الجزائر

رحلة العمر




من المدينة المنورة الى مكة المكرمة

في اليوم التاسع عشر من رمضان بعد الظهيرة غادرنا المدينة على متن الحافلة متجهين نحو مكة المكرمة فقصدنا الميقات حيث تطهرنا و تطيبنا و نوينا سنة العمرة و صلينا ركعتين بمسجد ذو الحليفة و المكان يعرف ابيار علي المسجد فسيح يشهد حركة دؤوبة لكثرة الوافدين من المعتمرين ثم تابعنا مسيرنا جنوبا عبر الطريق السيار الممتد بين سلاسل جبلية و نحن بلبي الى أن أدركنا وقت المغرب و قد قطعنا نصف المسافة أخذنا استراحة قصيرة تناولنا فيها بعض المأكولات الخفيفة و واصلنا الرحلة و التلبية و رحت أصرح في شكل الجبال الصخرية السوداء و أتمعن و أستحضر تلق المشقة العظيمة التي لاقاها سيد الخلق أثناء هجرته في زمن لم تكن الطرق مسواة و لا الراحلة التي من شانها طي المسافت ، و هو لا يبالي من أجل تبليغ رسالة الله ، حينها لا يسع المرء الا الاجهاش بالبكاء و اكثار الصلاة على نبي الرحمة ، مع دخول وقت صلاة العشاء لا حت لنا في الأفق ساعة مكة الشهيرة فراح الجميع يدعو دعاء الدخول الى البلد الأمين ، قادنا المرشد الى الفندق أين وضعنا أمتعتنا و قصدنا االبيت الحرام فطفنا بالكعبة المشرفة سبعا و سعينا بين الصفا و المروة سبعا بعدما ارتوينا من ماء زمزم و لما كان الوقت المفضل عند المعتمرين نظرا لاشتداد الحر في النهار كان من الصعب جدا الوصول الى الحجر الأسود لتقبيله أو لمسه ،للاشارة هنا أن الداخل الى الحرم لا يمكنه نسيان ذالك الشعور بالرهبانية عند مواجهة الكعبة المشرفة التي زادها الله تعظيما و تشريفا ، ثم خرجنا قصد اتمام آخر منسك في عمرتنا و هو الحلق أو التقصير و الحلق أفضل و به تحللنا ، فالتحق البعض من الرفاق بصلاة التراويح و ا ستراح البعض من كبار السن ،...يتبع...

بعد أداء صلاة التراويح و أخذ استراحة قام بعض الرفاق باحضار ما تيسر من مأكولات السحور و عادة في مثل تلك الأيام تكون الوجبات الخفيفة هي المفضلة لدى مريدي قيام الليل و الشهر الفضيل قد دخل ثلثه الأخير و استعد المعتمرون لصلاة التهجد
في تضرع لله راجين رحمته و مغفرته و العتق من النار ، تنتظم الخلائق في صفوف متراصة استدارت وجهة الكعبة المشرفة في خشوع تام منصتة لما يتلى من الذكر الحكيم يتردد صداه بين مآذن الحرم و قمم أبي قبيس ، هنا تحبس الأنفاس و تسكب العبرات لترتقي النفوس،تتوالى ليالي العشر الأواخر في جو ليس له مثيل يصعب فيه على العابد مغادرة المكان .
أما ليلة القدر و ما أدراك ما ليلة القدر فاقت أنوارها كل توصيف استشعر المؤمنون ملائكة الرحمان تبسط أجنحتها و تغشى ،الناس هذا يوم مشهود ،امتلأت جوانب الحرم عن آخرها و تغطت الساحات المجاورة له بجموع المصلين في مشهد قل نظيره يرسم ملامح يوم الحشر يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .
تستمر تلاوة القرآن الكريم ليكون الختم ليلة التاسع و العشرين و يعقبها دعاء المقرىء الفضيل و الشيخ الامام السديس الذي اصطحبنا في الكثير من ليالي التلاوة بقرائته التي تشد القلوب و قد وهبه الله الصوت الجهور ، ي
بعد أن صلينا صلاة العيد كانت الرغبة الفياضة تدفعني الى زيارة غار حراء مهبط أول الوحي على النبي الكريم صلى الله عليه و سلم وكان صحبتي الرفيق عبدالقادر مزيان حيث استقلنا الحافلة و المكان يبعد عن مكة المكرمة ببضعة كلمترات ، هناك يصعد الزوار جبل النور و هو صخور مترادفة عبر مسلك غير مستقيم كون ارتفاع الجبل يكاد يكون عموديا و لايمكن تسلقه الا من خلال حركات ملتوية تستغرق ما يزيد عن النصف الساعة للوصول الى القمة ، يتطلب الأمر طاقة و مجهودا كبيرين فلو كان المكان غير المكان ما كان بالآمكان الصعود و الوصول لكن الشوق لأثار الحبيب يشحن القاصد الى المكان قوة ، في أعلى نقطة من الجبل انتصبت خيمة صغيرة بها بعض المشروبات يتزود منها الزوار لتعويض ما فقدوه من الماء ،استرجعنا الأنفاس ثم تقدمنا نحو الغار في لباقة سير ذالك ان أية حركة غير محسوبة تلقي بصاحبها في عمق سحيق حيث ان الممر الى الغار لا يتسع لكثرة المحبين المتشوقين و الغار المشكل من صخور كبيرة صماء يقع في آخر رأس الجبل و هو بذلك يطل على مكة المدينة و جميع أحيائها المنتشرة عبر المنخفضات بين الجبال ، داخل الغار الصخرة التي يظهر من خلال هيأتها أنها قد تكون مجلس سيدنا عليه الصلاة و السلام ، لكن ما يجب على المرء أن يستشعره هنا شخصية النبي القوية التي لا يحدها وصف و ما أمده الله سبحانه من العزم و الثبات ، ان اختيار غار حراء له دلالاته التي لا يدرك كنهها الا الله والرسول و من أختار من الصحبة .
فداك بنفسي و أبي و أمي أنت يا رسول الله


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)