تعتبر الأودية النائمة عبر المدن من بين المخاطر التي تحدق بالساكنة الذين جاوروا هذه الوديان وشيدوا مساكنا ومدنا واستقروا بها، ورغم أن مسببات الفيضانات تعد طبيعية في الأصل، إلا أن للإنسان أيضا مسؤولية بيئية، حيث يتطلب العيش على مقربة من الأودية النائمة حذرا ويقظة ووعيا بيئيا ملازما ومستمرا.على غرار الكثير من الأودية عبر تراب الوطن، يعتبر وادي ميزاب من بين أبرزها في منطقة الجنوب الشرقي وهو عبارة عن وادي، تتجمع فيه عدة أودية شديدة الانحدار نحو وادي ميزاب وجميعها محاطة بقصور تاريخية عبر هذا المجرى الذي يصل طوله إلى مسافة تقارب 320 كلم، وتبلغ مساحة حوضه حوالي 1500 كم2 وتصبّ به عدة أودية وهي واد لعديرة وواد لبيض وواد التوزوز وهي أودية رئيسية، بالإضافة إلى أودية ثانوية تتمثل في واد أخلخل واد بالغنم واد أنتيسة وواد أزويل وواد لايت مزا وواد مليلي.
ومن بين الأودية أيضا، وادي النسا ووادي زقرير في نواحي بلدية القرارة وهما وادان ينبعان على بعد 270 كم من شمال مدينة القرارة، حيث تصبّ مساحة حوض وادي النسا إلى حدود 7800 كم2 ووادي بالوح الذي أصل منبعه من الناحية الجنوبية لحاسي الرمل من على ارتفاع يصل إلى 700م عن مستوى سطح البحر يسقي بساتين مدينة بريان ولا يتجاوز طول مجراه 20 كم، وفقا لما ذكره الباحث كمال رمضان ومدير ديوان حماية وادي ميزاب وترقيته.
وعن تاريخ وادي ميزاب أشار الباحث كمال رمضان أن اختيار أجدادنا بوادي ميزاب منذ أزيد من 10 قرون البناء في المرتفعات الجبلية لم يكن اعتباطا، بل لغرض الابتعاد عن خطر مجاري الأودية أولا، قبل أن يكون ذلك من أجل المحافظة على الأراضي الزراعية ولغرض الدفاع عن النفس أو من أجل المحافظة على الصحة.
وأوضح أن هذه العلاقة تعود إلى يوم وفود أهالي وادي مزاب الأوائل على المنطقة بغرض الاستقرار وبناء قصر تاجنينت العطف في أوائل القرن الخامس الهجري قبل سنة 402 هجري -1012 ميلادي، حيث جاوروا الوادي واستأنسوا به واتخذوه مصدرا لرزقهم الفلاحة، ثم توطدت هذه العلاقة عند إنشاء المدن الأخرى.
وهنا ذكر المتحدث أنه وبالإضافة إلى العديد من الأسباب الطبيعية المذكورة والتي تتسب في حدوث الفيضانات، تشكل الأسباب الإنسانية عنصرا بالغ الأهمية، مشيرا إلى أن أجدادنا رددوا عبارة الخوف من الواد الساكت (النائم) وأوصوا بها أبنائهم وأحفادهم، وكان ذلك نتاج خبرة طويلة بالحياة، لكن لما أمنا شر هذا الوادي الساكت لسنوات طوال، صدق فينا قول الشيخ حمو والحاج "والدنيا دروس وعبر فطوبى لمن أخذ حذره واعتبر"، حيث شكلت التوسعات العمرانية والأخطاء التي حدثت في سياق مشاريع التوسع العمراني والتهيئة، أحد العوامل التي تسببت في حدوث نكبة فيضان 2008 مثلا، لأنها لم تخطط لمستقبل وادي ميزاب في حال حدوث فيضانات، لذلك كان من الضروري أخذ العبرة من الأخطاء التي حدثت في السابق.
وتطرّق الباحث كمال رمضان في سياق حديثه إلى التسلسلي الزمني لأشهر الفيضانات في وادي ميزاب وآخرها فيضان واد المساح عيد الفطر 1 أكتوبر 2008، الذي يعد من أخطر الفيضانات التي حدثت مع بداية القرن ال21، حيث أدى إلى وفاة أزيد من 43 شخصا وانهيار أزيد من 2370 مسكن بالكامل وتضرر ما يقارب من 29229 مسكن وتشريد 5000 ساكن.
وألحق هذا الفيضان أضرارا معتبرة جدا في مرافق الري التقليدية التاريخية ومن أهمها انهيار جزء من السد الكبير بواحة العطف، الذي يعدّ أقدم سد بوادي مزاب وانهيار مرافق الري التقليدية في كل من أملاقة وبوشمجان بواحة غرداية وانهيار المئات من الآبار التقليدية.
كما خلّف خسائر فادحة جدا في القطاع الفلاحي، حيث أتلف ما يقارب من 600 هكتار وتسبب في إتلاف 19 ألف نخلة وأزيد من 60 ألف شجرة وردم ما يقارب من 1100 متر وفقدان ما يقارب من 15 ألف رأس ماشية جرفتها السيول.
من جانبها لجأت الدولة لبعض الحلول والمشاريع، أبرزها إنشاء السدود وتوسيع مجرى الوادي وتدعيم حوافه، من أجل تقليل مجال سيلان المياه وتوسعة مجرى وادي ميزاب، إلا أن التوعية بضرورة حماية وادي ميزاب تبقى مهمة، خاصة أن مجرى الوادي يعد محاطا بالساكنة الذين من واجبهم المشاركة في مخطط حمايته من مختلف المظاهر السلبية، ومنها تحويل مجرى الوادي إلى مجال لتفريغ مخلفات المشاريع أو مكب لرمي النفايات والتي تعد خطرا كبيرا يجب الالتفات إليه، بالتعاون مع السلطات المعنية حسب اختصاصها، للعمل معا من أجل تفادي أية أضرار قد تنجر عن انسداد مجرى الواد، بسبب تراكم النفايات المنزلية والصلبة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : إيمان كافي
المصدر : www.ech-chaab.net