الجزائر

سائقو سيارات الإسعاف يبحثون عمن يسعفهم


ناقلو المرضى محرومون من منح المخاطر والعدوى
لا يمكن حصر المعاناة اليومية لسائقي سيارات الإسعاف في نقل المرضى من المنازل إلى المستشفيات فحسب، بل تتعداها لتصطدم برجال الشرطة الذين يسحبون منهم رخص السياقة لمجرد أنهم يسرعون في الطريق للتعجيل بنقل المصابين، بينما يتلقى أغلبهم عبارات الشتم والسب من أهالي المرضى، لأنهم وصلوا متأخرين وغير معترفين بالاختناق التي تعرفه حركة المرور ولا ببقاء هذا السائق الذي يقود المركبة لأزيد من 12 ساعة داخل سيارة الإسعاف ينقل المريض من مستشفى
إلى آخر مقابل أجرة شهرية لا تتعدى 20 ألف دينار.


سائقو سيارات الإسعاف يروون معاناتهم ل''الخبر''
مريض كاد يتوفى في حاجز الرغاية و12 ساعة للبحث عن حاضنة

قال سائقو سيارات الإسعاف التابعة لمصلحة الإعانة الطبية المستعجلة لولاية الجزائر، بأنهم لا يتركون المريض وحده في المستشفى، كما تفعل سيارات الإسعاف التابعة للحماية المدنية. فنحن كما يذكر هؤلاء ''ملزمون بالبقاء مع المريض لإيجاد مكان له في المستشفى أو إعادته إلى البيت وهو ما يزيد من متاعب هذه المهنة التي تتحول إلى محنة لمجرد أن ترفض المستشفيات الحالات المستعصية لبعض المرضى وحدث وأن استغرقت سيارات الإسعاف 10 ساعات كاملة من أجل البحث عن مكان لمريض في مستشفى.
يروي بوعزة محمد، سائق سيارة إسعاف بمصلحة الإعانة الطبية المستعجلة بالعاصمة وصاحب خبرة تتجاوز 23 سنة تفاصيل مهمة نقل المريض من البيت إلى المستشفى والتي أصبحت شبه مستحيلة. فرجال الأمن والدرك، يقول بوعزة ل''الخبر'' يسارعون إلى سحب رخص السياقة منا بسبب استخدام السرعة في الطريق حتى ننقل المريض من بيته إلى المستشفى مما يعيق وصولنا في الوقت المحدد'' يضيف محمد. ولا تنتهي معاناتنا عند هذا الحد، فمشكل توقف سيارات الإسعاف قصة أخرى ليبقى البحث عن مكان لركنها داخل الحي، حيث يتواجد المريض وعندما نبلغ بيت هذا الأخير نواجه سيلا من السب والشتم بسبب تأخر وصولنا إلى منزل المريض''. ويروى لنا ذات السائق أنه حدث وأن جلب مريض من ولاية البويرة إلى مستشفى مصطفي باشا، لكن وأمام حاجز الدرك الوطني بالرغاية انتهت قارورة الأكسوجين وكاد المريض أن يتوفى في الطريق لولا وجود قارورة أكسجين أخرى. كما حكى لنا تفاصيل نقل امرأة كانت على وشك الولادة، حيث طاف بها أغلب المستشفيات الكائنة بالعاصمة دون أن تقبل بها مصالح التوليد لأن مولود تلك السيدة بحاجة إلى حاضنة لا تتوفر عليها جل مصالح التوليد.
أما غياب المصاعد في العمارات فتلك قصة أخرى، حيث يضطر سائقو سيارات الإسعاف الصعود إلى الطوابق العليا لجلب المرضى ويزيد من متاعبهم عندما يكون المريض بدينا. ويقول السائق بوعزة ''لهذه الأسباب أغلبنا يعاني من مرض السكري وآلام حادة على مستوى الظهر بسبب التعب والإرهاق، لكن الإرهاق الحقيقي، حسب المتحدث نفسه، هو التيه في شوارع العاصمة لأن أهالي المريض لا يعرفون بالتحديد أسماء الأحياء خصوصا الجديدة منها، فالتوسع العمراني الكبير في ولاية الجزائر يتطلب جهدا خاصا للوصول إلى المريض.
أما أيت علي بلعيد زميل بوعزة في مصلحة الإعانة الطبية المستعجلة وصاحب خبرة فاقت 17 سنة، فيجزم بأن عمل سائق سيارة الإسعاف شاق. فنحن ''نعمل في ظروف مزرية، كما أننا نتعرّض أكثر من غيرنا لكل أنواع الأمراض، حيث نقلنا مرضى مصابين بأنفلونزا الخنازير وبمختلف الأمراض المعدية ومع ذلك لا نتقاضى منحة الخطر ولا منحة العدوى ولكم أن تتصوروا شخصا يعايش يوميا آلام الآخرين وجروحهم وإصابتهم الخطيرة، بينما الأجر الشهري زهيد ولا يلبي حاجياتنا المعيشية''. ك . ك


