض الفم الأكثر انتشارا وسط التلاميذ خاصة منهم في الطور الابتدائي، فهناك ما يقارب 3 آلاف حالة تسوس سجلت خلال سنتي 2010 و,2011 يحدث هذا في وقت تتوفر فيه ولاية عنابة على 99 مختص في جراحة الأسنان، وعلى مستوى وحدة الكشف يوجد 4 أطباء، أما عملية الكشف الجواري، فقامت بمعالجة 9 آلاف تلميذ موزعين بالمناطق النائية والمهجورة ببلديات عنابة.
تظهر التجارب الواقعية في مجال العمل التطوعي، أنّ الحكومات لا تستطيع وحدها تحقيق كافة الغايات المنشودة في هذا المجال دون المشاركة التطوعية للمواطنين والمجتمع المدني، إلا أنّ هذه المساندة المطلوبة وفقا للمعطيات المسجلة، لم ترق بعد لتكون ثقافة مجتمعية رغم أنّها من أعراف المجتمعات العربية وواحدة من أبرز قيم الدين الإسلامي، مما يطرح اِنشغالا حول: أسباب اِنحسار ثقافة العمل التطوعي وسبل تدعيمها لتكوين أجيال ترتكز على قاعدة الخدمة التطوعية؟
وبهذا الخصوص، ناقش بعض الخبراء والشباب العربي قضية العمل التطوعي في إطار اللقاء العربي الـ 16 للعمل التطوعي والحركة الجمعوية المنظم بفندق مازفران بالعاصمة. ''المساء'' اِغتنمت الفرصة لتطرح على بعضهم سؤالا مفاده: ما هو تقييمك لمستوى العمل التطوعي وسط الشباب العربي؟
بداية يقول رئيس الوفد العراقي ''حسام حسون'': ''إنّ للعمل التطوعي والحركة الجمعوية دورا كبيرا في الحياة المعاصرة، لاسيما في العراق الذي ينتظر من شبابه الكثير للنهوض بالبلاد وتعميره ومحو آثار التخريب التي خلفها الاحتلال الأمريكي''.
وبرأي السيد حسون، يجب من باب الموضوعية الإقرار بأنّ مستوى العمل التطوعي في الوطن العربي يتميز بالتفاوت من بلد إلى آخر، لافتا إلى أنّه بينما يشهد تطورا في بعض البلدان العربية بفعل تواصلها مع الحركة الجمعوية للشباب، ينزل مؤشر العمل التطوعي في بلدان أخرى، في وجود بعض العقبات، كما هو الحال في العراق التي لم يكن من الممكن السفر فيها بدون إجراءات أمنية بفعل الاحتلال الأمريكي.
وإيمانا بفكرة أنّ العمل التطوعي أساس البناء، يؤكد السيد ''حسام حسون'' أنّ تفعيل ثقافة العمل التطوعي مرهون بزرع الثقة لدى الشباب، من خلال تنويره ليقف على مقومات النجاح ومؤهلات الإبداع الكامنة لديه، مع مراعاة التفتح على كافة التجارب لاكتساب الخبرة.
ومن جانبه، يشير أحد أعضاء الوفد الإماراتي، ''عبد الله حسان الهرموتي''، أن هناك جهود متكاثفة بالإمارات العربية المتحدة بفضل الشيخ محمد بن زايد، تجسدت من خلال اِستحداث عدة هيئات ومراكز خاصة بفئة الشباب. مضيفا أنّ تنظيف المرافق العامة وعقد جملة من المؤتمرات بهذا الخصوص باتت من أبرز أوجه ثقافة التطوع في المجتمع الإماراتي.
وحسب متطوعة ومشاركة ضمن الوفد اليمني ''فادية الوادعي''، فإنّ العمل التطوعي في الدول العربية لم يرق إلى المستوى المطلوب، مبررة ذلك بالأسباب المادية التي تتأتى أساسا من البطالة، حيث أنّ هذه الأخيرة تعطل سير عجلة الخدمة التطوعية.
وعن اليمن، تكشف ''فادية الوادعي'' أنّ حوالي 50 بالمائة من الشباب اليمني يمارس العمل التطوعي في مجالات حياته اليومية، مشددة على أن هذه النسبة تبقى ضعيفة رغم كل شيء.
وتقترح في هذا الصدد توسيع مجال التوعية الإعلامية التي تسبب نقصها في عدم ارتقاء ثقافة المشاركة التطوعية إلى المستوى المطلوب.
ممثلة الجزائر في جنوب إفريقيا ''هيبة سعاد''، لا تختلف نظرتها للقضية كثيرا عن سابقيها، حيث تعتقد أنّه بالرغم من النقائص المسجلة في هذا الإطار، إلا أنّ هذا لا ينفي حقيقة أنّ الخدمة التطوعية تسير في درب الارتقاء في وجود أنشطة يقوم بها الشباب.
وتستكمل حديثها بكل تفاؤل قائلة: ''يمكن للشباب العربي أن يصل إلى أبعد الحدود في مجال العمل التطوعي، إذا تم أخذ الصعوبات التي تقف حجر عثرة في طريقه بعين الاعتبار، وفي مقدمتها العطالة، منبهة إلى أنّ الغاية المنشودة تتطلب إرساء منهجية تكفل تحقيق التنمية المستدامة.
