الجزائر

"سكيزوفرينيا"..رواية تحتضن بين طياّتها الواقع المؤلم لمرضى الفصام والخيال


الكاتبة الصاعدة أمينة لعرابة ل"السلام":
شابة جزائرية بالخامس والعشرين من عمرها، ذات فكر مغاير يرتبط كلّ الارتباط بالأمراض العقلية والعقد النفسية، طالبة طب سنة سادسة بكلية عنابة وناشطة جمعوية بجمعيتين، ولائية ومحلية بمدينة عزابة ولاية سكيكدة، مؤلفة رواية "سكيزوفرينيا" "الفصام.
حاورها: أ . لخضر . بن يوسف
منذ متى عشقت الكتابة والقلم ومتى كان أول نص لك؟
في أوائل سن الرّابعة عشرة، أول نصّ لي كان قصيدة فلسطينية تحمل دعاءً سماويّا، كنت قد ألقيتها بحفل تكريم لي بمتوسطتي.
أنت اليوم بصدد اصدار عملك الأول وهو عبارة عن رواية، فأنت تكتبين وتبدعين في الرواية وطالبة في السنة السادسة من الطب، هل هذا نتاج التمازج أم ماذا؟
رغم زحف الأدب نحوي بستّ سنوات طب إلاّ أنني فضلت التوجّه العلمي أولا، وما إن وجدت نفسي راضية على نتائجي أدرت وجهي نحو الأدب بقناعة.
اصدارك الجديد "سكيزوفرينيا" نص يحاكي مرض الفصام، كيف تبلورت في ذهنك أن تستحضري هذا المرض، وما هو احساسك وشعورك قبل وأثناء وبعد تدوينك لمعارفك في العلوم الطبيّة لتأثيث أحداث الرواية التي تمزج بين الطابع العلمي والأسلوب الأدبي في سرد مشاهدها؟
في فبراير 2019 تحديدا بمشفى الرّازي كان أول لقاء لي حيّ مع مريض مصاب بالفصام، أمضيت رفقته تربص ثلاثة أسابيع كنت قد تجرّعت ألمه في كلّ لحظة حتى أصابني الأرق، حينها كانت أمنيتي لا تتعدى كتابة هذه الرواية والتي تصف العالم المظلم بين الواقع والخيال الذي يعيشه مرضى الفصام، أضيء من خلاله الطّريق لكل سكيزوفريني نحو التّشخيص ولكل مواطن ذو قلب ينبض لمس الجراح النّازفة لهذه الفئة، كنت أشعر بالرّاحة والاطمئنان كوني أجسّد علما نافعا بقالب روائيّ شبابي.
أنت طالبة طب أيضا.. دعيني أسأل عن الخيط الرفيع بين الطب والأدب، ومتى يغتال أحدهما الآخر؟
أظن أنّ امتلاك الموهبة الأدبية وإن طمسناها لسنوات عجاف لا تلبث إلاّ أن تنبثق وهكذا حدث معي، صحيح أنّي طالبة طب ولكن الأدب يغتال روحي ويسعى نحوي كلّما نأيت عنه، خاصة أيّام القسوة و لحظات البلاء.
هل تشعرين أن الكتابة الأدبية أضافت إليك شيئا مهما مثلا ككاتبة؟
طبعا كل تجربة في الحياة تقودنا للإضافة، سواء إيجابية أو سلبية، ولحد اليوم أظنّ أنّ إضافات الكتابة أغلبها إضافة جمالية إيجابية لي.
على الرغم من دراستك العلمية في كلية الطب، فإنك فضلتِ الاتجاه الأدبي، لماذا؟
لو ننبش في حياة الأدباء القدامى والمتميزين عبر العصور لوجدنا المتفرّدين الفريدين كانوا ذوو دراسات علمية واتجاهات فكرية مختلفة عن الأدب، وأنا لم أفضّل الاتجاه الأدبي إلاّ بعد أن شهدت العزوف الشبابي عن المقالات العلمية الجامدة، وفتور مشاعرهم اتّجاهها، فارتأيت الكتابة الأدبية للنّفع والامتاع في آن واحد.
