شعيب بن الحسن الأندلسي شيخ المشايخ سيدي أبو مدينسيد العارفينو قدوتهم، الإمام المشهور، غرف به جماعة، بل الف ابن الخطيب القسنطينيفي تعريفه و أصحابه جزءا.
قال هو و غيره: كان من أفراد الرجال، و من صدور الأولياء الأبدال، جمع بين الشريعة و الحقيقة، أقام هادياو داعيا للحق و قصدت زيارتهمن جميع الأقطار، و شهر بشيخ المشايخ، و ذكر التادلي و غيره أنه تخرج به ألف شيخ من الأولياء أولي الكرامات.
وقال أبو الصبر كبير مشايخ و قته: كان ابو مدين زاهدا فاضلا عارفا بالله تعالى خاض بحار الأحوال و نال الأسرار المعارف خصوصا مقام التوكل، لايشق غباره و لا تجهل آثاره.
قال التادلي: كان مبسوطا بالقبض، مقبوضا بالمراقبة كثير الالتفات بقلبه لربه، حتى مات و هو يقول في آخر زمنه: الله الحق، وكان من أعلام العلماء و حفاظ الحديث خصوصا جامع الترميذي قائما عليه رواهعن شيوخه عن أبي ذر يلازم كتاب الأحياء و ترد عليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في وقتها، له مجلس وعظ يتكلم فيه على الناس، و تمر به الطيور و هو يتكلم فتقف تسمعن وربما مات بعضها، و كثيرا ما يموت بمجلسه اهل الحب تخرج به جماعة من العلماء و المحدثين و أرباب الأحوال، قال: وكان شيخه أبو يعزى يثني عليه و يعظمه بين اصحابه و لما قجم من الأندلس قرأ على المحافظين أبي الحسن بن حرزم، و الفقيه العلامة ابن غالب و ذكر عنه أنه قال: كنت في ابتدائي إذا سمعت تفسير آية أو حديث قنعت به، و انصرفت لموضع خارج فاس، أتخذه للعملبما فتح علي به فإذا خولت تاتيني غزالة تؤنسني و أمر في طريقي بالكلاب فيبصبصون لي، و يدورون حولي، فبينما أنا يوما بفاس إذا رجل أندلسي من معارفي، سلم علي، فقلت و جبت ضيافته فبعث توبا بعشرة دراهم، فطلبته لأدفعها له فلم أجده هنالك فحملتها معي و خرجت لخلوتي على عادتي فتعرض لي الكلاب فمنعوني الجواز حتى جاء رجل حل بيني و بينهم، و لما وصلت قريتي جاءتني الغزالة على عادتها فشمتني و نفرت عني، و أنكرت علي فقلت: ما أوتي علي إلا من هذه الدراهم التي معي، فرميتها عني فسكنت الغزالة و عادت لحالها معي، و لما رجعت لفاس لرفقتها معي و لقيت الأندلسي فدفعتها له ثم خرجت للخلوة، فدار بي الكلاب، فيصبصوا على عادتهم، وجاءت الغزالة فشمتني و أتت كعادتها، و بقيت كذلك مدة و أخبار أبي يعزى ترد علي، و كراماته يتداولها الناس فملأ قلبي حبه فقصدته مع الفقراء فلما وصلنا إليه أقبل عليهم دوني، و إذا حضر الطعام منعني من الأكل معهم، فبقيت ثلاثة أيام فأجهدني الجوع و تحيرت من خواطر ترد علي و قلت في نفسي: إذا قام الشيخ من موضعه مرغت فيه و جهي، فلما قام مرغته، فإذا أنا لا أبصر شيئا فبكيت ليلتي فلما أصبح دعائي و قربني فقلت : يا سيدي قد عميت فمسح بيده على عيني، ثم على صدري فزالت عني تلك الخواطر و فقدت ألم الجوع و شاهدت في الوقت عجائببركاته ثم استأذنته في الانصراف للحج فأذن لي، و قال لي: ستلقى في طريكالأسد فلا يرعك، فإن غلب عليك خوفه فقل له: بحرمه ىل النور إلا انصرفت عني فكانالأمر كما قال.
و توجه للمشرق و أنوار الولاية عليه ظاهرة فأخد أعلام علمائها و استفاد من زهادها و أوليائها، و تعرف فب عرفة بالشيخ عبد القادر الجيلاني فقرأ عليه في الحرم كثيرا من الحديث و ألبسة الخرقة، و أودعه كثيرا من أسراره و حلاه ملابس أنواره فكان ابو مدين يفتخر بصحبته، و يعده أفضل مشايخه الأكابر و عن بعض الأولياء قال: رأيتفي النوم قائلا يقول: قل لأبي مدين بث العلم و لا تبالي، ترتع عدا مع العوالي، فإنك في مقام آدم أبي الذراري، قال، فقصصتها عليه فقال لي: عزمت على الخروج للجبال و الفيافي، و أبعد عن العمران، و رؤياك هذه تأمرني بالجلوس، و ترك العزم، فقولك ترتعغدا مع العوالي إشارة الحديث "حلق الذكر مراتع أهل الجنة" و العوالي أصحاب عليينن ومعنى قول: أبي الذراري أنه أعطى قوة النكاح، و أمر به، و لم يجعل له قوة على كونهم مطيعين، و نحن أعطينا و أمرنا ببثه و تعليمه، و لا قدرة لنا على كون أتباعنا موفقين.
