الجزائر

سوريا حولته من تنافس إلى تصادم صراع تركي- إيراني حول قيادة الشرق الأوسط



تتجاوز الأزمة السورية كونها ثورة تهدف إلى إسقاط النظام البعثي الحاكم، وبناء سوريا جديدة ديمقراطية، كما تقول المعارضة، بل أيضا مسرحا لتصادم مصالح ومشاريع تمس منطقة الشرق الأوسط ككل. القطب الأول تتزعمه تركيا الداعمة للمعارضة بكل ما أوتيت من قوة، والقطب الثاني تتزعمه إيران الشيعية التي تعمل، دون هوادة، لإبقاء نظام الأسد، ومعه مصالحها وقطع الطريق أمام الطموح التركي في قيادة المنطقة، بعد تراجع الدور المصري، وفق تقديرات المحللين. وإن كان التنافس التركي الإيراني في المنطقة لا يعود إلى اليوم، لكن الأزمة السورية دفعت به إلى العلن، وتحول إلى صدام، بعد أن كان مجرد تنافس. بين أنقرة السنية الأطلسية وطهران الشيعية
سوريا ميدان للتنافس التركي الإيراني

بالرغم من التقارب الجغرافي، إلا أن الجمهورية التركية تقف على مسافة بعيدة، قد تصل حد التناقض عن جاراتها الإيرانية، فالأولى علمانية النظام وإن حكمها الإسلاميون، في حين أن إيران إسلامية النظام. وحتى إن جمع الإسلام بين أنقرة وطهران فإن الطائفة تفرقهما، فتركيا سنية وإيران شيعية.




 الواقع أن هناك ما يجمع بين البلدين بقدر ما يفرقهما من نقاط الاختلاف، ما يحملهما على التنافس أو التحالف. وقد راهن الكثيرون على تفاقم الخلافات بين البلدين، بالنظر للتباعد في التوجهات الإستراتيجية بين تركيا حليفة الولايات المتحدة والفاعلة في حلف شمال الأطلسي، وإيران العدو اللدود لأمريكا وللغرب عموما. والحال أن التنافس بين البلدين يرتكز على إرث تاريخي يعود للإمبراطوريتين الفارسية في إيران والعثمانية في تركيا، والذي عاد ليطفو من جديد على السطح بدافع الرغبة في قيادة العالم الإسلامي، غير أن قادة البلدين انتهجوا مبدأ المصلحة لتشكيل ما يشبه التحالف. وهو ما تؤكده أرقام التبادلات الاقتصادية التي تشير إلى بلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 11 مليار دولار في سنة 2010، وهي نسبة تؤكد حسن الجوار.
وبالموازاة، تسعى تركيا لتكون الوسيط بين إيران والدول الغربية، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الذي تعتبره حقا لإيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وإن كانت تخشى من نجاحه وتسعى لمنافسته، كما أن تركيا تُعتبر المعبر للطاقة الإيرانية نحو أوروبا، وأحد المستفيدين من النفط والغاز الإيراني، غير أن هذا الانتفاع المتبادل والتفاهم الظاهر لا يكاد يخفي التنافس بين البلدين على قيادة المنطقة. ولعل الأزمة السورية كشفت عن جانب من التباين بين البلدين، والرغبة في احتلال موقع الدولة القائدة والفاعلة في الأحداث، فقد رمت تركيا بكل ثقلها ضد الرئيس الأسد، فيما تسعى إيران بكل ما أوتيت من قوة للحفاظ على النظام السوري.
ويبدو أن الجمهورية التركية استفادت أكثر من غيرها من الربيع العربي، على اعتبار أنها، وفي ظل غياب مصر التي كانت تلعب الدور المحوري في السياسة العربية الخارجية، تسعى إلى القيام بهذا الدور، مستفيدة من الخوف الخليجي والعربي عموما من المد الإيراني الشيعي، إذ تحولت إلى الشريك المحوري في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، سيما بعد ارتفاع شعبية قادة تركيا في الشارع العربي بفضل مواقفهم الجريئة ضد إسرائيل، التي يتعاملون معها بمنطق المصلحة، على عكس إيران التي لا تعترف حتى بوجودها. ومع أن المراقبون يعتبرون أن تركيا تملك من الأوراق ما يجعلها قادرة على التفوق على إيران في أن تكون ''الدولة المركزية في المنطقة''، إلا أن مسار الأزمة السورية المستمرة إلى الآن سيكشف، حسب المراقبين، مدى ثقل كل من إيران وتركيا وقدرتهما على التأثير في العلاقات الدولية، في تأكيد على أن التقارب في موازين القوى يحتم عليهما التعاون والتعامل بمنطق الند للند، للحفاظ على مصلحة البلدين، ولو إلى حين.