"سكيزوفرينيا"..رواية علمية تمزج بين الخيال والعلم لكسب القارئ، وذلك قصد التعريف بهذا المرض، وتستند إلى دروس الطب النفسي، وما توصّل إليه البحث العلمي عالميا، إضافة إلى البرامج التوعوية التي تتناول تجارب واقعية حقيقية لمرضى الفصام، هل لك أن تحدثينا أكثر عن هذا الاصدار المهم، كيف جاءتك فكرته، وهل كنت مرتبة أفكاره قبل نشره؟
الفصام، انبثقت فكرته من الواقع المؤلم الذي نعيشه: تزايد عدد مرضى الفصام من جهة، وجهل المحيطين بهم من جهة أخرى، والمعتقدات الخاطئة حول الأمراض العقلية وعزوف الكتّاب والباحثين من فكّ شفرتها أو الحديث عنها حتى ضمن مقالات علمية، أو محاضرات أو لقاءات، بالنسبة لي يخلو أيّ عمل من وسام النّجاح إذا ما رتّبت أهدافه وسطّرت غاياته، فالأكيد أن الفكرة محبوكة والهدف واضح.
ماذا لو حدثتنا عن فصول الرواية شخوصها واقعية أم من نسج الخيال، كيف للواقع والأحداث ومتغيراتها أثر وانعكاسات؟
روايتي تمسّ الواقع في أغلب صفحاتها ولا تكاد تخرج عنه إلاّ بالأسماء والصفات الشكلية، وماعدا ذلك فللقارئ الحكم التّام بحقيقة ما كتبته.
الرواية شهدت اختلافا في كتابتها بين الريف والمدينة ودامت سنوات طويلة، المكان والزمان أقاليم متعددة، ماذا يمثلان لك؟
كل ذلك مستخلص من المرض وأسباب ظهوره، فالدّراسات العلميّة أظهرت أن تغيير البيئة يؤثر جليّا في ظهور الفصام إذا ما ولد الشّخص باستعداد وراثي له، ثمّ أنّ السنين الطوال التي خضتها كان واجبا عليّ استحضارها، فالطفولة والصّدمة التي عايشها بطل الرواية بنت جسرا صلدا بينه وبين الفصام، وكذلك الخسارات التي عايشها بعد ذلك وتعثّره في علاقته بمحيطه وانعزاله كان ولابدّ أن يكون عبر سنوات عديدة ومراحل متتابعة، أي ان الزّمان والمكان والسنون أمر مهم مرتبط ببطل الرواية ومرضه وليس بشخصي.
حرَكت الشخصيّات في الرواية، ونجحت في خلق بناء ونسيج فني متكامل، منذ بداية الرواية حتّى نهايتها، وصوَّرت الواقع المرّ المعاش، وقلّدت لكل شخصيّة دورا يُسيّر الأحداث، ومشاهد الصعاب والمشاكل لمرضى الفصام داخل المجتمعات؛ فانكشفت الحقيقة الزائفة والمعتقدات الخاطئة داخل المجتمعات، كيف تمكّنت من كلّ هذا في قالب علمي وبأسلوب أدبي، ما الذي ساعدك في ذلك، وهل أجهدتك الرواية وكم أخذت من الوقت لتكون في شكلها النهائي؟
بفضل الله أوّلا تمكّنت من ذلك، ثم إنّ اطلاعي العلميّ بحكم دراساتي الطبيّة ساعدني كثيرا، وموهبتي في الكتابة قد أتمّت ذلك، لا أجد إجهادا في عمل نافع يخدم الفرد والمجتمع والمرضى، فلو استبدلنا كلمة إجهاد ب "الوقت" لقلت نعم قد أخذت من وقتي.
استخدمت أسلوب الرسائل التوعوية والأساليب العلمية والطبية، وأدرجت بعض الألفاظ الدارجة والأمثال الشعبية، هذا الأسلوب يبدو حداثيا وعصريا، تماشيا مع الحداثة وتطورات العصر، لتتناسب مع عمر الكاتبة في ادخال الحداثة لأسلوب الرسائل والإرشاد والتوعية، هل تعمّدت ذلك أم كان اختيارا عن قصد أم مجرد صدفة؟
لا أعتمد الصّدفة في الكتابة ولا تروقني، ولذلك فقد كان كلّ ما ذكرته عن قصدٍ بغية محاكاة الواقع، وإضفاء الجانب الجمالي على الرواية لكسب عقول القرّاء نحو تصفّح الكتاب.
رواية "الفصام " رواية احتوت على معظم عناصر الرواية، تحمل رسالة اجتماعية، استخدمت أسلوبا سرديا شيقا، ولغة رصينة، روايتها تُبشر بولادة كاتبة جديدة، صاحبة موهبة ذات قدرات تفوق عمرها الزمني، وممكن التنبؤ لها بمستقبل زاهر في عالم الكتابة الروائية، هل تفضلين كتابة الرواية فقط أم أن كتابة القصة تراودك بين الحين والآخر؟
أظن أنّ انطلاقتي كانت بقالب روائي ولكن مستقبلي سيحدّد بناءً على نقد القارئ ، فالكاتب ملك لقرائه.
