الجزائر

رغم أن قيادة الأركان أطاحت بهم قوة ''الباءات الثلاثة'' نابعة من موازين القوى في جيش التحرير



ساهمت عدة أحداث في قيادة العقداء الثلاثة بلقاسم كريم، بن طوبال وعبد الحفيظ بوالصوف، للثورة بعد اغتيال العربي بن مهيدي وتصفية عبان وسجن الزعماء التاريخيين الخمسة. وكان مصدر نفوذهم نابع من ميزان القوى على أرض القتال من خلال جيش التحرير الوطني.
يعتبر المؤرخ محمد حربي الذي اشتغل إلى جوار كريم بلقاسم في وزارة التسليح والقوات المسلحة، أن نفوذ كريم بلقاسم ولخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بوصوف يترجم واقعا سوسيولوجيا مفاده: إن الولاءات الجهوية الضيقة كانت السائدة في الخمسينيات على حساب الانتماء الوطني . وهو ما يفسر قوة الباءات الثلاثة بتحكّمهم في الولايات الداخلية عن طريق قيادات موالية، عكس السياسيين كفرحات عباس وفرانسيس وعبان وبن خدة ودحلب الذين كانوا يفتقدون لولاء ولاية أو جهة، بل ينتمون لقطب وطني. لكن محمد حربي من خلال تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية بعد وفاة بن طوبال هوّن من الانتقادات والنظرة السلبية للفاعلين في الثورة قائلا: لا يجب أن ننسى بأن استقلال الجزائر تحقق بفضل هؤلاء المناضلين .
وفي محاولة لتجاوز منطق الولايات أسّس العقداء الثلاثة اللجنة العملياتية العسكرية المقسمة إلى قيادة أركان غرب برئاسة هواري بومدين وشرق تحت إشراف محمدي سعيد المحسوب على كريم.         
وفي أعقاب اجتماع العقداء العشر الذي جرى من 11 أوت لغاية 16 ديسمبر 1959 للاتفاق على تركيبة المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ظهرت موازين قوى جديدة كقيادة الأركان العامة، بداية نهاية سيطرة الباءات الثلاثة على مقاليد الثورة ابتداء من اجتماع لجنة التنسيق والتنفيذ في القاهرة في أوت 1957 والإنقلاب على مبادئ مؤتمر الصومام. وكان لقاء القاهرة الذي خيّم عليه طيف بن بلة والمخابرات المصرية، شاهد على تنامي نفوذ الباءات الثلاثة في الاختيارات الاستراتيجية للثورة، خاصة بعد أن أصبحت مسألة تمثيل الجبهة للشعب الجزائري محسومة، بالإضافة إلى قبر كل محاولة لظهور قوة ثالثة وتكريس فكرة الاستقلال.
شكلت عودة الجنرال ديغول إلى الحكم وقيام جمهورية خامسة تحديا كبيرا لقيادة الثورة وخاصة بوجود عدة تيارات كفرحات عباس وفرانسيس تعتقد باستحالة حل عسكري وضرورة التفاوض، وكان رد فعل العقداء كتيار ثاني والرافضين لهذا الخيار تصفية السيناتور شريف بن حبيلس في أوت 1959 بفرنسا على خلفية لقائه بفرحات في سويسرا. أما بن خدة فكان مقتنعا بعدم الفصل بين الخيارين السياسي والعسكري وضرورة تدعيم جبهة القتال في الداخل كسبيل وحيد لتحقيق الاستقلال.
في سياق آخر، يرى حربي أن حصيلة تولي كريم لوزارة القوات المسلحة لم تكن سلبية على طول الخط بل تخللتها عدة إنجازات، وبتدعيم من لخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بوصوف استطاع إجهاض عدة حركات عصيان مسلحة محلية وجهوية، كحركة لعربي طالب بواد السوف1957،عمارة بوقلاز و عواشرية في القاعدة الشرقية 1958، عموري ونواورة الأوراس 1958، صالح بن علي سماعيلي النمامشة .1959 لكن اعتماد كريم آخر مفجري الثورة الستة على الضباط الهاربين من الجيش الفرنسي لعصرنة الجيش على حساب قدماء الثورة كان من بين أسباب تخليه عن قيادة القوات المسلحة بعد الانتقادات التي طالته من طرف بن طوبال وبوصوف وتنامي دور قيادة الأركان برئاسة هواري بومدين.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)