هل حقا رحل عنا الرئيس الأول للجزائر المستقلة.. الرئيس أحمد بن بلة؟! وهل حقا أصبح جيل نوفمبر على أبواب الانقراض؟! ولم يعد وجود رجالات هذا الجيل بيننا إلا ذكرى؟! وماذا ورثنا نحن جيل الاستقلال من مجاورتنا لأعظم جيل في تاريخ الجزائر الحديثة؟!
ذاكرتي الصغيرة سجلت لأحمد بن بلة في نهاية الخمسينيات الأغنية الثورية التي كنا نغنيها في المحتشد تحديا للاصاص والڤومية ونحن أطفال: "زعيمنا بن بلة هو اللي يخطب.. يكتبوا بسطانبا لعلمات ذهب"!
في 1963 سجلت ذاكرتي المراهقة لبن بلة أنه قام بإحصاء كل الشهداء والمجاهدين وقدم لهم مساعدات أولية سميت بمساعدات عائلات الشهداء.. وكانت والدتي رحمها اللّه ووالدي بين من أعطاهم بن بلة مبالغ مالية عن أخي إسماعيل الشهيد!
اشترت لي أمي من مساعدات بن بلة دراجة ميكانيكية مكنتني من الانتقال إلى المدرسة التي تبعد عنا بـ10 كلم فيما رفض والدي أخذ حوالته من البريد لأن فتوى صدرت آنذاك تحرم أخذ الأموال عن الشهيد.. وتعتبره بيعا لدم الشهداء.. ورفض الوالد رحمه اللّه بيع دم ابنه الشهيد!
وسجلت ذاكرتي المراهقة أيضا لأحمد بن بلة إنشاءه في 1963 لصندوق التضامن.. وأذكر أن والدتي رحمها اللّه التي كانت تحب بن بلة تبرعت لصندوق التضامن بمنقوشتين ذهب ورثتهما عن جدتي بغدوشة رحمها اللّه!
كانت شعبية بن بلة عندنا لا تضاهى.. وعندما أطاح به بومدين في 19 جوان 1965 ساد حزن عميق في أوساط الشعب.. وأتذكر أن والدتي رحمها اللّه قالت: بن بلة يحب الجزائر كثيرا.. وحزن عليها بكرشو في السجن.. ولماذا عزله بومشرة هذا؟!
وكبرت وصرت شابا جامعيا وقرأت سيرة بن بلة في الحركة الوطنية والثورة وأكبرت في الرجل وطنيته.. فبن بلة الشاب الذي عمره 25 سنة يقوم بالسطو على بريد وهران ويأخذ مبالغ هامة وعوض أن يراقص بها حسناوات الكولون في وهران ويشربها "باو" كما يفعل شباب اليوم قام بتمويل الثورة بما سرقه من البريد!
خرج بن بلة من السجن في 1982، وأسكنوه في منزل في بولوغين وصادف أن يكون المنزل مقابل العمارة التي أسكنها.. فكنا نراه من الشرفة يتجول في حديقة المنزل.
قابلته رحمه اللّه ذات يوم في نزل السفير في إطار مهنتي كصحفي.. وقلت له: أنا أحب بومدين وأهاجم كل من يهاجمه إلا أنت لأن بومدين سجنك ولم يسمح لك بالكلام وهو حي.. ولهذا من حقك وحدك أن تنتقده وهو ميت.. فضحك رحمه اللّه وقال لي: لا خلاف لي مع بومدين فقد أسندت ظهري له وجعلته مساعدي الأساسي.. ولكنهم فعلوا به ما فعلوا ضدي "وكيلهم مولاهم"! وسجل له الجزائريون شهامته العالية فلم يذكر بومدين بسوء أبدا وهو الذي سجنه 13 سنة كاملة!
ولهذا استحق أن تكون له جنازة مثل جنازة بومدين وبوضياف ويرقد بجانبهما في العالية.
قلت له ذات يوم في بيته على مائدة الغداء: لماذا لا تكتب مذكراتك؟ فقال لي بحضور زميل ما يزال حيا (أوت 1992).. كتبت بعض الأشياء وأفضل عدم نشرها إلا بعد وفاتي لأنها تحتوي على شهادات قد لا تعجب الناس لكنها حقائق أنا سأسأل عنها أمام اللّه!
قال لي عنه المرحوم علي منجلي: بن بلة رجل الكيمياء السياسية!
رحمه اللّه وأسكنه فسيح جناته.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/04/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : بقلم: سعد بوعقبة
المصدر : الفجر 2012/04/13