الجزائر

سوق الحراش.. إلى هنا تُهرّب سيّارات 2012!


سوق الحراش.. إلى هنا تُهرّب سيّارات 2012!
البيع بالوكالة وتأجيل الاكتتاب ل6أشهر وعدم جاهزية البطاقة الرمادية..
تمرير قطع غيار مقلّدة ب”الكابة”.. وتفاقم مشكل التهريب بعد افتتاح مصنع رونو بطنجة
سيارات من كل الأصناف والأنواع ومركبات ذات ترقيم 2012 بأسعار تتراوح بين ال50 مليون و1 مليار سنتيم بمختلف الألوان والأحجام، متوفرة بالمئات في سوق السيارات بالحراش.. وحتى المركبات المفقودة عند 50 وكيلا معتمدا متوفرة بسوق الجمعة، أين يتوافد آلاف المواطنين والسماسرة ورجال المال والأعمال وأصحاب المؤسسات من 48 ولاية للظفر بالسيارات المرغوبة ”فورا” ودون أي مشاكل مرتبطة بآجال التسليم التي قد تتجاوز ال6أشهر لدى الوكلاء المعتمدين، ولكن بزيادة في الأسعار يفرضها سماسرة السيارات تتراوح بين ال2 وال20مليون سنتيم! ..” الفجر ” دخلت مع فجر الجمعة الماضية ”مملكة الحراش” وعادت بهذه الورقة.
مئات سيّارات 2012 بيعت على الساعة ال7 صباحا.. وإبرام 1000 صفقة كل جمعة
أول من صادفناه عند مدخل سوق السيارات بالحراش، في العاصمة، على الساعة السادسة والربع صباحا، هو أحد السماسرة الذي قدم مرفوقا بمجموعة من الأشخاص يشتغلون عنده، حيث قام كل واحد منهم بامتطاء سيارة من نوع ”بيجو” مع اختلاف في الألوان. وعندما قمنا بسؤاله عن ثمن السيارة التي يركبها أخبرنا أنها ”بيعت قبل 10 دقائق وأن أجراءه الذين يرافقونه يمتطون نفس السيارة بألوان مختلفة”، مضيفا حتى قبل أن نسأله أنه ”أخرجها من عند الوكيل المعتمد أمس، وأن هذه المركبات جديدة لم يركبها إنس غيره من قبل”، ليختتم حديثه ممازحا ”ستجدونني بعد 10 دقائق في الجهة اليمنى للسوق.. دعوني أولا أجهّز نفسي جيدا ثم عودوا لتروا سياراتي عن كثب إن لم تكن قد بيعت”.
وبعدها دخلنا السوق على الساعة السادسة والنصف صباحا، أين كان هذا الأخير يعج بالسيارات والمركبات من مختلف الأشكال والأحجام، إلا أن الشيء الذي لفت انتباهنا هو أن هذه الأخيرة كانت معظمها تحمل ترقيم 2012، في مقدمتها سيارات ”رونو” و”بيجو” و”فولسفاغن”، وهي المركبات التي تشهد ندرة واسعة على مستوى الوكلاء المعتمدين، ولا يستطيع الزبون الحصول عليها إلا بعد 6 أشهر على الأقل من الانتظار إن أسعفه الحظ، والغريب في ذلك أن معظم البائعين أخبرونا أنهم أخرجوها منذ بضعة ساعات من عند الوكلاء المعتمدين، في حين أكّدوا أنهم يستعدون لإخراج مجموعات جديدة من السيارات خلال الأيام القليلة القادمة.
وبعد جولة قصيرة بأرجاء السوق استطعنا أن ندرك أن السماسرة إما أنهم وظفوا أشخاص بكل سيارة لعرضها للزبائن، أو أنهم يعرضون نموذجا واحدا للبيع ويبيعون من خلاله 5 سيارات أو أكثر، وهو ما كان يثير الشبهات لدى الزبائن بالسوق، حيث يتساءلون عن سر استمرار عملية البيع للسمسار بعد أن يتم تسليمه العربون من طرف أحد الزبائن، ليخبره هذا الأخير أنه يمتلك 5 مركبات أو أكثر من هذا النموذج مركونة بمرآبه الخاص، وأن السيارة التي يعرضها بالسوق ما هي إلا نموذج طبق الأصل عن هذه المركبات.
كما أن مركبات 2012 هي ذاتها المركبات التي كانت معروضة بالصالون الدولي الخامس عشر للسيارات بقصر المعارض، شهر مارس المنصرم، والتي عجز الزبائن عن الحصول عليها حتى في اليوم الأول من المعرض.. بعد أن استولى على جميعها السماسرة بتواطؤ مع وكلاء السيارات المعتمدين الذين يفضلون الصفقات الضخمة على التجارة البسيطة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لاسيما أن بسوق الحراش تباع مئات السيارات في غضون ساعة واحدة في حين تبرم أزيد من 1000 صفقة كل جمعة.
