مرعب ما وصلت إليه الأزمة في سوريا هذه الأيام، ليس فقط من حيث زيادة حدة العنف بين المعارضة والنظام، والقصف الذي تتعرض له الأحياء الشعبية وعدد القتلى الذي صار يسجل بالمئات يوميا، وإنما المرعب أكثر هذه الأطماع التوسعية التي بدأت تراود إسرائيل في المنطقة.
إسرائيل تريد اليوم انتهاز فرصة الفوضى الحاصلة في سوريا لتقتطع منها أراض، مثلما فعلت بالجولان سنة 67، والذريعة التي تتخذها جاءت على لسان وزير الجيش، إيهود باراك، الذي قال منذ يومين إن إسرائيل تستعد لتدخل عسكري في سوريا، إذا ما قدم نظام بشار، الآيل للسقوط، أسلحة كيماوية لحزب الله اللبناني، والمعروف من تجارب العرب مع الدولة الصهيونية، أنها إن دخلت أرضا فهي لن تخرج منها. أما الأسلحة الكيماوية المزعومة فقد ركبت المخابرات الأمريكية ظهر المعارضة السورية، ودخلت للبحث عنها، وستجدها حتى لو لم تكن موجودة، فهذه الذريعة المعلبة السهلة الطبخ والهضم هي التي تستر وراءها بوش ليفعل بالعراق ما فعل.
ف "سي أي أي" ستجد حتما السلاح الكيماوي السوري المزعوم، لأنها بحاجة إلى ذريعة لتبرير الاحتلال الإسرائيلي المخطط له لسوريا، حتى يتسنى لإسرائيل الانتقام ليس من حزب الله وحده ومن هزيمة صائفة 2006 وإنما من سوريا التي دعمت وسلحت حزب الله.
ليس هذا فحسب، فقد بدأت صحف فرنسية من جهتها الترويج لفكرة تقسيم سوريا، وادعت أن بشار الأسد متواجد الآن في اللاذقية، المدينة الساحلية، وأن الصراع السوري "السوري" قد يفضي إلى تقسيم سوريا بحيث يستقر نظام بشار في دولة للعلويين على الشريط الساحلي وتكون عاصمتها اللاذقية.
هذه الفكرة العزيزة على قلب فرنسا ليست وليدة هذه الأزمة، وإنما المشروع قديم، سبق وفشلت فرنسا في تحقيقه، فقد سبق ووضعت مخططا لتقسيمها بداية العشرينيات من القرن الماضي، دولة للعلويين في الساحل، ودولة للدروز في السويداء، ودولة ثالثة في دمشق ودولة حلب، لكن الوطنيين السوريين أفشلوا هذا المشروع، وحتى الثورات التي أتت فيما بعد سواء ثورة الدروز، أو ثورة هنانو في حلب حافظت على وحدة التراب السوري وأفشلت كل المخططات الاستعمارية واستقلت سوريا دولة واحدة موحدة.
ولا أتحدث عن سرطان القاعدة الذي نخر كل الجسد العربي، عقابا للعرب على أنهم فكروا يوما في أن يتحالفوا ضد إسرائيل.
ما يجري في سوريا اليوم خطير بكل معاني الكلمة وعندما تقول "الغارديان" البريطانية أن المعركة في سوريا هي معركة الشرق الأوسط بأكمله، فكل كلمة هنا لها وزنها، والهدف من كل هذا هو القضاء على الدور القومي السوري، أو على ما تبقى لسوريا من دور قومي حماية لإسرائيل من أي نظام قد يأتي مستقبلا.
لن أدافع بكلامي هذا عن بشار، فهو يتحمل النصيب الأكبر مما يجري في سوريا من مجازر ومن فوضى، لكن للمعارضة أيضا مسؤولية كبيرة ومسؤولية تاريخية لأنها فتحت من قضيتها، المطالبة برحيل بشار، وهي قضية عادلة، بابا أمام أطماع الغرب، إسرائيل، أوروبا وأمريكا في المنطقة، وها هو الغرب يشكل العالم والعالم العربي على حسابنا جميعا، وعلى حساب الشعب السوري ومصالحه واستقلاله واستقراره خاصة.
سوريا إذن أرض لحرب كونية معلنة والمعارضة السورية التي تتدرب اليوم في أمريكا لحكم سوريا مستقبلا، لن تكون بأحسن حال من حكام العراق الأمريكي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/07/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حدة حزام
المصدر : www.al-fadjr.com