يمكن قراءة فيلم "رجال وآلهة" الذي سيقدمه المخرج غسافييه بوفوا، في مهرجان كان القادم سياسيا قبل كل شيء، لأن التظاهرة السينمائية الفرنسية الشهيرة كانت دائما لصيقة بخلفيات إيديولوجية، أعطت الفرصة لأكثر من مخرج لتصفية حسابه العقائدي مع سلطة ما أو مع جهة معينة، يمكن أن تمثل فكرة أخلاقية مرفوضة كما فعل المخرج النمساوي هنكة، في رائعته "الشريط الأبيض".. التي نال بها العام الماضي جائزة السعفة الذهبية من منطلق تنديده بالعنف التربوي.
خلفية الفيلم عبّر عنها كاتب السيناريو إيتيان كومار، في حديثه لصحيفة الفيغارو قبل أمس، حينما قال في صيغة كاشفة عن تناقض واضح، إن أهمية الفيلم تكمن في سياق قضية ملتهبة تتمثل في الشهادات الجديدة الطازجة التي تكشف عن احتمال تورط الجيش الجزائري في مقتل رهبان تبحيرين في الـ 26 من عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين، قبل أن يضيف بأن الهدف الأهم من هذه القضية التي تعرف تحقيقا جديدا يتجاوز هذا المستوى، لأن الفيلم لا يركز على ما وصفه بصفة غير بريئة على لغز الطرف الحقيقي الذي يقف وراء العملية الإرهابية، ويسلط الأضواء أساسا على الرسالة التي أراد رهبان تبحيرين إيصالها إلى العالم ببقائهم في جزائر الدم والدمار رغم الأخطار الجسيمة. والتركيز الإعلامي على الإرهاب الذي راح ضحيته الرهبان لم يسمح بقراءة قوة الرسالة التي أرادوا تمريرها - على حد تعبيره - للصحيفة الفرنسية الواسعة الإنتشار والقريبة من اليمين الفرنسي الساركوزي، كما يعرف العام والخاص من متابعي الشأن الفرنسي. الرسالة الحضارية والدينية التي تطبع فيلم "رجال وآلهة"، يوضحها سيناريو الفيلم الذي رسم شخصيات مسيحية كانت تدرك الخطر الذي كان يهددها لكنها بقيت تعيش يوميا على إيقاع الإرهاب، وسط الناس العاديين، تجسيدا لقيم التسامح والسلام والتعايش المنافية للعنف والقتل. وحتى لا تفسر رؤية كاتب السيناريو إيديولوجيا؛ فقط كان لزاما عليه إيجاد تبرير فني يكشف عن وظيفية اختياره مخرجا، قال إنه يتميز بحسه السينمائي الواقعي والحاد وغير الفج، الأمر الذي يسمح بتأويل هوامش الغموض المحيطة به. وبهذه الصيغة التعبيرية يصبح واضحا أن المخرج لم يهمل فرضية تورط الجيش الجزائري في مقتل الرهبان الفرنسيين بذكره كلمة الغموض المحيط بالفاجعة. إنسانية الرسالة الدينية التي يحملها الفيلم أكدها أيضا النجم لومبار ويلسون، أحد أشهر الممثلين الفرنسيين القادرين على تحقيق الهدف الدرامي من رسم شخصية مثل الراهب كريستيان دو شرجي، الذي يلعب دور القائد الروحي الموحد للفريق الديني المسيحي، في ظرف خطير وصعب مفتوح على فرضية الخلافات والانشقاق المحتمل.وحتى تكتمل صورة الوقع الروحي التي يريد بثها وتكريسها المخرج غسافييه بوفوا، في نفوس متفرجين فرنسيين وغربيين ينتمون ثقافيا وإيديولوجيا إلى فضاء حضاري واحد، راهن كاتب السيناريو على عنصر التمثيل المسرحي واختياره الممثل لومبار ويلسون، لتمثيل أهم شخصية لا يخرج عن نطاق مقاربة فنية مدروسة بدقة متناهية من شأنها أن تضمن جائزة أحسن ممثل في دورة مهرجان كان القادمة. والذي يعرف قدرة لومبار الخارج من معطف والده المسرحي الراحل الكبير، لا يمكن إلا تزكية فرضية حصوله على الجائزة المستهدفة. الأب كريستيان دوشرجيه، الذي يعد حجر الزاوية في المقاربة التمثيلية عبر تقمص لومبار، يعد الشخصية الدرامية الأساسية والمحورية الحاملة لخطاب مزدوج ظاهره فني خالص وباطنه سيكولوجي وإيديولوجي. ومن خلال رسم شخصيته بمهارة وإتقان، سيتمكن المخرج بوفوا والسيناريست إيتيان كومار، من تمرير رسالة رجال الكنسية الذين رفضوا مغادرة الأرض الجزائرية وأحبوا أعداءها، لأن دينهم يأمر باحترام الإسلام. والراهب كريستيان الذي حكم جماعته بيد من حديد هو الراهب الذي تسبب في مقتل الحارس البلدي الجزائري الذي أنقذه من الذبح خلال الثورة الجزائرية. وبهذا الأسلوب أراد كاتب السيناريو تكريس مقولة "إرهاب جبهة التحرير الوطني، التي أنجبت الجبهة الإسلامية للإنقاذ".. وبذلك تكتمل توابل المقاربة الفكرية المفخخة على أكثر من صعيد تحت غطاء تسامح ديني مسيحي أسمى بالضرورة من دين أبناء الجزائر. الفيلم لا يتردد في تأكيد حقيقة سقوط رهبان تبحيرين ضحايا إرهاب الإسلاميين وموقف الجيش الغامض، كما سبق أن ذكرنا. باريس: بوعلام رمضاني
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/04/2010
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : ق.ث
المصدر : www.al-fadjr.com