وكلاء معتمدون يبيعون بالسوق الأسبوعية.. وبهامش ربح يتجاوز 30 مليون سنتيم!
كان أكثر شيء حيرنا لدى هؤلاء السماسرة، هو اعتراف عدد كبير منهم أنهم وكلاء معتمدون يمتلكون محلات وقاعات عرض، على غرار أحدهم الذي عرض علينا سيارة بسعر يقارب المليار سنتيم، ثم سلمنا بطاقته للاتصال به في حال قرّرنا الشراء، وطلب منا زيارته بالوكالة لنتعرف على مركبات أخرى بحوزته. وعندما سألناه ”كيف لوكيل سيارات أن يقوم بالبيع في السوق الأسبوعية؟!”، أجابنا أن منطق العرض والطلب وقانون الربح والخسارة يفرضان عليه ذلك، وأنه لإبرام أكبر عدد من الصفقات مستعد للبيع في كل مكان وأي زمان، لاسيما أن السوق الأسبوعية تضمن هامش ربح قد يتجاوز 30مليون سنتيم، وتكون بمثابة المزاد العلني فالذي يدفع أكثر هو الذي يشتري. ولم يكن هذا الأخير أول ولا آخر وكيل معتمد متواجد بسوق الحراش، فقد كانت السوق تعج بالوكلاء الذين توافدوا عليه من 48 ولاية مرفقين بمركبات متنوعة وأصناف مختلفة للبيع. والغريب في الأمر أن كلهم يتعارفون، كما أنهم يعرضون على الزبائن خدمات مختلفة ويوزعون ”بطاقاتهم الشخصية” على الزبائن، أملا منهم في إبرام صفقات أخرى والقيام بأكبر عدد من عمليات البيع والشراء.
سيارات أوروبية 2012 من مارسيليا إلى الحراش دون عراقيل!
من بين الأمور التي أثارت استغرابنا كذلك في سوق الحراش، هو تواجد مركبات مستقدمة من فرنسا، وهي سيارات 2012 يقوم أصحابها باقتنائها بعملة الأورو وإدخالها عبر الميناء بعد دفع مستحقات الجمارك، لتكون سوق الحراش وجهتها الأولى ومكان بيعها، أين يقترح مالكها أعلى الأسعار بحجة أنها قادمة من الخارج وأنها ذات نوعية فريدة وجودة عالية.. وليست كالسيارات الأخرى التي يوزعها الوكلاء. وقد كانت السوق مليئة بمثل هذه المركبات المستقدمة من مارسيليا، والتي حظيت بإقبال كبير من طرف الزبائن والمواطنين الذين علقوا أن ”الطراباندو وتجارة الكابة” ليست حكرا على الملابس والأكسسوارات والعطور والذهب، وإنما حتى السيارات، حيث يقوم مزدوجو الجنسية باقتناء سيارات فرنسية وألمانية من أوروبا وإعادة بيعها بسوقي الحراش وتيجلابين.. أين تشهد إقبالا منقطع النظير.
.. وسماسرة يشترون من الشركة المنتجة دون اللجوء إلى الوكيل المعتمد
من جهة أخرى، أخبرنا عدد من السماسرة المتواجدين بسوق الحراش والذين كانوا يظنون أننا زبائن قدمنا لاقتناء سيارة، حينما سألناهم عن الكيفية التي يتحصلون من خلالها على المركبات عند الوكلاء المعتمدين، أنهم باتوا يتعاملون مؤخرا مع الشركة الأم بصفة مباشرة وليس مع الوكيل، وهو الأمر الذي جعلنا نطرح العديد من التساؤلات، لاسيما أن الوكلاء بالنسبة لبعض السماسرة ما هم إلا حلقة مفرغة لا دور لها إلا تضخيم الأسعار وفرض مصاريف إضافية، خاصة بالنسبة لأولئك الذين استطاعوا ربط علاقات مباشرة مع الشركة المنتجة بالرغم من أن ذلك مخالف للقانون.. وهو ما يدعو إلى ضرورة دق ناقوس الخطر وفتح تحقيقات معمقة من طرف الدولة في التجاوزات المرتكبة على هذا المستوىََ!!.
والأمر الذي شدّ انتباهنا هو أن الأسعار المعروضة بسوق الحراش هي أسعار تتجاوز تلك المقترحة عند الوكلاء المعتمدين بما يتراوح بين 2 و20مليون سنتيم، حسب نوعية السيارة وصنفها وثمنها، خلافا لما كان سائدا قبل 3سنوات من الآن حسب محدثينا الذين قالوا أن الأسعار من قبل كانت مرتفعة لدى الوكلاء، إذ كلما تسير السيارة أكثر ينخفض ثمنها.. إلا أنه اليوم وفي ظل الندرة الشديدة التي تشهدها هذه الأخيرة بالوكالات المعتمدة فإن السعر يرتفع بشكل أكبر في الأسواق السوداء والأسبوعية ولدى السماسرة التي يشترونها بأسعار منخفضة ليرفعوا ثمنها بشكل رهيب، مستغلين في ذلك الندرة التي تشهدها السوق الوطنية وتماطل الوكلاء المعتمدين في آجال التسليم للضغط بشكل أكبر على الزبون.
