الجزائر

سيدي عبد الله البرناوي



الشيخ العارف بالله سيدي عبد الله البرناوي، وهو أحقهم بالتقديم، و أولاهم بالتعظيم، الشيخ العالم الكبير الولي المحب الشهير قطب الطريقة و إمامها و عالم الحقيقة المنقاد إليه زمامها، و المنشورة عليه أعلامها، أبو محمد عبد الله ابن السيد الإمام الجليل أبي محمد عبد الجليل بن عمر البرناوي و الحميري، كذا وصفه في "المقصد" بالبرنوي.
قال الحلبيفي "ريحان القلوب": وأما نسبة فإنه يتصل فيما أخبرنا به السيد أبو العياس اليمني المذكور بحمير بن يصحب ابن يعرب بن قحطان اهـ. ذكره في أول كتابه المذكور، و هو من أهل بلاد برنو من بلاد السودان قاطنها و دفينها.
كان رضي الله عنه أعجوبة و قته، حدث تلميذه الشيخ الولي الشهير العلامة الكبير سيدي أحمد بن محمد اليمني عنه بعجائب مؤذنة بجلاله قدره، وعظم أمره، و كان كثير المكشافات، و أول ما قدم عليه، فوقع بصره عليه قال: أعرفت و حكى الشيخ سراج الدين أحمد بن عبد الحي الحلبي في كتابه "ريحان القلوب فيما للشيخ عبد البرنوني من أسرار الغيوب" عن الشيخ اليمني المذكور أنه قال: كانت أن الشيخ عبد الله البرنوني حال حملها به لا تحضر لهوا و لا زهوا و لا شيئا مما لا ينبغي حضورها فيه، لمقتضى الشرع إلا و أخذها وجع عظيم في جوفها، و ألم جسيم و اضطرب و انزعاج، و نحو ذلك، و لما و ضعته رضع ثديها فتارة تأخذه حال عظيمة، و اضطرب و يمتنع من الرضاع مدة، ثم بعد ذلك يرضه ثدي أمه، ثم تحصل له تلك الحالة إيضا إلى أن نطق و قت بلوغ النطق على العادة، فأخبر أمه بجميع ما كان يأخذها من الوجع و الألم، و أخبارها و بأسباب ذلك، و كانت حالته رضي الله عنه الاقتار، قال بعض أصحابه: أنا ما في يدي شيء من الدنيا سوى مدين من الدخن، فقال له الشيخ، أنا ما عندي و لو مدا و لا أملكه قال الشيخ اليمني: لما حدث عنه بهذا، و هذه صفته حتى لحق بالله تعالى قال: و كان لا يلتفت لما يأتيه من الهدايا، فإنها كانت تنزل بين يديه لا يأمر فيها و لا ينهى، فيجيء من والى فيأخذها أو يأخذ منها ما شاء فكأنها ما هي بين يديه، و ما هي في تصريفه.
و كان يذهب بأصحابه إلى موضع خال من الفلات، فيأمرهم بالتفرق فيجلس كل وحده، وينعزل عنهم هو وحده في ناحية إلى وقت الظهر قيرجع حينئذ، ثم يجتمعون عليه فيرجعون إلى قريتهم، هكذا كانت حالته كل يوم و كان دأبه التواضع مع الكبير و الصغير دائم البش، يستوي عنده البعيد و القريب في الإكرام و لا يلبس إلا قميصا واحد أضيق الكمين إلى نصف ساقه، و كان شديد الاحتمال واسع الخلق الحكي عنه تلميذه الشيخ اليمني أنه ما رآه مغضبا إلا يوما واحد إذا قال له رجل بحضرته: اللهم اقطع أصل التوارق – قبيلة وافرة من العرب يقطعون الطريق – فتغير وجه الشيخ: ثم قال للرجل: لا تساكنني ثم شفع فيه الفقرا، فسمح له.
