الجزائر

سائقو المسافات الطويلة آلاف الكيلومترات من أجل ''خبزة''



يقضي سائقو المسافات الطويلة العاملين في الحافلات التي تربط الخط الممتد من ولاية فالمة بباقي أنحاء الوطن، مسافات تتباين بين خمسمائة إلى أزيد من ألف كيلومتر. ينام الجميع إلا السائق، فمسؤولية الركاب الذين قد يصل عددهم المائة في ذمته، لذلك يحرص كل الحرص على البقاء مرتبطا بكرسي، حتى إذا وقف لينزل من الحافلة لا يقوى على فعل ذلك، كل عضلاته متشنجة، يشعر بالدوار ويشكو الغربة، التعب والجوع، كل هذا لضمان لقمة العيش لأبنائه. 22 ساعة متتالية دون نوم
عندما تتحول الحافلة إلى فندق 

 يشكو الكثير من السائقين العاملين على المسافات الطويلة من مشاكل مهنية وصحية سببها ساعات السياقة الطويلة، والتي تمتد إلى 22 ساعة في الرحلة الواحدة، مما يؤثر على الجهاز العصبي، الظهر وكذلك على الحالة النفسية للسائق، كل هذا مضاف إليه الاستفزازات التي اشتكى منها السائقين والتي يسببها الركاب الذين يجبرونهم على السرعة، والتي غالبا ما تنتهي بحوادث مرور.
يقول السائق سعدي الشيخ، البالغ من العمر 52 سنة، وهو أب لـ 6 أبناء، مستعرضا مسار عمله الذي بدأ من قيادة الشاحنات المقطورة خلال سنوات الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات، وهو تاريخ التحاقه بالعمل لدى الخواص وكان ذلك مع مؤسسة باجي بمدينة فالمة والتي تعتبر أولى وكالات السفر بالولاية العاملة على الخط الذي يربطها بالجزائر العاصمة، مما يجعله يقطع أزيد من خمسمائة كيلومتر يوميا، وهذا يشكل تعب نفسي وجسدي في آن واحد.
وعمله الممتد بين ثمانية إلى تسعة ساعات يوميا يسبب له التأخر في العودة للمنزل حيث غالبا ما يصل مع حلول الظلام، ليغادره عند السادسة من صباح كل يوم، هو عبارة عن رحلة لا تنتهي، وكل ما يحصل عليه من راحة هو أربعة أيام في كل شهر، وهي غير كافية، وقال أن هذا العمل يتطلب التناوب عليه من قبل سائقين على الأقل، ويكون يوما بيوم حتى يكون السائق مرتاح، ولكن للأسف هذا أمر محتم عليّ فأنا لديّ أبناء وإن فقدت عملي فلن أجد موردا آخر لإطعامهم، فلقمة العيش مرة ، وللأسف بالنسبة لي مصدرها هو مقود حافلة على مسافة طويلة، حيث لا أبرح الكرسي إلا بعد أن يكون التعب قد أخذ مني الكثير، ومع ذلك فأنا من اخترت هذا العمل من العربة نصف مقطورة التي كنت أقودها بإحدى الشركات لكنها تعرضت للإفلاس فاضطررت لمغادرتها، والتحقت بالعمل لدى الخواص، حيث أعمل على حافلة على الأقل حتى أضمن راتبا لأبنائي .
ورغم ما يلحق بالسائقين من تعب خلال الطريق قال أنه بمجرد وصوله إلى محطة التوقف النهائية خاصة على مستوى عاصمة الولاية قالمة، يتناساه لأنه يصطدم بمعاناة من نوع آخر بعد التعب والدوار، حيث يجبر على النوم داخل الحافلة لساعات حتى يحين موعد الرحلة التالية، وقال هنا يمكنكم أن تتصوروا حالة شخص يقضي جل وقته على كرسي داخل حافلة، يشكو الجوع والعطش، حتى يوفر اللقمة لأبنائه، بالنظر إلى الراتب الذي لا يكفي، فضلا عن الابتعاد عن الأبناء الذين يتمنون دائما لو كنت قريبا منهم، ولكنها الأمنية التي أعجز عن تحقيقها لهم، إلا إذا وجدت عملا آخر قريبا من المنزل، حينها سأتخلى عنه، فمخاطر الطريق الكثيرة رغم أن الطريق السيار قلل بعضا منها، تبقى قائمة دائما، خاصة على مستوى المقطع الممتد من الأخضرية إلى العاصمة والذي نستغرق فيه غالبا أربع ساعات يوميا، نظرا للازدحام، ما أتمناه أن تقوم وكالات السفر بإقامة مقرات لها على الطريق العام لتجنبنا الدخول للمدن.
و تبقى مشكلة أخرى أشد تتعلق بالركاب وما يسببونه من أذى نفسي لي، حيث أنهم لا يراعون حالتي ويحاولون استفزازي دائما، ويدفعونني لارتكاب سلوكات قد تضر بالغير خاصة مع الشكاوى التي لا تنقطع منهم لا يعجبهم العجب ، وهم لا يدركون حقيقة أنني مسؤول عن عشرات الناس الذين أقلّهم من مكان لآخر وهذا أمر ليس بالهيّن، ومن جهة أخرى أنتظر المساعدة من السلطات بتخصيص مكان للراحة خاصة بالمحطات النهائية، والتي تفرض عليّ النوم داخل الحافلات لغيابها، وهي ظروف صعبة للغاية .