حتى الميكانيكي يعجز عن اكتشاف ”طرافيك الحرّاش”!
من جهة أخرى، تعتبر مشاكل التقليد والغش والتحايل أحد أهم العراقيل التي تواجه الزبائن بسوق الحراش، أين بلغ تزوير السيارات من التحايل عتيا لدرجة أنه حتى الميكانيكي أو مصلّح السيارات يعجز في الكثير من الأحيان عن اكتشاف الخلل، بالنظر إلى التقنيات المتطوّرة التي تجسّد بها هذه الخدع، أين يتعمد الكثير من المتحايلين إعادة صبغ السيارة بأقلام سحرية لا تكتشف إلا من طرف ميكانيكي بارع، في حين أن كثير من السماسرة يعملون على إلغاء المسافة المسجلة على مستوى المحرك عبر تجديده أو تزويد المركبة بمحرك جديد لإعادة بيعها على أساس أنها سيارة جديدة، مع العلم أن المشكل الأكبر الذي يطرح نفسه هو قطع الغيار المقلدة، والتي نادرا ما يتم اكتشافها من طرف الزبون.. وفي هذا الإطار يخصص جزء من سوق الحراش لبيع قطع الغيار النادرة، في حين أن معظمها يتم استقدامها عبر تجارة ”الكابة” من فرنسا وتونس والمغرب، حيث أخبرنا بعض الباعة هناك أن نسبة كبيرة من قطع الغيار، لاسيما سيارات رونو، مهربة من المغرب. كما يتوقع أن يزداد المشكل بنسبة أكبر بعد تدشين مصنع طنجة بالشراكة مع المنتج الفرنسي، في حين أكد لنا بعض العارفين بشؤون السيارات أن عددا كبيرا من ملاحق السيارات وقطع الغيار مقلدة الصنع، وهو ما يؤدي إلى توقفها بعد بضعة أيام أو أسابيع من استعمالها.
”الحاجة الزهرة” أمهر سماسرة السوق.. ووكلاء كراء السيارات في مقدّمة الزبائن
كانت الحاجة الزهرة، المرأة التي صدمنا لرؤيتها بسوق الحراش، حيث تتجاوز خالتي زهور - كما يفضل البعض مناداتها - والتي يعرفها كل باعة السوق وعملائه، الستين سنة، إلا أنها كانت أمهر السماسرة وأقدرهم على البيع، حيث تقتات الحاجة الزهرة من البزنسة بالسيارات والمركبات الكبرى التي يتراوح ثمنها بين 400 مليون ومليار سنتيم وترفض الصفقات الصغرى، في حين أكدت هذه الأخيرة في حديثها ل”الفجر” أنها تمتلك وكالة لكراء السيارات، وهو ما يجعلها تأتي كل جمعة لسوق الحراش لاكتشاف جديد عالم المركبات وتقديم العربون، ولما لا بيع بعض من سياراتها أو استبدالها بمركبات أخرى.
مؤسسات عمومية وشركات كبرى تقتني سيّاراتها من الحراش
كما أننا صدمنا حينما علمنا أن من يتوافد على سوق الحراش ليسوا فقط زبائن عاديين وإنما أيضا رجال أعمال وأصحاب مؤسسات خاصة، وحتى ممثلين عن مؤسسات عمومية، والذين يقومون باقتناء مركبات وشاحنات وناقلات من مختلف الأحجام، بعدما باتت هذه الأخيرة تشهد نقصا حادا بالمؤسسات المنتجة، لاسيما منها الأوروبية، نتيجة اشتداد أزمة الأورو وتداعياتها وكذا على مستوى الوكلاء المعتمدين الذين لا يحترمون آجال التسليم.
ويبقى مشكل البطاقة الرمادية الشغل الشاغل للزبائن المتوافدين على السوق، والذين يشترون مركبات جديدة لم تصدر بعد بطاقتها الصفراء، ليضطروا إلى انتظار 6 أشهر للاكتتاب مع بائع السيارة، في حين يدفعون الثمن كله قسطا واحدا بمجرد الحصول على وكالة لدى موثق السيارة، وهو ما يؤدي في الكثير من الحالات إلى خلق مشاكل بالجملة خلال عملية التسليم.. إلا أن بعض السماسرة رفعوا شعار ”بين البائع والشاري.. يفتح ربي!”.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)