سيدي واضح الشلفي

قال العلامة أبو عمران موسى المازوني في ملخص كتابه "ديباجة الإفتخار في مناقب أولياء الله الأخيار": كان الشيخ سيدي ابو البيان واضح فيما حدث عنه الثقات، قاهرا لأحواله مجتهدا في العبادة|، دائم التوجه إلى الله، قامعا لشهوته، خرج في مبدإ نهايته عن أكل هذه المألوفات لا سيما ما جرى منها على ملك و احد، كان رحمه الله كشيبان الراعي عاملا صوما قوما إلى أن صار لا يفطر إلى على رأس أربعين يوما بشيء من الخبز و الحب الجودر، و نبه على ذلك حفيده الشيخ المبارك عبد الله بن يوسف قصيدته التي جمع فيها ما صح لديه من كراماته، ثم انتهى حاله في أخير عمره إلى أن كام من الروحانيين إلى أن قال:
قد مات قوم و ما ماتت فضائلهم
و عاش قوم و هم في الناس أموات
واعجبا لاحياء التموت برؤيتهم القلوب، و أموات تحيا بذكرهم القلوب.
كان إمام فريضته الشيخ الفقيه الصالح سيدي عزوز، و كانت الكهوف سيدي واضح في جبل وافرشان.
كان اشتهار أمر الشيخ سيدي واضح في أواسط القرن السابع، قال حفيده: و اشتهر حالة في أوائل الستين منه، و خضع لأمر بعد الامتحان أبو يحي يغمراسن بن زيان لما نزل عليه بجيوشه و محلاته بأعلى خنق رهيو بالموضع المعروف الآن بوزاني، و كان أبو يحي أحد حذاق وقته، و هو إذ ذاك رئيس عبد الوادي و خليفتها و ذروة سنامها، و كذلك قصده لذلك أمير تجين محمد عبد القوي، و توفي يغمراسن بعد الثمانين بعامين أو ثلاثة من القرن السابع اهـ.
و ذكر في هذا الكتاب القاضي عثمان و ابا مهدي عيسى بن فكرون الحاج الصالح فقال، كان أبو مهدي فاضلا متخلفا عابدا مجتهدا حج البيت خمسا و عشرين مرة، و قبره بمقبرة من جبل و انشريس معروف يزار اهـ.
و قال بحثت على تاريخ مولد الشيخ سيدي واضح و عام وفاته فلم أجد علم ذلك عند أحد، و كذلك ذكر حفيده أبو محمد في قصيدته إلا أنه توفي عن تحقيق في أواخر القرن السابع، و زعموا أنه تلميذ الشيخ الصالح عبد المتبرك به سيدي أبي يعقوب بن السيد العالم القدوة أبي عبد الله محمد بن محيو الهواري الشهير بالأبرش.
قال لي شيخنا أبو زكرياء: قرأ بالشرق طويلا حتى تفقه، و كان ابنه عبد الله من الفضلاء الأخيار، شهد له أبوه بالسبق في خدمة الحق، مشى معه يوما في الخندق المعروف الآن بتيسكريونفقال لأبيه: انظر إلى بيت الله الحرام فرآها، و للشيخ لأبي يعقوب خديم اسمه يوسف قال له: ما بال و جهه معوجا! فقال له الخديم: بل رأيت و جهك في و جهي، فسأل الشيخ فوجوده كذلك، و لما بحث و جد نفسه أكل تبنا من غرس غرسه في بقعة و البقعة مغصوبة اهـ.
و قال في موضع آخر: و قد ذكرنا جملة من صلحاء البوادي في مختتم" حيلة المسافر و آدبه و شروط المسافر في ذهابه و إيابه" و عقدنا فيه فضلا جيدا تضمن فوائد تنبسط لها خواطر طالبي هذه الطريقة إلى أن قال: و مناقب الشيخ سيدي أبي يعقوب كثيرة، لكنا لم نثبت منها ها هنا إلا ما صح عندي على ألسنة الأخيار الفضلاء، و قبره ببني حلوان بساحل مازونة مشهور متبرك به، فلا يرى من استند لحرمه سوءا ببركته سلفه الصالح، و يذكر أهل هذا الجليل من عشرة السبعين من القرنالثامن أنه الشريف و حذفته يذكرون ذلك و تحقق عند شيخنا الأستاذ أبي زكرياء، و في قلب والدي من ذلك شك، لكن عقبه أخلاف لم يصونوا حرمته و لا اتبعوا طريقته، و لم أعرف له وقت مولده و لا وفاة، و الناس إلى اليوم يعظمون قدره و يلمون بقدره، وزعموا أنه تلميذ الشيخ الصالح أبي زكرياء الغيلي اهـ.
و ذكر بعد ذلك مناقب أبي زكرياء المغيلي، و حلاه بأوصاف عالية و قال: هكذا وصفه الشيخ الصالح الفقيه أبو يعقوب يوسف بن يحي التادلي في كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" و أخبرني الأستاذ زكرياء يحي بن علي أن رجلا من أهل تنس صدرت منه يمين بالطلاق ثلاثا ليحجن هذه السنة، فأبطأ حتى دخل شهر ذي الحجة فاقتضى نظر القاضي إذ ذاك ابو علي حسين ابن محمد بن إدريس المازوني عزل زوجته عنه، فذهب الحالف للشيخ سيدي أبي يعقوب فأعلمه بقصته، فأمر بطبخ ثلاث دجاجات و رغائف، و لف الجميع في منديل و عمد إلى الرجل و شده ‘لى ظهره، و جعل المنديل بينهما و قال له: أثبت، فطار به حتى بلغ مكة، قال: فلا أدري أوصل به في ليلته أم بعدها، و أمره بقضاء مناسك الحج، و انه إذا فرغ كتب وثيقة عند قاضي مكة بحجة هذه السنة، ففعل و لما انصرف إلى للمدينة لزيارة مصطفى صلى الله عليه و سلم خاطبا أيضا قاضيها ثم رجع للبلده، فجعل لا يمر ببلد إلا و يخاطب له قاضيه على وثيقة، حتى وصل تنس و استظهر بذلك عند أبي علي حسن، و أثبتها لديه كما يجب، فاستكشفه عن كيفية وصله فقص عليه نبأه فاعتبر، و أطال الإعجاب و قال له، أصؤف لأهلك هذا لا يستغرب في حق أولياء الله تعالى.
و كان والدي رحمه الله و الأستاذ أبو زكرياء يقولان عنه أي عن أبي زكرياء المغيلي: إنه آية من آيات الله في العلوم، فقيه حافظ محقق، له قدم عالية في معرفة الحديث، قالا: حدث عنه من أدركنا من الفضلاء أنه يحفظ سبعة و عشرين ألف حديث بإسنادها، و غيرما مرة قال لي أبي: حدث عنه كان أبي يحدثني عنه هو و غيره من أسلافنا أنه كان إماما ثبتا محققا مشاركا في فنون العلم، يستحضر نحو من أربعين ألف حديث بإسنادها، و ناظرة مرة بهذا المسجد يعني مسجد حومتنا عالم قدم من بلاد المصامدة في غيرها فن فوجده ثبتا في كل ما ناظره فيه، فلما أعياه أمره أخذ معه في طرق الحديث فتبسم، و قال يا فقيه: الآن بلغت في و بضاعتي فتعجب منه اهـ.
و ذكر بعد سيدي أبي زكرياء يحي بن محمد الجراري و وصفه بالورع، و ذكر حكاية تدل على ورعه، و هي أن زوج أخته بعث إليه سمنا من ماشيته ليأكله الصالحون، فرده و اعتذر له بأنه لا احنياج إليه، فلم يقبل عذره و ظن أنه أساء الظن في مكسبه، فقال له: أنت تترك ماشيتك ترعى في أرضي المسلمين و أن أطعم سمنها للصالحين؟ اهـ ثم قال لي الأستاذ أبو زكرياء إن الشيخ أبا زكرياء المغيلي ليس من مغيلة جبل وانشريس، و إنما هو سفياني أو خلطي من عرب المغرب و مغيلة جماعة من تلك القبيلة، و ذكروا أنه تلميذ سيدنا الشيخ العالم العامل القدوة أبي عبد الله محمد بن محيو الهواري الشهير بالأبرش الذي ذكر أبو يعقوب التادلي في تأليفه أنه من أهل بلد تنس، كبير الشان من أهل العلم و العمل، و سبب برشه أنه كان جميل الصورة ففطن لنظر النسوة إليه، فسأل الله تغيير صورته، فانتفض عليه طائر ورشه بماء، فبرش منه:
ذو الدنيا و إن زانتك حـسنا
و لا تغررك ربات الحجـال
فليست فتنة في الأرض تخشى
أضر من النساء على الرجال
قال: أتيت في ابتداء أمري عبد السلام التونسي فقلت له: دلني على أمر، فقال لي: اذهب لسوق الكتب فأول كتاب تجده في يد الدلال فادفع إليه ثمنه و لا تفتحه حتى تأتيني به، فجئته به فقال لي: هذا سفر من الأحياء و قد أرشدك مولانا لما تنظر فيه، فنسخت كتاب الأحياء حتى حفظته اهـ.
قال و كراماته أي أبو زكرياء المغيلي أعاد الله علينا من بركاته مشهورة، و ما قيدته منها هو الذي تحققته على ألسنة الفضلاء و قبره مشهور متبرك في جبل بيسة، بينه و بين بلد تنس أميال، و لا أعلم له عقبا اهـ.
و ذكر بعد سيدي فاتح بن يوسف قال: و من الأولياء المعدودين بهذا البلاد الشيخ الصالح سيد فاتح بن يوسف، كان عابدا ناسكا فاضلا ذاكرا داعيا مبتهلا، حدثوا عن أخيه سيد يعقوب عنه أنه كان جالسا بموضع يسمى بوحوي مختليا بنفسه للدعاء و الذكر، فصار يكثر من الصلاة على الأمين جبريل عليه الصلاة و السلام، فخطر به و مسح عليه بجنحه، و يحكى عنه أن خديمه فقد كبشا من كبشين اشتهرهما للعيد، فقيل: إنه أكله أسد قرب العمارة. فذهب إليه و فتح فاه و قال: لم أجد في أسنانه أثر من الكبسن ظلمتم هذا المشومن و أمره بأن يتعشى بشاة من غنم بخيل من بني ميحة، فذهب الأسد و فعل ما أمره به الشيخ اهـ.
و ذكر بعد بورقات اسيدي فاتح رأى في منامه أن الشيخ سيدي واضح جعل في عنقه حبلا و جره غليه، فلما استيقظ قال: وجبت على زيارته، و ذهب إليه و ما قرب منه قال سيدي واضح: قوموا بنا نتلقى الزائ، فلما رآه تبسم و قال له: يا فتح لم تجيء حتى جاء الحبل في عنقك اهـ. قال و على اسم الشيخ سيدي فاتح تسمى والد الفقيه الصالح أبي عبد الله محمد بن فاتح بن يعقوبن لأنه ولد ليلة مات، و هذا الفقيه بقيد الحياة الآن مشهور بالخير والدين اهـ.
قال: و من الرجال المشهورين بالصلاح ببلدنا سيدي ابو يحي، ذكروا أنه من أشراف ساحل تدلس، و من حفدته الشيخ سيد علي بن عبو فاضل، دين معه صلابة في قول الحق، دائم الذكر، رأيته مرارا و تبركت به و دعا لي، و الصالح الزكي الورع أبو عبد الله محمد بن يحي المذكور كان زمن السلطان أبي حمو موسى بن عثمان اهـ.
و ذكر بعده الصالح سيدي يحي الشهير بامهبول، فقال: معروف في ناحيتنا بالصلاح مرفوع الصيت، و كذلك سيد مسعود بن عريف، ما وجدت من ينقل لي آثاره اهـ.
وبه ختم كتابة الذي نقلنا منه هذه النبذة، نفعنا الله ببركته الجميع بجاه النبي الشفيع صلى الله عليه و على آله و سلم تسليما.