يقال أن الكتابة باتت ساحة مباحة للجميع، يعني أن كل من أراد أن يصدر كتابا يتضمن فكرة أو خواطر، فهذا حق، هل تعتبرين أن التعبير عن الرأي في الكتابة هو حق مطلق أم هو مقيد وتتحكم به شروط عديدة؟
أظنّ أن النّقد يطال الجميع دون استثناء، ورأيي أن يكتب كلّ من له رسالة واضحة، وموهبة بيّنة حتّى لا نحشر مواهب حقّة في زاوية مظلمة، ونسمح لآخرين باستنزاف حقّ أولئك في السّاحة الأدبية.
إلى أي مدى تعتبرين المرأة قادرة على إيصال أي فكرة أرادت، وما هي العوائق التي تواجهينها كأديبة؟
لا أرى أنّ جنس الكاتب أو عمره يؤثران إذا ما امتلك الهدف والموهبة ، والرّسالة الواضحة، العوائق التي تواجهني قد تواجه أيّة كاتب في بداياته وليس لها علاقة بكوني "امرأة".
مقولة "خوسيه ساراماغو" أن الرواية الأولى لا بدّ أن تحمل مشروع فكرة يواصل فيها الكاتب إلى الآخر..هل تشعرين أنك بدأت مشروع كتابة رواية؟
أجل، وستكون لي اصدارات أخرى متتابعة في نفس اللّون وتحمل قدرًا كافيا من الرّسائل والتّوعية.
أنت من الشرق الجزائري تحديدا سكيكدة..حدثينا عن الأجواء الثقافية في تلك المناطق؟
أعيش بمعزل عن الأجواء الثقافية، فالطبّ يأخذ كلّ وقتي.
ما الذي يفترض أن يفعله المثقّف كي يكسر جدار العزلة والتّهميش الذي يأكل عظامه، في غياب حلول رسميّة على الأقل؟
يجاهد بفكره وقلمه وريشته، فالحلّ يكمن في أن لا نتوقّف عن السّعي.
كيف تقرأ أمينة المشهد الثقافي الجزائري ككل؟
أظن أنّ المشهد الثقافي وخاصة لدى الشّباب قد استهل طريقه ووجد بداياته في كنف المثقفين، فالثّورة الفكرية مثلها مثل الثّورة التحريرية ما إن ترميها للشّارع حتّى يتمّ احتضانها بشغف.
لماذا صارت الرواية الأهم إزاء السّرود الأدبية الأخرى في نظرك؟
هذا السؤال الذي يراودني كثيرا، ولربّما حين استعصى عليّ الجواب ارتأيت الكتابة في هكذا لون، على القارئ أن يجد فيه مهربا من واقعه أو ايجاد مكان لنفسه بين شخصيّات الرواية بمكانها وزمانها وصفاتها، أي أنّه يجد في ذلك المّتعة والنّفع معا.
السرد النسوي أثبت قوته ومكانته في الوطن العربي في السنوات الأخيرة..دعيني أسألك كيف تقرئين السرد النسوي الروائي في الجزائر، وما مدى اقترابك من زميلاتك الأديبات اللائي سبقنك في العملية الإبداعية؟
لم يسبق لي وأن قرأت رواية جزائرية نسوية بل جزائرية أصلا، عدا رواية "الشامة السوداء" للكاتب "عبد الرزاق آل قرود" ولذلك لا يحقّ لي الحكم عليها رغم أنّ علاقتي بالأدبيات زميلاتي علاقة تتّسم بالودّ والاحترام وتبادل الأفكار، ويجمعني بهن نسق تفكيريّ متكامل.
ماهي طموحاتك على الصعيد الشّخصي والابداعي؟
يصعب عليّ تلخيص طموحاتي في جملة أو اثنتين، وإنّما ادعو الله أن أكون غيثا نافعا أينما وقعت كطبيبة أو كاتبة أنفع، وأضيف حسب الدّين والأخلاق والفكر المعاصر.
كلمة ترغبين في قولها أخيرا؟
الله يبقى حين لا يبق أحد، لذلك أشكر نعمه وفضله أوّلا وأخيرا، ممتنّة لعائلتي التي آمنت بي، وللكاتب "عبد الرزاق آل قرود" الذي وجّهني في بداياتي، وسيادتكم أن منحتموني فرصة التعريف بمولودي الأدبي الأوّل.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)