أصبحت الصورة تحتل، بفعل الثورتين التكنولوجية والرقمية، مكانة هامة في مختلف مناحي الحياة المعاصرة. فالعالم كله يحيا بالصورة، ويتواصل بها وعبرها، بل إنها أصبحت أداة ناجعة لنشوء الحروب والثورات، وصناعة القيم والأيديولوجيات، والترويج لها بغية التحكم في البنيات الذهنية للجنس البشري لتوجيه سلوكه وثقافته. أمام هذا التنامي الملحوظ للصورة وحضورها اللافت في مختلف المجالات، لم يسلم حقل الأدب بدوره من غزو الصورة لبعض أجناسه، حيث لجأ بعض الروائيين المنشغلين بهوس التجريب، باعتباره بحثا متواصلا عن البدائل، وسعيا حثيثا نحو التجاوز، إلى الصورة التي توسلوا بها لتأثيث فصول رواياتهم، ولتحقيق عنصر المغايرة والإبدال في الكتابة الروائية الجديدة كما هو الشأن بالنسبة لتجربة الباحث والروائي المغربي "سعيد علوش" التي نحصص لها هذه الدراسة.
تحظى الصورة باهتمام كبير في تجربة "سعيد علوش" الروائية، فقد عمد منذ رواياته الأولى التي كتبها في السبيعنيات من القرن الماضي إلى تذييل روايته "إملشيل" بملحق للصور سماه "محجوزات إميلشيل"(1)، يحتوي على عدد من الصور(وثائق إدارية، صور أيروسية، بلاغات، إعلانات، نصوص بالعربية وغير العربية...). غير أن الحضور القوي للصورة، سيظهر بشكل أكثر بروزا في رواياته التي كتبها خلال الألفية الثالثة، إذ سيحرص على إرفاق كل فصل من فصول رواياته الضخمة بملحق للصور لها علاقة مباشرة مع ما يرويه الفصل الذي يسبقها من أحداث نحو ما نجده في الرواية موضوع الدراسة الموسومة بـ "سيرك عمار"(2)، التي يبدو توظيف الصورة فيها مقصودا وليس اعتباطيا.
من هنا انبثقت إشكالية هذه الدراسة التي تنهض على فرضية عامة مفادها أن بناء الشخصيات في هذه الرواية، بوصفها علامة فارغة على حد تعبير فليب هامون (3)، وتنامي الأحداث في الفضاء والزمان، وتشييد عوالم هذه الرواية بشكل عام، يتم من خلال التفاعل بين الخطابين النصي(الملفوظ السردي) والبصري (الصورة).
وعندما نتحدث هنا عن الصورة في الرواية، فإننا لا نقصد الصورة بمفهومها البلاغي التقليدي، أي توظيف الصورة الشعرية في الرواية، كما تحدث عنها "ستيفان أولمن" في كتابه "الصورة في الرواية" (4)، ولا نقصد صورة الآخر في منجزنا السردي كما تطرق إلى ذلك الباحث المغربي "محمد أنقار" في كتابه المعنون بـ"بناء الصورة في الرواية الاستعمارية"(5)، وإنما نقصد الصور المرئية الثابتة المرسومة بريشة الفنان أو الملتقطة بعدسة الكاميرا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/09/2022
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - أوعسري الحسين
المصدر : الخطاب Volume 9, Numéro 17, Pages 85-110 2014-01-01