بورتريه
السائق عليوي مسعود
عملي محفوف بالمخاطر بشكل دائم

 تحدّث السائق عليوي مسعود البالغ من العمر 57 سنة، عن عمله الممتد من سنة 1978 بمؤسسة الأشغال للمياه والطرق والغابات العمومية في نقل الأنابيب، مضخات المياه والأشجار التي يأتي بها من عدة مناطق مثل بوفاريك، الشلف، غليزان وسهل متيجة عموما، ثم تحوّله منتصف التسعينيات إلى العمل لدى الخواص بوكالة حزام للسفر، قال هذا العمل يجعل كل واحد منا بين الموت والحياة بشكل مستمر وفي كل ساعة، حيث تتعدد الأسباب الحاملة للمخاطر منها صعوبة الطريق، الجليد، الزوابع الرملية، وهذا ما يتطلب من السائق الكثير من الحذر، ويبقى حسبه الله وحده القادر على درأ الخطر عنا، وهي سنّة الحياة جرت عليه حتى يعمل في هذا المجال الشاق . وأضاف السيد عليوي أطول خط عملت عليه لغاية اليوم هو الممتد من عنابة باتجاه ولاية بشار على مسافة 1514 كلم، وهذا يحتم عليّ البقاء مستيقظا وجالسا على الكرسي لساعات تستغرق قرابة اليوم بكامله، دون أن يكون هناك سائق آخر مرافق لي يعينني على التناوب في القيادة ، ولذلك عبّر عن حالته بمقولة ساخرة الطاهر يبات ساهر ، فقال هذا ما يجر علينا الكثير من التعب والمعاناة، حيث ينام كل من في الحافلة إلا السائق الذي يستوجب أن يظل متمتعا بالفطنة والحذر، خاصة وأنه ليس لدي عمل بديل، ولو تسنى لي ذلك لما خاطرت بحياتي، وأضطر للتنازل عن النوم وما أعانيه من تعب، ويبقى كما قلت وأكرر كل ذلك بإرادة من الله، وإلا كيف يمكن لعبد ضعيف أن يبقى بدون نوم لمدة 22 ساعة متتالية، هذا الأمر يحيّرني كثيرا، ولكني أرد ذلك إلى الله تعالى . وبخصوص الحياة الشخصية للسائق عليوي، قال أن العمل ألقى بظلاله عليها، وهو يسلبني بشكل دائم من حضن أبنائي، وهذه إحدى تبعات العمل على المسافات الطويلة، مما يبقيني في حالة شوق دائمة للعودة إلى أبنائي الذين هم أصدقائي في نفس الوقت، ولا أرضى لأي منهم أن يعمل بهذه المهنة .
ومع ذلك فهذه المحنة يقول السيد عليوي، ساعدتني من جهة على التنقل عبر مختلف الخطوط وزيارة مختلف ولايات الوطن، حيث عملت على خط وهران، بشار، غرداية، حاسي مسعود وغيرها من النقاط وتوقفت عند 48 ولاية وبقيت بعض الدوائر إذا أطال الله عمري سأزورها، وحاليا أعمل على الخط الرابط فالمة بولاية الأغواط التي تبعد عن فالمة بـ700 كلم، وهنا يمكن أن أقول أنني أقضي ساعات الراحة والنوم بين رحلة وأخرى في الحافلة، وأطلب فقط من أعوان الأمن والدرك وبصوت عال أن يولوا عناية للسائقين الحاصلين على رخص السياقة حديثا، لأنهم هم من يتسببون في الحوادث الأليمة، كما ننتظر تنظيم العمل عموما.