و كان يقول: كرامات الأولياء نتائج معجزاته صلى الله عليه وسلم و طريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى، بسنده إلى الجنيد، بسنده للحسن البصري، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم
و عن العارف عبد الرحيم المغربي قال: سمعت أبا مدين ]قول: أوقفني ربي عز وجل بين يديه، و قال لي: يا شعيب ماذا عن يمينك؟ فقلت: يا رب عطاؤك، قال: و ماذا عن شمالك؟ قلت: يا رب قضاؤك، قال: يا شعيب قد ضاعفت لك هذا و غفرت لك هذا فطوبى لمن رآك أو رأى من رآك.
و عن أبي العباس المرسي قال: جلت في الملوك فرأيت سيدي أبا مدين متعلقا بأق العرش و هو يومئذ رجل أشقر أزرق، فقلت له: و ما علومك و مقامك؟ فقال: علومي أحد و سبعون علما، و مقامي رابع الخلفاء، و ٍاس السبعة الأبد، و سئل عما خصه الله به فقال: مقامي العبودية، و علومي الألوهية، و صفاتي المستمدة من الصفات الربانية، ملأت عظمته سري و جهري، و أضاء بنوره بري و بحري، فالمقرب من كان به عليما، و لا يسمو إلا من أوتي قلبا سليما، يسلم من سداه، و لا يكون في الوعاء إلا ما جعل فيه مولاه، فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شك:{و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب}.
و سئل في مجلسه عن الحب فقال: أوله دوام الحب، ووسطه الأنس بالمذكور، و أعلاه أن لا ترى سواه، و اختلف أهل مجلسه هل الخضر و لي أو نبي؟ فرأى رجل صالح منهم معروف بالولاية تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الخضر نبي، و ابو مدين ولي.
و ذكر التادلي و غيره: أن رجلا جاء ليتعرض عليه، فجلس في حلقته، فقرأ صاحب الدويلة، فقال له أبو مدين: امهل قليلا، ثم التفت للرجل و قال له: لم جئت؟ فقال: لأقتبس من نورك، فقال له: ما الذي في كمك؟ فقال: مصحف فقال له: افتحه و اقرأ في أول سطر يخرج لك، ففتحه و قرأ أول سطر: فإذا فيه {الذين كذبوا شعبيا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا من الخاسرين} فقال أبو مدين: أما يكفيك هذا فاعترف الرجل وتاب و صلح حاله.
و ذكر صاحب "الروض" عن الشيخ الزاهد عبد الرزاق أحد خواص أصحابه قال: و صاحبه جالس بالبعد على غاية الحاجة و الفاقة، و جاء ابو مدين و أخذ بناصية اللأسد فقال له الشيخ: أمسك الأسد و استعمله في الخدمة، بموضع حمارك، فقال: يا سيدي أخاف منه فقال: لا تخف، لا يستطيع أن يؤذيك، فمر بالأسد يقوده و الناس ينظرون، فلما كان آخر النهار جاء الرجل و معه الأسد للشيخ و قال: يا سيدي هذا السد يتبعني اين ما ذهب و أنا خائفمنهلا طاقة لي بعشرته، فقال الشيخ للأسد: اذهب و لا تعد، و متى آذيتم بني آدم سلطتهم عليكم.
و من مشهور كراماته أنه كان ماشيا يوما على الساحل، فأسره العدو، و جعلوه في سفينة فيها جماعة من الأسارى، فلما استقر في السفينة توقف عن السير، و لم تتحرك مع القوة الريحو مساعدتها، و أيقن الروم أن لا يقدرون على السير، فقال بعضهم: أنزلوا هذا المسلم فإنه قيس و لعله من أصحاب السرائر عند الله تعالى، فأشاروا إليه بالنزول فقال: لا إلا إن أطلقتم كل من فيها من الأسارى فعملوا أن لا بد لهم من ذلك، فأنزلوهم كلهم، و سارت السفينة في الحال، و منها أنه لما اختلفت طلبة بجاية في حديث "إذا مات المؤمن أعطي نصف الجنة" فاشكل عليهم ظاهرة، إذا مات المؤمن أعطى نصف الجنة" فجاؤوه و هو يتكلم على "رسالة القشيري" فقال لهم: بلا سؤال: المراد يعطى نصف جنته هو، فيكسف له من مقعده لينتعم به و تقر عينه، ثم النصف الآخر يوم القيامة.
