الجزائر

رومانسية الثوار العرب



 يؤكد ما يحدث، هذه الأيام، في ميدان التحرير بالعاصمة المصرية، أن النظام المصري ''السابق'' لم يسقط كليا، رغم وجود رمزه الأكبر، وكثير من خدمه وحاشيته، في السجن ينتظرون المحاكمة. وتؤكد مساومة ''ثوار الزنتان'' للسلطة المركزية ''للثورة'' الممثلة في المجلس الوطني الانتقالي الليبي، حول تسليم سيف الإسلام القذافي، أن ''شوائب كثيرة'' تحيط بـ''الثورة'' الليبية.
المصريون الذين أرغموا ''فرعونهم'' على الهروب إلى شرم الشيخ، وفرضوا على عسكره أن يلتزم معهم بالتغيير، تأكدوا اليوم بعد الذي حدث في ميدان التحرير، أن معارك كثيرة وعلى العديد من الأصعدة والجبهات، مازالوا لم يخوضوها بعد ليتحوّل إنجازهم، ''إرغام الرئيس'' على التنحي، إلى ثورة بكل المقاييس. فالمصريون يحتفلون بثورة 2591، التي هي في واقع الأمر مجرد انقلاب عسكري على الملك فاروق. وهو الانقلاب الذي سلط عليهم حكما عسكريا رمى جذورا عميقة، في كل الاتجاهات، وحتى في أوساط الشعب المصري ذاته، لأنه الذين رمى النار على المعتصمين في ميدان التحرير، ليس المشير طنطاوي ولا كبار الضباط الذين يشكلون معه المجلس العسكري، وإنما ''جنود وشرطة التنفيذ'' الذين يتشكلون من نفس شرائح المجتمع المعتصم للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين. وبينت المجزرة المقترفة في حق المعتصمين، أن النظام المصري لم يتغير فعلا، ويستعمل الذين خلفوا مبارك ''مؤقتا'' نفس أساليبه، ربح الوقت، المناورة، وحتى القتل إن اقتضى الأمر.
والواقع أن الشعوب العربية التي تحتل شوارع مدن بلدانها منذ بداية السنة الجارية، وبالنسبة لمصر منذ اقتراب نهايتها، احتفلت بسرعة بانتصار ما اعتبرته ''ثورة''، مباشرة بعد أن حقق لهم الخروج إلى الشوارع هروب الحكام.
فقد تأكد، بدليل ما يحدث في مصر، اليمن، ليبيا، سوريا وتونس، أنه لا يمكن أن تقوم ''ثورة'' شعبية وتنتصر وتحقق أهدافها وترسي الديمقراطية وتضمن الحقوق والحريات في شهرين أو ثلاثة أو في ظرف ''ثلاثة خطابات رئاسية'' وحتى عشرة أشهر أو سنة. ولا يحتاج هذا إلى برهان غير ما حدث لثورة الجزائريين التي استغرقت سبع سنوات ونصف السنة ودفعت مليون ونصف المليون شهيد، ويقول المجاهدون النزهاء، الذين لم يتاجروا بدماء رفاقهم الشهداء، أنها انحرفت بعد الاستقلال.
والسبب هو أن الأنظمة العربية، كما الاستعمار في بعض الأوجه، فبقدر ما كانت منبوذة من طرف الغالبية الساحقة لشعوبها، فإنها ''صنعت'' خدمها وغرستهم في كل موقع ومكان، وهم الخدم الذين ورثتهم ''الثورات'' المنتصرة، والذين لا يمكن أن يغيّروا جلدتهم، ويتحولوا في ثلاثة أشهر أو سنة إلى ''شجعان'' يرفضون تنفيذ أوامر مثل تلك التي كانوا يتلقونها في السابق، مثلما حدث في ميدان التحرير بالنسبة للمصريين.
ولا شك أن رئيس مجلس الثورة السوري الأستاذ الجامعي الكبير برهان غليون، يعي الواقع الذي يتعامل معه في بلده سوريا، هو واقع آخر، ليس ''رومانسيا'' وغير الذي كان يلقنه لطلبته في جامعة السوربون، حول آليات التغيير السياسي وطبيعة الأنظمة العربية، التي تجيد التسلط كما تتقن ''الثورة المضادة''.


lahcenebr@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)