شاهد من أهلها
ممثل نقابة الناقلين الخواص إبراهيم عفيفي لـ الخبر
لا يمكننا تحقيق مطالب السائقين في الوقت الحالي

يرى ممثل نقابة الناقلين الخواص بفالمة، السيد عفيفي إبراهيم، استحالة تحقيق مطالب قطاع النقل عموما في هذا الوقت، ومن بينها السائقين العاملين على المسافات الطويلة والذين رفعنا انشغالهم إليه، ورد السبب في ذلك إلى غياب جهات تتحاور معها النقابة، وتطرح عليها هذه المشاكل، كما قال أن بعضا من هذه الإنشغالات لم تطرح من قبل السائقين أنفسهم وللمرة الأولى يسمع عنها.
ماذا فعلت النقابة لتحسين وضعية عمل السائقين العاملين على المسافات الطويلة من حيث توفير سبل الراحة وأماكن للنوم بدل الحافلات؟
 في الوقت الحالي على الأقل لا يمكن توفير هذا المطلب، وذلك لعدة عوامل، منها أن بعض المتعاملين هم من يوفرون ذلك للسائقين العاملين معهم عن طريق الاتفاق مع بعض الفنادق، والبعض الآخر لا يلتزم بذلك، وهذا أيضا مرتبط بغياب الجدية في العمل من حيث التذكرة المنخفضة السعر، والتي لا تلزم المتعامل بضمان سبل الراحة الكافية، ويجعله عاجزا أيضا عن توفير سائق آخر بالحافلة الواحدة ليقوم بدور المناوب، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على السائق الأصلي للحافلة الذي يجبر على قطع مسافة لمدة يوم كامل أو لأيام متتالية، رغم ما يشكله ذلك من خطر على سلامته وباقي الركاب.
وما هي الأسباب التي تحول دون تحقيق مثل هذه المطالب؟
 أريد أن أشير إلى أن هذه الوضعية ليست حكرا على الحافلات وحدها، بل تتكرر لدى سائقي شاحنات البضائع والذين يجبرون على المبيت على حافة الطرقات، ويبقى الوضع قائما، والسبب في صعوبة تحقيق المطالب أن العمل لدى الخواص يفرض على السائقين القبول بشروطهم، كما أن وضعية قطاع النقل عموما يعاني الكثير، ولم تستطع النقابة تحقيق أبسط المطالب، كل ذلك بسبب غياب جهات نتحاور معها، رغم أن لدينا الكثير من الحلول باعتبارنا أهل المهنة وأدرى بها، ننتظر فقط أن يسمعوننا، وهنا سنطرح مختلف المشاكل خاصة المتعلقة بالسائقين الذين يفتقدون لنظام داخلي ويلتزمون فقط بما ورد في دفتر الشروط، والذي يتسم بالتشدد في فرض عقوبات فقط.


السائقون عرضة لعدة أمراض
 كشفت بحوث طبية أن هناك نسبة كبيرة ممن يصابون بآلام الظهر وهم من سائقي الشاحنات فهم أكثـر الناس عرضة لآلام الظهر المزمنة الناتجة عن الإجهاد، لأنه يجلس مشدودا في مقعد القيادة لساعات طويلة، وبسبب انتباهه الشديد إلى الطريق، فهو قد لا ينتبه لوضع ظهره الخاطئ أثناء الجلوس، ولأن قيادة الشاحنة في حد ذاتها عمل يجهد. فطبيعي أن تنشأ آلام الظهر عند إضافة وضع الجلوس الخاطئ إلى الإجهاد وهناك الكثير ممن تركوا هذه المهنة لأنها أتعبتهم فهي مهنة متعبة وشاقة ولا يحس بها إلا من تذوّق مرارتها. 




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)