الجزائر

زَوَايا الضَلال "المَجنون العظيم "



زَوَايا الضَلال
بقلم: أحمد عبد العظيم طه/ مصر
( 1 )
تَتَكاثفُ مادةَ النَفْس
وكأنها تَجْتَمعُ علىَ نِداءٍ كالذئابِ ..
ثم تَمورُ مُتَهيجةً,ثم تَفورُ مُتَشَوِهَةً في ثَورتِها
مُتحللةً كغبارٍ ودُخانٍ وشَوائب عِدة
وأشياءً تَخنق المُتنفِس بالداخلِ فيَتَحَمَّل
ويَسْعَل ويَبصق حتىَ لا يَتَحَمَّل.
فيفِرُ إلىَ أعلىَ ويَتَطوحُ مَعْمِيًا فيُؤذي نفسه ُ
ويُؤذي عقله الذي يَتطوح فيه..
وتَنْسَحِقُ مَظاهرٌ بَيّنات
وتَتَخِذُ أَغْوارٌ نائِيات قد سَاحَتْ فواصِلُها
حتىَ إذا ما هَدَأ الهارب وارتَمىَ يَستريح
فإنه يَتَنَبْه ُإلىَ حولِهِ
وما دَخَلَ عليه مُطاردًا ومُضطرًا
فأعجَبَه ُالمُلكُ والجَبَروتُ فاستولَىَ
وخَرَجَتْ جِبِلَتَه ُواسْتَشْرَتْ واسْتَحْكَمَتْ بالكُلِ
مِثلَ الذي ظَلَّ مَكْهُوفًا ثلاثينَ سَنَةً
ثم أُطْلِقَ في المَدينةِ
هكذا يبدأُ ولا يَنتهي .. حتىَ وإنْ خَمَدَ
وهكذا تَسْنَحُ بَشائِرُهُ .. فَتَهِلُّ كالأقمارِ
هذا للموعودينَ فقط
وليس للحَسَّابينَ مِن نَصيب.
( 2 )
الحياةُ ليستْ عادلة إلىَ حدٍ كبير
والشِعرُ ليس حلاً
كما أن الحِكْمَةَ لا تَنفَعُ إلا الحُكَمَاءَ بطبعِهِمْ
وقد تَفسدُ مِنْ صاحِبِها الذي أَحْكَمَها
والناسُ كبقيةِ الأحْيَاءِ تَحيا كما اتفقَ
وتَعْمَلُ أقدارها بأعضائِها
والمكانُ ما حَولَكَ
والزمانُ ما تَؤولُ إليهِ
فتَيَقَّظَ ولا تَغْلُو في الفِكْرِ كالحَربَةِ
أو يَشْغَلُكَ تَرتيب المُبَعْثَر عن البَعْثَرةِ ذاتِها
وإياكَ وتَصَوُرُ الفراغ مُمْتَلِئًا أو ضِد ذلكَ
أو يَتلبسانكَ في حياتكَ فتَخرجَ منها
وتَشْهَدهَا شهادة مَنْ ليس فيها
وتُصَارِعُها لتَدْخُلَها
" كما يُصارع الرَجُلُ المجنون ظِله "
ولكنكَ لا تَعُودُ بها مَرَةً أخرىَ
لأنكَ لستَ منها مُنذُ البداية
وإلا ما لَفظَتْكَ أو أعطَتْكَ الفرصة لتَلْفظَ نَفْسَكَ
فخَرَجْتَ وكنتَ أنتَ الذي يَصِيرُ ليسَ ضالاً
وليسَ مُهْتَدِيًا
وليسَ حيًا
وليسَ مَيِّتًا
وليسَ إلهًا
إنما هو ما هو.
( 3 )
الدورانُ فِعْلُ الأفلاك السَيّارة
وسِرُ الوصول إلىَ الحقِ
وغَلْقِ الأسئلة المُتداعية علىَ بعضِها
بالقِفْلِ الكَبير,حينَ العَودة إلىَ مَبدأ الدوران
" النقطةُ الأُولىَ "
فما الحَلُ وما القانونُ المُسْتَعْمَلُ
إذا كان الدائِرُ يَدَوُرُ بِلا مَبدأٍ أمامه أو ورائه
ذلكَ أنه دَوّارٌ بنَفْسِهِ ولها
فهو الدائرةُ خالصةً إجمالاً وإكمالاً
وإنه السقيمُ المَلولُ غير المُتَعاوِن بالمرة
ذلكَ الإمَعَةُ الكلبُ الضال.
( 4 )
هناكَ قَنَاعَتان تَعملان في القانع بنَفْسِهِ
ولا يَدري هو نَفْسه ُكَيفَ هو واحد ٌوهو اثنان مُختلِفان
ثم إنهما مُتحِدان إلىَ حدِ أنْ يُشَكِّلانَه ُ" هو ذاته "
وأنهما بدونِهِ كما هو بدونِهِما ..