و كان يأتيه الأولياء من البلدان للاستفتاء فيما يعرض لهم من المسائل، وذكر تلميذه عبد الخالق التونسي عنه أنه قال: سمعت رجلا يسمى موسى الطيار يطير في الهواء، و يمشي على الماء و كان رجل يأتيني عند طلوع الفجر، فيسالني عن مسائل الفجر نقر الباب رجل فإذا هو الذي يسألني عن مسائل الناس، فوقع لي ليلة أنه موسى الطيار الذي أسمع به، فلما طلع الفجر نقر الباب رجل فإذا هو الذي يسألني: فقلت له: أنت موسى الطيار؟ فقال: نعم، ثم سألني فانصرف، ثم جاءني مع آخر فقال لي: صليت البح ببغدادو قدمنا مكة فوجدناهم في الصبح، فأعدنا معهمن وبقينا حتى صلينا الظهر، فجئنا القدس فإذا هم في الظهر، فقال صاحبي هذا: نعيد معهم فقلت: لا فقال لي: و لم أعدنا الصبح بمكة فقلت له: كذلك كان شيخي يفعل، و به أمرنا فاختلفنا، فقال أبو مدين: فقلت لهم: اما إعادة الصبح بمكة فإنها عين اليقين، و بغداد علم اليقين، و عين اليقين أقوى من علمه، و صلاتكم بمكة و هي أم القرى فلا تعاد في غيرها، قال فقنعا به و انصرفا.
و في حقائق المقري عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: يظهر في آخر الزمان رجل يسمى شعيبا، لا تدرك له نهاية، فقال: و هو أبو مدين اهـ.
و كان استوطن بجاية و يفضلها على الكثير من المدن، و يقول إنها تعين على طلب الحلال، و ما زال حاله يزداد رفعة، و تردد عليه الوفود من الآفاق و يخبر بالغيوب حتى وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور و خوفوه منه على الدولة و أنه يشبه الإمام المهدي قد كثر أتباعه من كل بلد فوقع في قلبه و أهمه شأنه، فبعث إليه في القدوم عليه ليختبرهن و وصى صاحب بجاية به، و أن يحمله خير محملفلما أخذ في السفر شق على اصحابه و تغييروا فسكنهم و قال: إن منيتي قربت، و بغير هذا المكان قدرت، و لابد منه، وقد كبرت و ضعفت لا أقدر على الحركة فبعث الله لي من يحملني إليه بالرفق و أنا لا أرى السلطان و لا يراني، فطابت نفوسهم وعوده من كراماته، فارتحلوا به على أحسن حال حتى و صلوا حوز تلمسانن فبدت لهم رابطة العباد، فقال لأصحابه: ما أصلحه للرقاد، فمرض فلما وصل و صل وادي يسر، اشتد مرضه و نزلوا به هناك فكان آخر كلامه: الله الحق، فتوفى سنة و أربع و تسعين و خمس مئة (594)، فحمل لعباد مدفن الأولياء الأوتاد، وخرج أهل تلمسان لجنازته، فكانت مشهدا عظيما، و في تلك اليوم تاب الشيخ أبو عمر الحباك، وعوقب السلطان، فمات بعده بسنة أو أقل، و الدعاء عند فبره مستجاب مجرب، كما حققه سيدي محمد الهواري في كتاب "التنبيه".
و من كلامه: إذا رأيت من يدي مع الله تعالى حالا، و ليس على ظاهره شاهد، فاحذره، وقال: حسن الخلق معاشرة كل شخص بما يؤنسه و لا يوحشه، فمع العلماء بحسن الاستماع و الافتقار، و مع أهل المعرفة بالسكون و الانتظار، ومع أهل المقامات بالتوحيد و الانكسارن وقال: الحق تعالى مطلع على السرائر و الضمائر فيكل نفس و حال فأي قلب رآه مؤثراله حفظهمن الطوارق و الآلام و قال: من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم، ومن اشتغل بطلب الدنيا ابتلى فيها بالذل و من لم يجد من قبله زاجرا فهو خراب، وقال بفسادالعامة تظهر ولاة الجور، و بفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون، وقال: من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه، و من خدم الصالحين ارتفع، و من حرمه الله احتامهم ابتلاه الله بالمقت من خلقه، و انكسار العاصي خي من صولة المطيع، وقال: علامة الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق، وسئلعن الشيخ، فقال: الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم، وسرك بالتعظيم و الشيخ من هذبك بأخلاقه و أدبك بإطراقه، وأنار باطنك بإشراقه، إلى غير هذا من حكمه، وقد ذكرت منها طائفة في غير هذا الموضع، نفعنا الله به آمين اهـ. "نيل الابتهاج"
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف