الجزائر

رحل عدو الإقصاء والتهميش


شاء القدر أن يرحل عنا سي عبد الحميد مهري، هرم السياسة في الجزائر، إلى مثواه الأخير قبل أن يشاهد الجزائر تحتفل بالذكرى الخمسين لاستقلالها، وهو الذي كان يرغب في أن تستغل الفترة التي تفصلنا عن هذا الموعد لوضع الميكانيزمات الضرورية حتى تكون هذه الذكرى نقطة البداية لعهد جديد من خلال حل سلمي للأزمة التي عصفت بالبلاد والعباد منذ عشريتين كاملتين، ولا تزال آثارها بادية إلى غاية اليوم، كما كان يرغب في أن يتغلب الحوار على القوة في إحداث التغيير المنشود للنظام القائم في البلاد منذ الاستقلال، فكانت آخر رسالة وجهها مطلع العام الماضي للسيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية قائلا ''إنك اليوم على رأس نظام سياسي لست المسؤول الوحيد على وجوده بالشكل الذي هو عليه.. بل إن كل من مارس مسؤولية ما منذ الاستقلال يتحمل جزءا من المسؤولية سواء برأيه أو بعمله أو بسكوته''. الرجل لم يكن يريد التنصل من نصيبه من المسؤولية، عن الانحراف الذي وقع عقب الاستقلال عندما انتهجت الجزائر سياسة الإقصاء بدل إشراك جميع أطياف المجتمع في بناء دولة حديثة ركائزها الديمقراطية والتداول على السلطة، وربما هذا الهاجس هو الذي دفعه في نهاية الثمانينيات إلى محاولة تصحيح الخطأ عندما ترأس أشهر اجتماع للجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، والذي استدعيت إليه كافة الوجوه التاريخية للجبهة، المغضوب عليها، إبان فترات حكم بن بلة وبومدين والشاذلي بن جديد، وقد استطاع عبد الحميد مهري بحنكته السياسية المعهودة   تسيير تناقضات الرؤى والمواقف وكذا الصراعات والتنافر السياسي على مدى ثلاثة أيام، فاستطاع أن يجمع بين بوتفليقة ويحياوي وبين بلعيد عبد السلام ومحساس وغيرهم. عبد الحميد مهري طلق سياسة الإقصاء إلى غير رجعة، وتمسك بهذا المبدأ حتى في عز الأزمة التي مرت بها البلاد، وكان يعتقد جازما بأن الإقصاء يولد دوامة العنف، ولم تأت قناعة الرجل بهذا الوضع من الخيال، بل كان يدرك أن منهج وممارسات النظام القائم ورثها عن الوضع الصعب خلال حرب التحرير، واستمر في العمل بها حتى بعد الاستقلال في تسيير الشأن العام. فهل سيكون رحيل سي عبد الحميد تلك الشرارة التي ستوقظ النظام من سباته العميق أم أن النظام لا يوقظه سوى تسونامي على شاكلة ما يحدث على حدودنا؟      kameldjouzi@yahoo.fr
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)