معرضون لأمراض شتى وعملهم غير محدد بالزمن
وجبات باردة لتوفير منحة التنقل

يعتبر العمل اليومي لسائق سيارة الإسعاف، من أصعب وأخطر المهن. ذلك لأن عملهم غير محدد بفترة زمنية بفعل الواجب المهني الذي يدفع بالسائق إلى التضحية بوقته أحيانا، أما الخطورة فتكمن في الأوبئة المحدقة بالسائق جراء الأمراض المعدية المتنقلة من المرضى، دون استفادتهم من منحة العدوى التي يستفيد منها باقي الأسلاك الطبية.
يقول أحد السائقين بتيارت، أنه من المستحيل التوقف عن العمل إثر نهاية الوقت المحدد في الساعة الرابعة وبخاصة ''إن كنا نقوم بإجلاء مريض إلى عيادة أو مصلحة استشفائية'' حيث يضيف ''نضطر إلى انتظار نتائج الفحوصات بالأشعة أو التحاليل أو ما شابه ذلك''. ويعتبرون ذلك ''زكاة'' تحفظهم من مخاطر الطريق كما يقول محدثنا، وبخاصة أثناء التنقلات خارج الولاية، لإجلاء المرضى إلى المستشفيات الجامعية أو نقل مريض في حالة خطيرة، إذ يجد السائق نفسه بين أمرين، إما الالتزام بالسرعة المحددة أو الزيادة في السرعة للوصول في أقصر مدة، مخاطرا بروحه وبروح من معه. ويضطرّ السائق، في غالب الأحيان، إلى تناول وجبات الغذاء الباردة لتوفير الأموال من منحة التنقل التي لا يتم تسديدها في الوقت المحدد.
ولعل أهم انشغال يحمله سائقو سيارات الإسعاف مخاوفهم من ''التعرض للأمراض المعدية لاحتكاكهم اليومي بالمرضى، دون وقاية أو حماية ودون الاستفادة من منحة العدوى، على غرار باقي عمال الصحة، فضلا عن عدم استفادتهم من عدة امتيازات كانوا يتمتعون بها قبل التصنيف الجديد.


شاهد من أهلها

رئيس حظيرة مصلحة الإعانة الطبية المستعجلة ل''الخبر''
''نناشد الشرطي والمواطن مساعدتنا على أداء واجبنا''
يقول رئيس حظيرة مصلحة الإعانة الطبية المستعجلة عبد المؤمن حليم في حوار مع ''الخبر'' بأن ''مشكلتنا الأساسية تكمن في عدم تفهّم رجال الشرطة والدرك لمهمة سائق سيارة الإسعاف الذي يذهب مسرعا لجلب المريض ونقله إلى المستشفى، إذ يتعرض أغلبهم إلى السحب الفوري لرخص السياقة ونمضى الوقت في التدخل لدى الجهات الأمنية لإعادة رخص السياقة بينما يدفع المريض ثمن هذا التعطل.
هل تعتقد أن سائق سيارة الإسعاف يؤدي واجبه كما ينبغى؟
بكل تأكيد، فهم أحرص الناس على توصيل المريض إلى المستشفى، تماما مثل الطاقم الطبي المرافق له، وتكتمل مهمتهم بمعالجة المريض وإعادته إلى البيت.
ماذا تطالبون لتحسين ظروف عمل السائقين؟
الزيادة في عدد سيارات الإسعاف والرفع من عدد السائقين لمواجهة الطلب، مع تقديم اقتراح بالزيادة قي الأجور التي لا تزيد في أحسن الأحوال على 20 ألف دينار، مع إقرار منحة الخطر ومنحة العدوى.
هل من نداء يوجّه لأعوان الأمن والدرك وحتى للمواطن؟
ندائي للجميع هو احترام سيارة الإسعاف، سواء كانت تحمل مريضا أو فارغة فهي تؤدي مهمتها وعلى مصالح الأمن عدم اللجوء إلى سحب رخص السياقة. كما للمواطن دور هام في إفساح الطريق لسيارة الإسعاف، فنحن نسعى لنقل المستشفى يتنقل إلى المريض بعدما ضاقت المستشفيات بمرضاها.