والأمرُ مُحيرٌ جدًا كالأُمورِ الأخرىَ تمامًا
ولكنه قد يَكونُ كما يكون
ولا مُفسرَ له غيره
فهو موجود ٌوقائمٌ في الحقيقةِ
وإنه مَحسوسٌ ومَلموسٌ ولمْ يَمُتْ ويفنىَ بعد ..
فلِمَ لا يَكون هذا هو كذلكَ بالضبطِ
وما حَولُه ُكَمثلِهِ أيضًا
وقد يَكون الأمر ليس كما يَبدو
ولكنه محجوبٌ لغرضٍ محجوب
ولا يَرىَ الحاجبُ بالمُحتَجَبِ عنه كُفؤًا
" لِمَا أغمَضَ وأخفَىَ "
فتعالىَ الذي يَتَصَرفُ مُنذُ البدايةِ
ولقد تَكونُ اللغة المُستَعمَلَةُ علىَ المكتوبِ تُراثية
إنما المَعنىَ هو ما يُسْتَعْنَىَ بهِ في الشيءِ
وإنه طازجٌ كبشرةِ الفَتَاة البيضاءِ
وهائجٌ كَدَمِ المرأة السمراء
ولقد حشرناه بالألبابِ حَشْر القُضبان بالفِروجِ
" لأن له لذةً فوقَ معناه "
فإذا تَكرَمْتَ فلا تأخُذكَ الأفكار بالعدوانِ أو اللهو
إنما نحن نتحدث عن المَعْنَىَ
أو أنه النفاق بعينِهِ
أو الضَلال بوجهِهِ كاملاً.
( 5 )
يَرىَ السامعونَ أننا نَتكئ علىَ الضَلال
حتىَ كِدنا نَفقئه ُوتَنِزُ سوائله ُالمُقْرِفَةُ كخُرَّاجٍ بالفَم
" وبالفمِ تحديدًا "
فنَحنُ نَسمَعُ بأفواهِنا
التي لا سُلطان عليها سوىَ أفكارنا
" التي مأواها عقولنا! "
وما دامتْ العقول ضالةً فالأفكار أشد ضلالة منها
" إذ أنها تَسْرَحُ "
كما أنَ الأفواهَ خَرَارِيج رجيمة مُعَبْأةً لازالتْ
" أو مُقْرِفَةً تَنِزُ "
فمَهْلاً مَهْلاً ..
وتَرَيَّثَ ..
وكُنْ علىَ قَدْرِ السوائل الرَطِبَة
" والقيح اللزج "
وتَحَسْسَ ضربات قلبكَ
الضاربة كالسوطِ تحت صدركَ
ذلكَ أنَ القلوبَ مَواقع اليابسة
" ومَصَبُ الأفواه والقنوات "
وإنها ليتها ما كانتْ مِثلُ ما هي عليه
أو ليتنا عَدِمْناها البَتَة
فما كانَ هناكَ مِنْ ندمٍ أو ألمٍ
وما كانَ هذا الشعورُ المُمِيت بالذَنْبِ والمُراقبةِ
" والضلال "
( 6 )
تَتَناومُ الأحقاد في الصدورِ
ولكنها تَظَلُ كما هي,كجسمٍ مُتآكلٍ ولكنه موجود.
وإنها تَعملُ عَمَلَ الغِل والحَسَد والبَطَر
وكل مَعْنَىَ قد اسْتَقَلَ عنها فهو بالأصلِ منها
وكُنْ مُتأكدًا مِنْ هذا
حتىَ تَعتقدَ فيما سَيَتْبَعُ مِنَ الحِقدِ الذي في الناسِ بالقلبِ
وفي الحيوان بالعينِ,وفي النباتِ بالجذورِ
وكل ناقصٍ بمِقدارِ أحقادِهِ يَنقُصُ
ولقد صَدَقَ معَ نَفْسِهِ
الذي َأطلقَ علىَ نَفْسِهِ النار مِنْ فَرطِ ما واجَه َ..
فلا تَجتنبوه فإنه منكم
وإنكمْ الذين أوصلتموه إلىَ الفِعْلِ
بما قَذَفَتْ عليه صدوركمْ مِنْ حِقْدٍ كان يَمْلأ قلوبكمْ
كالدَمِ المُتَجَلِّطِ
يا أيُها النواقصُ,الأنصافُ,والأثلاثُ,والأرباع ُ
وما َأدنىَ مِنْ ذلكَ وما َأعلىَ ..
ولْيُفَكِّرَ المُفكرونَ مُتَقَعْرِينَ
ولْيَهْذىَ النُقَّاد ُمُعْتَسِرِينَ
فإنه الحقُ أصنافٌ وأنواع ٌ
ويَلُوحُ للمرءِ أنه قائِمٌ
فإذا تَرَيّثَ قال : مُتداعٍ
فانتَبِهْ,وادرِكْ,وعِبّ مِنْ ذلكَ الماء
وسَتَرىَ أنَ الأمرَ مُضِلٌ بضراوةٍ ومُتأزمٌ بحدةٍ
وأنه بكل ما يَشمل يدعو إلىَ الصدقِ مع النَفْسِ حتىَ الموت
ولكنكَ أجبن مما يُحيطُ بكَ أيها الحقودُ الضَليل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)