مدير المعهد العربي في طهران محمد صالح صدقيان لـ''الخبر''
''إيران لن تصطدم عسكريا مع تركيا على الأراضي السورية''


هل تعتقدون أن هناك تصادم مصالح بين إيران وتركيا في سوريا والعراق؟
 أعتقد أنه ليس هناك ما يدعو للقلق بشأن العلاقات الإيرانية التركية، رغم اختلاف وجهات نظر البلدين، سواء في العراق أو في سوريا، لأن هناك تقاطع مصالح بين الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية والاستراتيجية الإقليمية التركية، بدليل أن إيران دعمت تركيا لاحتضان اجتماع مجموعة 5 + 1 (الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) للتفاوض مع طهران بشأن الملف النووي الإيراني. فطهران تدعم الجهود التركية لإيجاد حل لهذا الملف، كما أن الزيارات المتبادلة للمسؤولين الإيرانيين والأتراك يمكن أن تقرب وجهات نظر الطرفين، دون التأثير على استراتيجية كل بلد في منطقة الشرق الأوسط، رغم أن هناك اختلافا في تعاطي أنقرة وطهران في التعامل مع الأزمة السورية، لكن هناك تنسيقا وتبادلا للزيارات ووجهات النظر بشأن هذه الأزمة.
إيران تقدم نفسها كحامية للشيعة في العالم الإسلامي، وتركيا كدولة سنية ''تدعم'' المعارضة في مواجهة الطائفة العلوية الحاكمة في سوريا، هل نحن أمام صراع طائفي بين قوتين إقليميتين إسلاميتين؟
 أعتقد أن السياسة الخارجية الإيرانية لا تتمحور حول العامل الطائفي، فعندما تدعم طهران النظام الحاكم في سوريا فهي لا تنطلق من العامل الطائفي، وإنما تنطلق من رفض سيطرة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على مقاليد الأمور في منطقة الشرق الأوسط، لأنها تعتقد أن النموذج الليبي يعني تحقيق النموذج الغربي في سوريا وهذا يصب في المصلحة الإسرائيلية، مما يدفع إيران لمواجهة التدخل الخارجي في التطورات الداخلية لسوريا. وطهران تدعو إلى حوار بين الدول الإقليمية، حيث وافقت إيران على مقترح رئيس مجلس النواب العراقي، أسامة النجيفي، لعقد اجتماع في بغداد يجمع كلا من إيران والعراق والسعودية وتركيا لمناقشة الوضع في سوريا ومشاكل المنطقة، كبديل عن التدخلات الخارجية، سواء من أمريكا أو من الناتو.
في حالة تدخل عسكري تركي بسوريا، هل ستتدخل طهران في حرب ضد أنقرة دفاعا عن نظام الأسد؟
 هذه فرضية لا يمكن الاعتماد عليها، لأن إيران لا تريد التدخل عسكريا، كما أن تركيا لا تريد التدخل العسكري في سوريا. ولا أعتقد أن هناك مواجهة بين السياستين الإيرانية والتركية في المنطقة. فتركيا لم تسر وفق وتيرة واحدة في تعاملها مع الشأن السوري، والأتراك غير مهيئين عسكريا، وحتى سياسيا للتدخل بشكل مباشر في سوريا. ولا أظن أن هناك نوعا من التصادم بين الدولتين، رغم الاختلاف في وجهات النظر.

الجزائر: حاوره مصطفى دالع

المحلل السياسي التركي إسلام أوزكون لـ''الخبر''
''أنقرة ستتضرر كثيرا إذا صمد الأسد ولم يرحل''

تركيا وإيران تعيشان مرحلة تحول لأول مرة منذ 400 سنة


 يرى المحلل السياسي التركي، إسلام أوزكون، أن استمرار نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في الحكم سيضر بتركيا، بعدما اتخذت مواقف متشددة منه، مؤكدا وجود نوع من الصراع التركي الإيراني، بعدما ظل لسنوات مجرد تنافس على قيادة المنطقة.
يعتقد المحلل السياسي، إسلام أوزكون، في حوار مع ''الخبر'' أن تركيا أخطأت نوعا ما في التشدد مع نظام بشار الأسد، بينما كان بإمكانها الاكتفاء بتقديم النصح، ولعب دور الوسيط في هذه الأزمة الكبيرة.
وكان أوزكون واضحا عندما قال ''إذا لم يرحل الأسد ونظامه البعثي فستقع الحكومة التركية في مشاكل مستقبلا، لأن صمود الأسد يعني تشكل جبهة قوية تتكون من سوريا والعراق وإيران ضدها''. ويعتقد المتحدث أن ''تركيا كان عليها الاكتفاء بتقديم نصائح، وليس الانحياز للمعارضة السورية، أو مثلما سمعنا القيام بدعمها أيضا بالسلاح''.
وسجل أوزكون أن ''تركيا وإيران ليستا في حالة عداء رسميا، ولكن الأحداث الجارية ميدانيا تثبت العكس تماما، فقد سبق لنائب علي خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، أن انتقد الدرع الصاروخي في تركيا، كما انتقد مجلس النواب الإيراني موقف تركيا من الأزمة السورية''.
وحسب المتحدث، فقد اضطر وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، للسفر إلى طهران لشرح وجهة النظر التركية من الأزمة السورية الطارئة.  وفي تاريخ العلاقات الثنائية بين تركيا وطهران، يشير المحلل السياسي التركي، إسلام أوزكون، إلى أن هذه العلاقات ''اتسمت منذ ما يزيد عن 400 سنة بالسلام بين البلدين، رغم تسجيل محطات للتوتر الخفيفة التي لم تصل حد الحرب، فقبل أربعة قرون تم توقيع معاهدة تفاهم معروفة باسم (قصر شيرين) التاريخية''.
وفي التاريخ الحديث، يلاحظ المتحدث أنه ''في فترة ما قبل الثورة الإسلامية في إيران كانت تركيا وإيران حليفتان للولايات المتحدة والحلف الأطلسي، لكن تغيرت الأمور لاحقا بانسحاب إيران من هذا الحلف''.
ويقول إسلام أوزكون إنه ''خلال عقد الثمانينيات شهدت تركيا موجة تصدير للثورة الإسلامية، وهذا أمر أزعج الجيش، وسبب له حساسية كبيرة باعتباره جيشا علمانيا، تلتها حرب مع الإسلاميين الأتراك خلال التسعينيات''.
 ويواصل المتحدث قوله إنه ''بمجيء حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب أردوغان، حاول هذا الأخير تلطيف الأجواء مرة أخرى مع إيران، من خلال انتقاده الصريح لازدواجية الغرب والولايات المتحدة اتجاه الملف النووي الإيراني، حيث انتقد أردوغان السماح لدول معينة، منها إسرائيل، بامتلاك السلاح النووي بينما يتم حرمان إيران''.
ويرى المحلل السياسي التركي أن ''فترة أردوغان تميزت بالانفتاح أكثر على الدول العربية والإسلامية، من خلال لعب تركيا دور الوسيط بين الغرب وإيران، وبين الشيعة والسنة، وبين سوريا وإسرائيل''. وسجل المتحدث أن ''المشكلة بدأت تظهر الآن في تعاطي الدبلوماسية التركية مع الملف السوري المعقد''.


 أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد عظيمي لـ''الخبر''
''الصراع التركي الإيراني سينتهي لما تقوم أنظمة ديمقراطية في المنطقة''


 يرى أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، الدكتور أحمد عظيمي، أن الصراع في منطقة الشرق الأوسط، والذي يبدو مغلفا بالثوب الطائفي الشيعي السني ليس وليد السنوات الأخيرة، هو صراع قديم وله جذور تمتد إلى قرون خلت، ''وقد ظل يبرز للعيان فترات ثم يخمد لفترات أخرى، ومن هذه الخلفية يمكن القول إنه بالفعل صراع سني شيعي، لكن مصالح الدول الكبرى تدفع بهذا الصراع إلى مستويات أعلى وتعمل بكل الوسائل لمنع خموده''، خاصة منذ الثورة الإسلامية التي قادها الخميني وانتهت بسقوط شاه إيران.
أما عن نهاية هذا الصراع، فيرى الدكتور عظيمي، في رده على أسئلة ''الخبر''، أنه مرهون بقيام أنظمة ديمقراطية في المنطقة العربية تقوم على أساس المواطنة، وليس على أساس الولاء للطائفة أو العرق، ''وبالنظر إلى الطبيعة القبلية للأنظمة العربية، فإنه يمكن اختراقها من قبل الدول الكبرى التي تسعى، وهذا ليس سرا، إلى تفتيت المنطقة مجددا، لأن اتفاقية ''سايكس بيكو'' فتتت المنطقة على أسس جغرافية فقط، ولم تأخذ الجوانب العرقية والطائفية بعين الاعتبار، وقد جاء الوقت المناسب لاستكمال مشروع التمزيق. وينبه محدثنا إلى أن الخريطة الجديدة موجودة ويعرفها الجميع بمن فيهم صناع القرار العرب''.
 وفي رد عن سؤال متعلق بكون الصراع في ثوبه الطائفي أكبر على ما يبدو من العرب وإيران، لأن الأتراك هم جزء منه أو على الأقل أصبحوا كذلك، يجيب محدثنا ''هذا يحملنا إلى المستقبل، وهذا يدفعنا إلى القول بأن المنطقة لا تتحمل إلا دولة قاطرة واحدة، لا اثنتين، وهذه القاطرة لن تكون إلا إيران أو تركيا. ولأن لتركيا خطوات أوسع، فهي الأوفر حظا في قيادة المنطقة لعوامل كثيرة''. ثم ينبه الأستاذ عظيمي إلى أن هناك دراسات تتحدث على أن إيران ستدير ظهرها للمنطقة العربية، وستتوجه نحو ما كان يعرف بالجمهوريات الإسلامية السوفياتية، لكن حتى في هذه المنطقة سيكون الصراع بينها وبين تركيا على أشده، باعتبار أن هذه الجمهوريات كانت ذات يوم جزءا من الإمبراطورية العثمانية التي ورثت ''تركيا أردوغان'' تركتها.





سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)