الجزائر

سيدنا موسى: مصري أم يهودي؟



الجواب قد يبدو مستحيلا
سيدنا موسى: مصري أم يهودي؟

بقلم: المؤرخ الصحفي جمال بدوى
قد يبدو الجواب مستحيلا إذا استرجعنا هذه العصور السحيقة التي اختلطت فيها الأجناس وتزاحمت العقائد وبعد أن تعرضت مصر لهجرات الأقوام الهاربين من القحط والباحثين عن الرخاء في أرضها الخصيبة ولكن الجواب يبدو ممكنا إذا قمنا بالفرز بين الشعوب الآسيوية التي استوطنت مصر قوة واغتصابا مثل الهكسوس ومثل أبناء يعقوب بن اسحق بن ابراهيم ويعقوب هو اسرائيل الذي استدعاه ولده يوسف بعد أن صار أمينا على خزائن الأرض وهيأ له ولأولاده مقاما كريما في بلد كريم إلى أن مرت القرون وساءت العلاقات بين بني اسرائيل ونظام الحكم المصري فظهر موسى ليخرج ببني اسرائيل ويعبر بهم البحر ويخلصهم من اضطهاد فرعون إلا أن بعض البحاثة يرفض الربط بين سلالة ابراهيم وبين موسى والفاصل بينهما سبعمائة سنة فموسى في رأيهم مصري نشأ في البلاط الفرعوني وقاد الجيوش في حملات عسكرية على أثيوبيا ومن هؤلاء المؤرخين القدامي يوسيلافيوس الذي عاش في القرن الميلادي الأول والفيلسوف فيلون وكلاهما من يهود الاسكندرية ولكنهما خالفا الاجماع اليهودي على عبرية موسى ومن الباحثين المعاصرين ول ديورانت عالم الحضارات الشهير إذ يقول إن اسم موسى اختصار للفظ أحموس .. وأن كلمة موسى تعني الطفل وكانت مسبوقة باسم أحد المعبودات المصريين مثل تحوت موسى وينطق تحوتمس ورع موسى وينطق رمسيس ولكن اليهود حذفوا الشق الأول من الاسم حتي ينزعوا عن بطلهم القومي أي انتساب لمصر.

موسى في رأي فرويد
فرويد ففي تحليله لشخصية موسى في كتابه المعروف موسى والتوحيد الذي كتبه عام 1938 وانتهي إلى أن موسى كان مصريا وليس اسرائيليا مما أثار غضب الحركة الصهيونية فهاجموه هجوما عنيفا وحطوا من أهمية الكتاب وقيمته التاريخية وقالوا إنه نتاج عقل زحفت عليه الشيخوخة وقالوا: لو لم يكن من تأليف فرويد لما وجد ناشرا يقبل نشره وقال موريس كاهن أحد فقهاء التلمود: لو أن شخصا آخر ألف هذا الكتاب لكان خليقا أن نعده أفاقا مكابرا فلماذا كانت هذه الحملة الشرسة على فرويد؟
يفسر العلامة العراقي الدكتور أحمد سوسة هذه الحملة لأن فرويد عرض البراهين العديدة والدليل تلو الدليل على أن ديانة التوحيد التي جاء بها موسى هي ديانة اخناتون بعينها وهي مصرية بحتة ومصدرها مصري ولا علاقة لها ببني اسرائيل ودور بني اسرائيل وأن موسى لم يكن يهوديا وإنما كان مصريا وأراد كتبة التوراة أن يجعلوا منه يهوديا لأغراضهم.
ومن جملة الأدلة التي يقدمها فرويد لدعم نظريته هذه: هو أن موسى جعل الختان من مقومات ديانته الأساسية والختان إن هو الا عادة مصرية قديمة اقتبسها منهم الفينيقيون والسوريون كما أيد ذلك هيردوت أبوالتاريخ وقد ثبت قول هيردوت هذا بعد اكتشاف ذلك عمليا على أجساد المومياوات في قبور المصريين القدماء وفي النقوش وعلي الجدران وقد ورد في سفر هوشع من التوراة ما يؤكد كون مصر موطنا لعادة الختان.

شريعة الختان.. مصرية قديمة
ومن ذلك يقول العلامة الأمريكي بريستد ان نشأة موسى في مصر وتسميته باسم مصري جعلاه يحض مواطنيه على الأخذ بشريعة الختان وهو عادة مصرية قديمة جدا كانت مراعاتها عامة في أيامه بين سكان وادي النيل وهذا يعد برهانا قاطعا على أنه كان يستقي تعاليمه مما كان يعرفه عن الديانة المصرية القديمة ويروي فرويد أن هناك احتمالا قويا بأن موسى كان مختتنا ثم ينتهي إلى القول بأن ديانة موسى هي نفس الديانة التي تدعو إلى عبادة الإله أدوناي الوارد في التوراه بمعني عبادة الإله آتون . ويضيف فرويد إن تقديم الأضاحي والقرابين الذي يعد من أسس الديانة اليهودية عادة مصرية قديمة كما أن تحريم لحم الخنزير عند اليهود مقتبس من المصريين الذين كانوا ينفرون من الخنازير.

لم يتوصلوا للنتيجة
ويعرب فرويد عن دهشته من أن المؤرخين الذين آمنوا بمصرية موسى: لم يخرج أحد منهم بالنتيجة المنطقية التي تترتب عليها استنتاجات تاريخية خطيرة ويرجع فرويد ذلك إلى أن التراث الانجيلي كان سدا منيعا في وجوههم إذ ربما يبدو مريعا تصور أن موسى كان شيئا آخر غير كونه عبريا يهوديا ولذلك فإن اكتشافاتهم أن الاسم المصري لم يكن عاملا يدعوهم إلى الحكم على أصل الرجل ولكن لما كانت جنسية هذا الرجل العظيم تعتبر في غاية الأهمية فإن أية مواد جديدة تقدم إجابة يجب الاهتمام بها .

تحاملوا على اخناتون وفرويد
ويحدثنا الدكتور أحمد سوسة عن صهيوني متطرف يدعي إيمايوئيل فليوفسكي ألف كتابا بعنوان أوديب واخناتون هاجم فيه اخناتون وفرويد معا وتحامل على اخناتون وجرده من كل فضيلة ووصمه بكل رذيلة وحطم فيه الرمز الذي رأته البشرية في اخناتون كأول من اهتدي إلى أعماق الأفكار الدينية وأعظمها تجردا وهي وحدانية الله ثم تهجم على فرويد وقال عن كتابه ما هو إلا انتقاص لقدر موسى وأنكر أصالته اليهودية وحرم الشعب اليهودي من زعيم قومي وجعله مصريا.
أما الدكتور سامي سعيد الأسعد فيؤكد في كتابه الأسس التاريخية للعقيدة اليهودية صلة ديانة النبي موسى بالمعتقدات المصرية القديمة ويظهر التشابه الكبير بين الترتيلة المعروفة لاخناتون إلى قرص الشمس أتون والعبارة رقم 104 من سفر المزامير من العهد القديم. وقد ورد في قصة طريفة رواها المؤرخ اليهودي يوسنيوس أن فرعون كان في أحد الأيام يداعب النبي موسى وهو لم يزل طفلا في سن الثالثة فأخذه بين ذراعيه وصار يرمي به في الهواء ولما أصبح موسى في مستوي رأس فرعون: خطف التاج من على رأس فرعون ووضعه على رأسه فذهل فرعون لهذه الحركة واعتبرها دليل شؤم عليه واستشار حكماء قصره في ذلك وما قد يترتب عليها من نتائج في المستقبل!!

شخصية خارقة
وفي تحليل شخصية النبي موسى وما نسبه إليه كتبة التوراة من أعمال يقول الأستاذ لودز .. ونظرا لفقدان الوثائق المعاصرة لزمن موسى فقد أصبح من أصعب الأمور القول على وجه الصحة: من كان موسى؟ وما كان العمل الذي قام به؟ إلا أنه لا يسعنا التهرب من الاعتقاد بأنه لابد وأن تكون قد برزت خلال التقليد الطويل شخصية قوية تولت الزعامة لأننا حين نرتفع إلى مستوي عال في مجري التكوين الحضاري نجد أن العوامل الأساسية التي تؤثر في الحياة الدينية عند الشعوب: لا تقوم إلا على يد شخصيات قوية ذات مواهب خارقة هي التي تقرر مصير الدعوة التي تنطوي عليها هذه العوامل إلا أن المحاولات في سبيل صياغة شخصية أسطورية خارقة الطبيعية من موسى كانت غير ناجحة.. إن موسى يمثل رمزا أسطوريا ولكن هناك وراء هذا الرمز الأسطوري حقيقة واقعية هي أن هناك شخصية قوية برزت على اثر الاضطهاد الفرعوني.
إذا كان فرويد قد قال إن موسى هو الذي أعطي الشعب فكرة الإله الواحد فإن الاعتراض الوحيد الذي يعترض به فرويد على هذا التوكيد هو: أن الكهنة نسبوا إلى موسى وقائع كثيرة تفوق حد المعقول حين تناولوا بالتنقيح والتعديل النصوص التوراتية التي هي في متناول أيدينا فبعض المؤسسات وبعض الشعائر الطقسية التي لامراء في أنها تعود إلى زمن أكثر تأخرا: قد صورت وكأنها شرائع سنها موسى وهذا إنما يهدف بجلاء ووضوح إلى إحاطتها بمزيد من النفوذ والهيبة وهو حافز لنا على الريبة والشك في هذه المعطيات .
تلك هي صورة موسى في كتابات الباحثين القدامي والمحدثين أما صورته في القرآن الكريم فهو نموذج للانسان الكريم الذي صنعه الله على عينه وأعده لرسالة كريمة فحواها التوحيد والعدل والانصاف ومقاومة الظلم والطغيان والتعفف عن المحرمات ويكفي ما قالته ابنة شعيب عندما لمست فيه الطهر والأمانة فضلا عن القوة: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)