و وشى به القاضي أبو بكر من علماء بلده إلى السلطان فلم يقبل حتى أوهمه أنه يحاول الملك و يفسد عليه الرعية فآثر ذلك فيه فأشخصه إليه، فلما دخل الشيخ على الأمير استعمل السنة النبوية في دخوله و سلامه و خطابه، فأثر ذلك في قلب الأمير تأثيرا حسنا، وكان من قول أبي بكر للسلطان في شأن الشيخ إنه كافر، فقال الشيخ السلطان: صدق أبو بكر أيها الأمير، الجهل كفر، فنسب لنفسه الجهل رضي الله عنه لئلا يزكي نفسه، وكان يقول: ذيلي طويل يطؤه البر و الفاجر، و كالحساب يضل كل شيء، و كالمطر يسقي ما يحب اهـ. و الحامل لأبي بكر على فعله الحسد، لأنه كان عالما، لكن أكب الناس على الشيخ دونه، فكانوا يزدحمون عليه أشد الازدحام.
قال الشيخ الحلبي في "ريحان القلوب": و أما علومه أي الشيخ عبد الله البرنوي، و فهومه الربانية الظاهرة و الباطنة فقد حدثنا العارف الرباني أبو العباس اليمني أن الشيخ عبد الله البرنوني رضي الهب عنه هو البحر المحيط فبي العلوم التوحيدية و الفهوم الكلامية، و الرسوم الظاهرة، من علوم اللسان البهرة و أنه آية الله الساطعة الأنوار، فيما للصوفية من الدقائق و الأسرار، احتوى على الدقائق الإلاهية، و الرقائق الأحمدية، و الاطلاعات الغيبية، و المطالعات الكشفية، و الذخائر الإلهامية، و الموارد الوهبية، و اشتمل على العلم بالخواطر و القلوب، وعلى الاطلاعات على المقامات و الدرجات لكل سالك، من مبتدئ و منته و متوسط من جميع البلاد في جميع الأعصار، من سبق عصره و ما يأتي بعده، و مقدار كل واحد، وحد مقامه، و ما قدر له، وجيء به إلى الكتاب و هو طفل صغير، فكان لوحه موضوعا حذاءه، وهو جالس لا يقرأ فيه و لكن ينظر في مرة واحدة، فيأخذه شبه السنة، فيأتي على اللوح كله مرة واحدة، فإذا أفاق حفظ ما في اللوح فلا ينساه أبدا، وهكذا دابه حتى حفظ القرآن في الزمن اليسير، و علومه كلها كانت و هبية لم يعرف له شيخ تعليم لا في العلم الظاهر و لا في العلم الباطن، فلم يعرف له شيخ في الطريق، فلهذا قال ولده الشيخ عمر لما سئل هل للشيخ عبد الله والده شيخ في الطريق؟ فأجاب بقوله: و منهم من يتولاه الجليل، و ذلك نادر ما له مثيل اهـ.
و في غريب حاله أنه كان مشاركا في جميع علوم بزيادة على ما عنده من علوم القلوب، كالنحو و الفقيه و البيان و الأصول و الكلام، وغيرها من جميع علوم اللسان، و كان يفسر القرآن تفسير العلماء الأكابر، ولما سنع بعضهم أصحابه يثنون عليه بذلك قال في نفسه: لعل هذا مدح الفقراء، قال: فلما كنت معه في نوضع خال أخذ بيدي و قال لي: ما أظهر الله و ليا إلا آمده و نصره بالعلم، وقال: وجدنا هذا العلم من اتباع الأوامر و ترك النواهي، وقال: أنا من قبل لا أعرف من هذا الأمر شيئا لكن كلما سئلنا عنه نجيب عنه بإذن الله، و قال بعضهم في نفسه لما سمعه يقرأ ألفية ابن مالك: ما يصنع الشيخ بالنحو؟ فقال الشيخ له على سبيل الكشف: لولا الفقهاء ما نعبأ بهذا العلم، و قال في إثر ذلك: الكلب لا يخليك إلا إذا كان بيدك العصا تضربه بها اهـ.
و قد بين كلامه الشيخ الحلبي في "الريحان القلوب" و بسط القول فيما كان ينبغي، وأجاب عن قوله: لولا الفقهاء ما نعبأ بهذا العلم بأحوبة ثلاثة، نقتصر على البعض من الأول منها: و حاصله إنه لما علم أنهم لا يعظمون إلا من كان عالما بعلمهم اللساني أراد أن يرحمهم لئلا ينقصوه فيهلكوا، و لهذا نظائر معلومة، وهو من جملة ما وجه به ما كان يستعمله الشيخ ابن عباد رضي الله عنه من اللباس الرفيع.
و مات صاحب الترجمة في محاربة وقعت بين التوارك و بين أهل مدينة كنبر من السودان التي كان بها الشيخ، فاستشهذ في تلك الواقعة هو جماعة من أصحابه لإغارتهم أي التوارك على المدينة و إرادتهم استئصال من فيها، فتغير حال التوارك من يومئذ، وسلط عليهم قائم من أهل السودان فقتل منهم العدد العديدي انتقاما من الله تعالى و حرمه لهذا الوالي، قاله سيدنا الجد رحمه الله في كتابه "نزهة الفكر".
و حكى في "الريحان القلوب" عن الشيخ اليمني عن الشيخ عمر، ولد صاحب الترجمة أن الشيخ عبد الله لما قتل في من قتل، فتش عليه فلم يوجد في القتلى، و لا في المصرع ثلاثة أيام، حتى قال بعضهم: لعله كان له خادم من الجن فأفلته، ونحو هذا مما يحاسبه الله عنه، ثم ظهر لولده الشيخ عمر فأظهره للناس حتى شاهدوه من كل فجن وكشفوا عنه من وجهه إلى صدره حتى رأوه عيانا، وتحققوهو كان خرج معه ولده الشيخ عمر للقتال فرده والده و قال له: ارجع ليسكن بك قلوب النساء، فكانت و فاة صاحب الترجمة يوم الإثنين سادس عشر شهر ربيع الثاني سنة ثمان و ثمانين و ألف (1088) و هو ابن ثلاث و ستين سنة، قاله ولده الشيخ عمر في بعض مراسلاته للشيخ أبي العباس اليمني بعد قدوم الشيخ اليمني للمغرب، ورجع منه لزيارته فوجده توفي، ثم رجع للمغرب و استوطنه.
قال في "ريحان القلوب" حدثنا الشيخ أبو العباس اليمني عن صفة سيدي عبد الله البرنوني أنه كان مليح الشارة، صبيح الوجه نيره مشرقة، فيه أدمة صافية مفتوحة، يعلو وجهه نور الجلالة و الجمال، طويل القد واسع العينين، متوسط الجسم حديد النظر مع الحياء و الوقار و السكينة و التؤدة و الخشوع اهـ.
قلت: و في "الابرير" تأليف سيدي أحمد بن مبارك السجلملسي أن من شيوخ شيخه الذي حدث عنه بعجائب، و هو سيدي عبد العزيز بن مسعود الشريف الدباغ رجلا يسمى بسيدي عبد الله البنوي، و أن سيدي عبد العزيز لقيه بباب الجيسةن وذكر حكاية وقعت له معه، و هو غير صاحب الترجمة توفي عام ثمانية و ألف (1008) كما تقدم، بنص ولده الشيخ عمر في مراسلة كتبها للشيخ سيدي أحمد اليمني، و هي موجودة بخطة و بنص تقييدها، بخط الشيخ العلامة الحجة سيدي مهدي بن أحمد الفاسي، و كون وفاته في هذا التاريخ ضروري عند جميع الأعلام من أصحاب سيدي أحمد اليمني المذكور، وعند غيرهم كذلك، وأما سيدي عبد العزيز الدباغ إنما كانت ولادته بد التسعين بالمثناه و الف، كما ذكر شيخنا ابن المبارك المذكور في تأليفه المذكور في قضية الشاشية و السباط التي أوصى بها سيدي العربي القشتالي لمولاي عبد العزيز المذكور، و ايضا ففي تأليف شيخنا ابن المبارك المذكور أن سيدي عبد الله البرناوب الذي لقيه مولاي عبد العزيز توفي عام ست و عشرين و مءة ألف (1126)، فالمتعين بالضرورة أنها متباينان، و إنما و قع بينهما الاستراك لفظا فقط في العلم و النسبة، و كان لصاحب الترجمة القدم الراسخ في التربية و تفقد أصحابه و جمعهم على الله.