ومن الجزائر دائما، يضم عضو المجلس الوطني للجمعية الجزائرية للشباب المثقف ''عمر حمانة'' صوته إلى الشباب الّذي يتفاءل بغد محفوف بالأعمال الخيرية التطوعية، حيث يقول: ''برأيي، العمل التطوعي في المجتمع الجزائري سائر في طريق النمو بفعل تدعيم الدولة المادي والمعنوي لأنشطة الجمعيات، مما يسمح لهذه الأخيرة بالظهور في ساحة التطوع من أجل خدمة عامة الناس.
ويستطرد موضحا أنّ قضية العمل التطوعي في العالم العربي تُطرح اليوم كمطلب من متطلبات الحياة المعاصرة الّتي تستند أساسا على التنمية والتطور السريع في مختلف المجالات.
لابدّ من تضافر الجهود العربية للوصول إلى هذه الغاية المنشودة، لكن دون إغفال حقيقة بعض المعوقات المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية، وهو ما ينطبق على المجتمع الجزائري الذي يعرف تراجعا في جانب بث روح التطوع بين أبنائه منذ الصغر، يختم عمر حمانة حديثه.
عموما، كل المجتمعات العربية بحاجة ماسة إلى أن تكون ثقافة التطوع فيها أوسع انتشارا، غير أنّ توسيع نطاقها لا يمكن أن يعتمد على بعض المبادرات الفردية، لأنّ توفير بيئة جيدة لهذا العمل الإنساني يحتاج إلى تكامل بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع، كما يرى بعض الشباب العربي الذي أدلى لـ ''المساء'' بآرائه.
الإنسانية والفردانية تعيق العمل التطوعي
وحسب تفسيرات مختصين في علمي الاجتماع والنفس، فإنّ غياب ثقافة التطوع في المجتمع الجزائري -على وجه التحديد- مرتبط أساسا بغياب ثقافة التضامن.. وهذا الغياب لديه أسبابه، ومن ضمنها غياب الأطر الاجتماعية التي تحفز الأفراد على الانخراط في الأعمال التطوعية، فعلى سبيل المثال ليس هناك فضاءات اجتماعية يتعلم من خلالها الطفل أو الشاب ثقافة التضامن، لاسيما وأن مؤسسات التنشئة الاجتماعية -وعلى رأسها العائلة والمدرسة- لم تعد تساهم في غرس مثل هذه السلوكات في شخصية الأفراد.
مع ضرورة الإقرار بأن الجانب الاقتصادي له دور في حصر المبادرات التطوعية في بعض المجالات، ذلك أن ثقافة الاقتصاد الحر تجعل الأفراد ميالين للفردانية أكثر، ومتجهين نحو ممارسة السلوكات التي لها أثر مادي.
ويرى المختصون أنّه انتشرت حاليا في بعض المجتمعات، كما في المجتمع الجزائري، الأنانية التي تحث على تحقيق المصالح الخاصة فحسب. مما أدى إلى قلة مبادرات التطوع التي تعد جد ضرورية لخدمة مصالح المجتمع. كما ساهمت بعض الظروف السياسية والاجتماعية في التأثير سلبا على نفسية الأفراد، فمن منطلق أن بعض المسؤولين لا يفكرون إلا في أنفسهم ولا يبادرون بالمساعدة والتطوع، يعزف بعض المواطنين عن التطوع بحجة غياب العدالة الاجتماعية، ومن هنا، تنشأ ذهنية فاسدة تعلق التطوع على الظروف والمتغيرات.
ومن باب التوضيح، يذكر أنّ مجلس وزارة الشباب والرياضة العرب في دورته التاسعة، بعد اطلاعه على توصية المكتب التنفيذي في دورته الرابعة عشر، وعلى مشروع اللائحة الأساسية للمعسكرات العربية الشبابية للعمل التطوعي، وبعد المناقشة، قرر اعتماد اللائحة الأساسية للمعسكرات العربية الشبابية للعمل التطوعي بصيغة تقوم على تنظيم معسكرات شبابية للعمل التطوعي في النطاق العربي، الغاية منها تنمية الروح الوطنية القومية لدى الشباب وإكسابهم إدراكا بواقع بلدانهم، ووعيا بمشاغل مجتمعاتهم.
وعلى صعيد آخر، نشير إلى أن العالم يحتفل في السابع عشر من ديسمبر باليوم العالمي للتطوع، ليكون اليوم الذي يحتفل فيه العالم تكريما للعمل التطوعي ودعما لدوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن الجدير ذكره أيضا أن فكرة العام العالمي للتطوع جاءت لتحفيز سياسات الأعمال التطوعية وتوسيع شبكاتها للوصول إلى الأهداف التنموية للألفية الجديدة، وتتلخص تلك الأهداف في التغلب على مشاكل الفقر، الجوع، الأمراض، الأمية والمحافظة على البيئة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/12/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : ن/أ
المصدر : www.el-massa.com