لا أفهم لماذا كلما تعلق الأمر بزيارة رئيس فرنسي إلا وصعد الزئبق درجات في مقياس الحرارة السياسي، في الضفتين، مع أن زيارة هولاند هذه المرة تندرج ضمن جولة قادته إلى العديد من البلدان وسيزور الجارين، المغرب وتونس؟!مثلما كان الأمر أيام جاك شيراك، عندما كانت البلاد تتقلب سافلها على عاليها، وتتوقف حركة المرور، ولا تلوك حركة الألسن إلا اسم الرئيس الفرنسي، ويعود التاريخ ينزل رذاذا مؤلما من ذاكرة لم تندمل.شتان بين الخطاب الرسمي الذي يذكرنا في كل مرة بالصداقة المتميزة، والمصالح المشتركة بين بلدينا، و”الحب” الموجع الذي لا يشفى أو ربما الكراهية التي ركبت فينا عقدة نقص معقدة جدا، عقدة ستوكهولم التي تعشق فيها الضحية جلادها.تصريح عبد المالك سلال لصحيفة لوفيغارو اليمينية، في عدد أمس، يذكرني بنكتة كانت تتداول في تونس زمن حكم بن علي وفي حياة الرئيس بورقيبة، تقول إنه عندما زار بن علي وزوجته الرئيس بورقيبة وهو على فراش المرض، وكان وقتها التلفزيون التونسي يردد كل يوم في نشراته الإخبارية، “بن علي صانع التقدم، صانع الانفتاح، صانع.. صانع..”، فقال له بورقيبة بدهائه المعهود “مازالك صانع مش راح تولي معلم توة؟”.نعم، منذ الاستقلال، ومنذ بداية تبادل الزيارات الرسمية وزيارات الدولة بين بلدينا، ما زال كل يوم الحديث متوقفا على نبرة واحدة، أن البلدين يبحثان سبل ترقية العلاقات فيما بينهما، وأن هذه الزيارة تفتح آفاقا مستقبلية وتعطيها بعدا استثنائيا.. وأن.. وأن.. لكن العلاقة لا ترقى إلى شيء آخر، غير ضمان المصالح الفرنسية في بلادنا وإبعاد كل منافس لها في الاستحواذ على المشاريع، وفقط يدها التي ما زالت تلعب بمصيرنا وبمستقبل بلادنا.أمس نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية على صدر صفحتها الأولى كلاما موجعا، تحت عنوان “الرمانة الجزائرية أو ربما الأفضل القنبلة الجزائرية”، مرفوقة بجملة “فرانسوا هولاند يذهب إلى الجزائر وسيلتقي رئيسا (بوتفليقة) ضعيفا في الوقت الذي يترنح فيه اقتصاد البلاد القائم على النفط”. ويذهب محلل آخر في مقال داخلي تحت عنوان “الجزائر نظام بدون وجه”، ويضع حصيلة سوداوية للوضع في الجزائر بمناسبة هذه الزيارة الثانية لفرانسوا هولاند منذ اعتلائه الحكم في ماي 2012. ويقول المحلل الذي هو أستاذ للتاريخ المعاصر، إن “الجزائر لم تعد البلد الذي يحكمه شخص طبيعي قادر على الحديث والتسيير والسفر، وإن النظام أصبح صورة كاريكاتورية لنفسه”.لكن ما نسيته ليبراسيون أو تناسته أن “الرمانة الجزائرية” مذاقها حلو في أفواه الفرنسيين الذين لولا فرص الاستثمار التي وفرتها لها الجزائر، وأنقذت اقتصادها المتهالك، لأصبح الفرنسيون في وضع لا يحسدون عليه. لكنه يقصد ب”الرمانة الجزائرية” تلك القنبلة الموقوتة التي يريد الكل لها أن تنفجر، فرنسا مثل غيرها من البلدان الناقمة على الجزائر ولا تنتظر إلا الفرصة للانقضاض عليها، وتتمنى لها مصيرا مأساويا مثل ذلك الذي واجهته في تسعينيات القرن الماضي.ما دامت الجزائر هذا البلد الذي ليس له وجه ولا لسان ولا رجلان، لماذا يصر هولاند، بل فرنسا على دعم هذا النظام الذي ليس له وجه لو لم تكن لها في بلادنا مصالح، وتسهر على الإبقاء على الوضع القائم ما دام يحقق لها مصالحها، ويمنحها أفضلية على بقية البلدان؟!مقال ليبراسيون يجمد الدماء في العروق، لكن أتوقع (بعد كتابة هذه السطور) خطابا مغايرا من قبل الرئيس هولاند الذي سيعود يطير من الفرح إلى بلاده وبعد أن يقتطع لنفسه المزيد من المشاريع من الكعكة الجزائرية، مشاريع تصرف فيها الملايير، ولن نرى لها أثرا على أرض الواقع؟!هكذا هي فرنسا، تضربنا على الخد الأيمن وتدخل يدها في جيبنا الأيمن وتأخذ ما طاب لها من خيرات الجزائر.يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي؟!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/06/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حدة حزام
المصدر : www.al-fadjr.com