بورتري

السائق بويعبان الجيلالي يستعيد ذكريات 24 سنة من الخدمة
''نجوت عدة مرات من حواجز مزيفة وتبرعت بدمي لمريض''
استرجع بويعبان الجيلالي، سائق سيارة إسعاف بالمستشفى القديم الدكتور يسعد خالد بمعسكر ذكرياته في لقاء مع ''الخبر'' عن السنوات ال 24 التي قضاها كسائق والتي عاش فيها أياما حلوة وأخرى مرّة.
السائق الذي أحيل على التقاعد ديسمبر الفارط، أكد على أن المهنة هي مهنة المتاعب، خاصة خلال الفترة الليلية، حين كان يضطر لنقل الأمهات الحوامل لإخضاعهن لعمليات قيصرية بالمستشفى الجامعي بوهران. كما روى تحدياته في العشرية السوداء بعد رحيل البعثة الصينية، حين نجا بأعجوبة في عدة مناسبات من حواجز أمنية مزيفة، كانت تنصب من طرف الجماعات الإرهابية في كل مكان، سيما بمنعرجات ''حاسين''. وفي المقابل، أكد متحدثنا على أنه لم يسلم من أمراض مزمنة تلاحقه لحد الآن كداء السكري وفقدان السمع وضعف البصر، معبرا عن سعادته وغبطته التي لا توصف عند مثول المرضى الذين ينقلهم للشفاء، خاصة بعد إخضاعهم لعمليات جراحية ناجحة، فيشكرونه ويدعون الله له.
السائق بويعبان جيلالي وطيلة مزاولته لمهنته كان محبوبا لدى الخاص والعام ومن قبل القابلات والأطباء والأخصائيين، إذ لم يرفض لهم أي طلب، كما كان يحترمه المرضى ويكنون له كل التقدير. وأروع مما بقي في خلد السائق ولن ينساه ما عاش هو إنقاذه لأحد المصابين الذي نقله على جناح السرعة بسيارة الإسعاف إلى غرفة العمليات وتبرع له بدمه وتمكن من إنقاذ حياته.


عندما يتسبب السائقون في عرقلة سيارات الإسعاف
الازدحام يودي بحياة الحاج مهدي
أوضحت الحاجة زهية التي تقطن بحي شعبي بوسط سطيف بأنها لا تزال تحتفظ بذكرى وفاة زوجها في طريقه إلى المستشفى الجامعي بسطيف، بعد تعرضه لأزمة قلبية حادة جعلتها تخرج إلى الشارع لتطلب النجدة بحكم أنها تعيش وحدها رفقة زوجها الحاج مهدي، فقام أحد المارة بطلب سيارة الإسعاف. ورغم أن منزلها غير بعيد عن المركز الرئيسي للحماية المدنية بحي طانجة الشعبي، إلا أن الطريق الرئيسي المعروف ''رود سيلاق'' كان مزدحما للغاية بسبب انحصار حافلتين للنقل الحضري في مكان ضيق، ولم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول في الوقت المناسب، حيث وبمجرد نقله إلى داخل السيارة لفظ أنفاسه الأخيرة رغم محاولة إنعاشه، ورغم أنها تؤمن بأن الأمر قضاء وقدر، إلا أنها تشعر بأن سيارة الإسعاف لو حضرت بسرعة لتمكنت من إنقاذ حياة شريكها.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)