الجزائر

سفينة الخلاص الليبية تغرق في أعاصير المليشيات المسلحة



سفينة الخلاص الليبية تغرق في أعاصير المليشيات المسلحة
كان بإمكان اللّيبيين أن يحتفلوا اليوم بجني أولى ثمار نجاح ثورة 17 فيفري ثلاث سنوات بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، ولكنه موعد تأجل لثالث مرة بعد أن بقي الإنجاز معلقا، وتحولت معه البهجة إلى اكتئاب، والفرحة إلى حزن في أفق اختفى ضوؤه إلى حين.يستعيد الليبيون اليوم صور الابتهاج التي طبعت مختلف مناطق البلاد يوم 23 أكتوبر 2011؛ بانتشار خبر مقتل العقيد الليبي معمر القذافي، معتقدين أن التخلص من "الطاغية" سيفتح أمامهم أفق الحرية والعيش الرغيد.ولكن الليبيين استفاقوا ثلاث سنوات بعد تلك الأحداث على واقع مغاير تماما، افتقدوا على إثره السكينة والاستقرار الاجتماعي الذي كانوا يعيشونه، والأفظع من ذلك كله أنهم وجدوا أنفسهم في متاهة منطق قوة لم يعهدوه، بعد أن تحوّل "الثوار" إلى مليشيات مدجَّجة بمختلف الأسلحة، ولم يعد يمنعهم أي شيء للاقتتال فيما بينهم والزج بهذا البلد في متاهة حرب أهلية غير معلنة، عادت من خلاله العشائرية والنزعة الطائفية والاقتتال الإيديولوجي بدعم دولي لهذا الطرف أو ذاك.وأمام هذا المشهد السوداوي بقيت الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب الليبي، تتابع وهي عاجزة عن فعل أي شيء لوقف تطورات الأحداث الدامية في بنغازي أو طرابلس أو ورشافنة والجبل الغربي وفي سبها وسؤالهم الطاغي إلى أين تتجه ليبيا؟وهل هناك أمل للعودة إلى وضع ما قبل ثورة 17 فيفري؛ حيث كانوا يعيشون الرفاه بغضّ النظر عن القبضة الحديدية التي فرضها عليهم نظام أحادي ولجان شعبية "خضراء" كتمت على أنفاسهم طيلة أربعة عقود كاملة؟ وهي أسئلة وأخرى تبقى دون إجابة، ولا أحد من الليبيين بإمكانه استشراف مستقبل بلد فقد بوصلته، وفرضت لغة الرشاش والقوة العسكرية منطقها على الجميع.والأكثر من ذلك أن الليبيين يأملون فقط في أن لا يزداد الوضع سوءا ويتوقف الانزلاق عند هذا الحد، وأن تحين اللحظة التي يتيقن الفرقاء فيها أن قتال بعضهم البعض لن يحل المعضلة بقدر ما يزيدها تعقيدا.ولكن مَن مِن المتحاربين سيحتكم إلى لغة العقل ويدرك أن الحرب لا تؤدي في النهاية سوى إلى مزيد من التهلكة؟ فكلما مر يوم إلا وزادت درجة الشحناء بين تيارات إسلامية وجدت في الإطاحة بنظام العقيد القذافي متنفسا لها للظهور، وبين قوى ليبرالية علمانية لا تريد أن تتحول ليبيا إلى إمارة إسلامية، وبين هذا الجناح وذاك تفرقت القبائل الليبية وتشتّتت كلمتها بعد أن انحاز بعضها إلى هذا الجناح وأخرى مع جناح ثان.وهو الوضع الذي زادته التجاذبات الدولية ومحاولة التأثير على القوى الليبية المختلفة، تعفنا، ووضعت التوصل إلى تسوية نهائية للوضع الليبي في خانة المستحيل على الأقل، في ظل التطورات التي يعرفها الوضع العام في هذا البلد؛ حيث اشتدت المواجهات في بنغازي وطرابلس في حرب مفتوحة في غياب سلطة مركزية واحدة وموحدة.فقد زاد الوضع الشاذ بازدواجية السلطات التنفيذية والتشريعية دورا إضافيا في تعفن الوضع العام، انقسم في سياقه الشارع الليبي وفق هذه الازدواجية، التي جعلت التوصل إلى مخرج من حالة الاحتقان العام، أمرا بعيد المنال.كما إن انحياز القوى الكبرى إلى جانب ما أصبح يُعرف بحكومة عبد الله الثني وبرلمان طبرق على حساب حكومة عمر الحاسي والمؤتمر الوطني العام في طرابلس، عمّق من هوة هذا الشرخ، وباعد بين مواقف المتحاربين، وساهم في تأجيج العداء بين الحكومتين والبرلمانين، وراح كل واحد يدّعي شرعيته في إدارة الشأن العام الليبي.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)