قال الشيخ أبو العباس الولالي في كتابه "مباحث الأنوار" حاكيا عن الشيخ سيدي أحمد اليمني: و كان الشيخ عبد الله البرنوي تهدي له النساء فيتزوجهن لتكميل غرض المهديين، و ربما و لد معهن، ثم يطلقهن و ربما و لد معهن، ثم يطلقهن و يزوجهن بعد العدة للصعاليك الفقراء، فيصير أولاده أرباء عند الفقراء، و أطوع الشياء عنده الدال على كمال حاله أنه لا تابي المرأة ما أمرها به من التزوج، و لو كانت بنت مالك كما لا يأباه زوجها، قال: و هو في تلك البلدة لا يتسبب و لا يبيت على معلوم، و نرى من معه من الفقراء منقطعين إلىالله تعالى كل الإنقطاع، و لا يلتفتون إلى هم رزق و لا إلى خوف خلق، و من عادتهم بعد فراغهم من أوراد الصبح أنهم يتفرقون، و يذهب كل واحد منهم إلى جهة من الغابة المحيطة بالبلد، سواء كان الحر أو القر، فيعبدون هنالك، و لا يهمهم ملبوس و لا مأكول إلى الزوال، فتراهم ينزلون من الغابة كالوحش فيمتليء بهم المسجد، ليحافظوا على الجماعة و الصلاة مع الشيخ، و تهتز الأرض بأذكارهم، و لا يزلون كذلك بقية النهار و الليل إلى الصباح، فيتفرقون و هذا دأبهم رضي الله عنهم و نفعنا بهم اهـ.
و تقدم قريب من هذا الشيخ عن الشيخ الحلبي عن الشيخ اليمني المذكور، وهذه طريقة عزيز الوجود غريبة لم نسمع بمثلها في كل الأغوار و النجود، وكفى ما برز منها في غربنا من الشيخ أبي العباس اليمني رضي الله عنه، سمعت من شيخنا العلامة الصالح الورع سيدي الكبير السرغيني، عن سيدي أحمد اليمني المذكور، و لا أدري أسمعه منه أو بواسطة من غير واحد أن الشيخ اليمني: قال: لا منة عليه لأحد من أولياء المغرب أحياء و ميتين إلا الشيخ ابن عباد رضي الله عنه، قال: إنه زاره يوما بضريحه بداخل باب المفتوح من عدوة فاس، فقضيت له حاجة من عند الله عظيمة، نفعنا الله تعالى ببركاتهم أجمعين.



السلام عليكم ورحمه الله وبركاته في الحقيقة وقفت على هذه المقالة الجيدة وفرحت بالتوضيح الذي ذكرتم بخصوص الشيخ عبد الله البرناوي شيخ سيدي عبد العزيز الدباغ .وصاحب الترجمة عليه أرجو افادتي بالمصدر الذي أخذتم منه هذه المعلومات أو أي مرجع اعتمدتم عليه في دراستكم جزاكم الله خيرا
ابراهيم الدكتور - باحث في الثقافة الإسلامية - برنو - نيجيريا

23/10/2024 - 565940

Commentaires

من هم ابناء الشيخ عبدالله البرناوي
احمد الشريف
27/08/2014 - 211407

Commentaires

هل الشيخ عبدالله البرناوي هو عبدالله ابن سلطان البرنو ابراهيم الذي رفض الامارة نظير التعليم والمعرفة ؟
الحافظ محمدصالح - فني - الخرطوم
03/01/2012 - 24707

Commentaires

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)