الجزائر

زحمة المرور تقتل الجزائريين ب"القنطة"



أمراض نفسية وعٌضوية، وتضييع للمصالح والمواعيد واختناق في حافلات الموت المهترئة، بل وحتى جمود في التفكير وانعزالية عن المجتمع.. هي بعض النتائج السلبية للزحمة المرورية، والتي تحوّلت لكابوس أسود في العاصمة وما جاورها من مدن هذه الأيام، لدرجة صار المواطن يغادر منزله صباحا رافعا يديه للسماء، مٌتأملا أن تكون الطريق مفتوحة اليوم...!!طوابير السيّارات المصطفة على مداخل العاصمة الشرقية والغربية ولكيلومترات طويلة، وقبل الحواجز الأمنية، وحتى على الطرق السريعة، والتي تحولت إلى طرق "بطيئة" لدرجة قد تمضي أكثر من نصف ساعة لتتحرك سيارتك بعض الأمتار فقط... هو مشهد يعيشه الداخلون والخارجون من العاصمة، بل وفي جميع المدن الكبرى، والظاهرة صارت مقلقة فعلا، ولم تنفع معها جميع الحلول، كما أن لها تأثيرات سلبية جدا على صحة الشخص النفسية والعقلية والعضوية.

الزحام المروري يسبب مشاكل أسرية بسبب التوتر النفسي
وفي هذا الصّدد، يؤكد البروفيسور في علم النفس، أحمد قوراية، أن الزحمة المرورية لها عواقب نفسية وخيمة، تتطور مع تكرار الظاهرة لتتحول إلى أمراض عضوية خطيرة، وحسب تعبيره "أول ما يظهر عند مكوث الشخص لأكثر من ساعة بزحام مروري، وهو قابلية هذا الشخص للإصابة بمرض السكري"، كما يتحول القلق العادي مع تكرار الموقف، إلى قلق مرضي يفتح الباب مباشرة على مرض عضوي يعاني منه كثير من الجزائريين، وهو القولون العصبي.
مضيفا "وكما أن الشخص الذي يقضي أكثر من 7 أشهر في الزحمة، قد يستدعي جسده مرضا عضويا آخر وهو الضغط الدموي، والذي بات منتشرا في مجتمعنا".
وفي تفسير للحالة النفسية للموظفين ومن الجنسين، والذين يغرقون في الزحام المروري وبالخصوص من يستقل وسائل النقل الجماعي، فيبقى واقفا لأكثر من ساعة داخل الحافلة أو جالسا بمقعد غير مريح، فهؤلاء، حسب قوراية، يتميزون بعدم الرضا على أعمالهم، وبنرجسية وعصبية زائدة بسبب التعب النفسي، وبعلاقات متوترة مع زملائهم في العمل، وهو ما يؤثره منتوجه، وغالبا علاقاتهم متوترة مع أسرتهم عند عودتهم إلى المنزل، أما الطالب أو المتمدرس فتنخفض درجة استيعابه للدروس، ويتأثر تفكيره.
وما نلاحظه، يضيف محدثنا "وجود فروقات ظاهرة بن المرأة العاملة التي تمضي الكثير من وقتها في وسيلة النقل ونظيرتها الماكثة بالمنزل، بخصوص الراحة النفسية، فالأولى دائما عصبية ومتوترة وانطوائية، يصعب عليها حل مشاكلها العائلية، والثانية مرتاحة وايجابية مع أسرتها".
وأعطى لنا البروفيسور في علم النفس، المميزات النفسية لموظف يحضر لعمله صباحا مستقلا "الميترو" أو يمر عبر طريق مفتوحة، فيصل في ظرف 20 دقيقة، "فهو يتميز بالهدوء والرضا عن النفس، والإبداع في العمل، ولديه طموحات في عمله، ويعيشٌ السعادة النفسية الإيجابية".

تلوّث الهواء يتضاعف ب29 ضعفا في الطرق المزدحمة
وبدوره، دقّ رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث (فورام)، الدّكتور مصطفى خياطي، ناقوس الخطر، من مقدار التلوث الذي يتعرّض له الشخص العالق في الازدحام المروري ولمرّات متكرِّرة، وحسبه "احتمال اصابته بالرّبو كبير جدّا، لوجوده في بيئة مغلقة مليئة بالدخان ومازوت السيارات المحروق، ف50 بالمائة من مقدار التلوث سببه مخلفات السيارات".
زيادة على أمراض الضغط الدموي والسكري بسبب النرفزة، ف1/3 من الكهول في الجزائر مصابون بالضغط، ولدينا 3 ملايين مصاب بالسكري، والتهاب المسالك البولية والبروستات والكلى، بسبب "حبس" البول، لغياب مراحيض عمومية وفضاءات للراحة على جانب الطرق السريعة والثانوية.
وحسب آخر الإحصائيات العالمية، فالتلوث الصادر من السيارات مرتبط بالوفاة المبكرة، كما أن 25% من الأضرار التي تحدث بسبب التعرض لتلوث الهواء، تحدث خلال التوقف المروري، فيما لا يشكل الأمر سوى نسبة 2% في حال كانت الطريق مفتوحة، وكما أن مستوى تلوث الهواء يتضاعف بمعدل 29 ضعفا في الازدحام المروري مقارنة بطريق خالية من السيارات. فيما اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن تلوث الهواء يعد عاملا مسببا للسرطان مثل التدخين.
والحل حسب خياطي، هو في تشييد فضاءات للراحة على جوانب الطرق، "لأنّ الزحمة المرورية في المدن، لا حل مستقبلي لها حسب المعطيات الملموسة".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)