يرفض رجال الشرطة، خلال حالة "التمرّد" على النظام الجارية حاليا، الاعتراف بأي مسؤول في القطاع الذي ينتمون إليه كمحاور ذي مصداقية يرفعون إليه مطالبهم. والسبب أنهم لا يرون في مسؤوليهم، بمن فيهم وزير الداخلية، أهلا للثقة. بل لا يؤتمن جانبهم من احتمال تسليط عقوبات ضدهم قد تصل إلى الفصل.يستحق الاحتجاج غير المسبوق لأفراد الأمن الوطني التوقف عند أسبابه ودلالاته. فالجهر في الشارع بضرورة رحيل العسكري اللواء عبد الغني هامل من قيادة الشرطة، ليس حدثا هيّنا ولا مطلبا عابرا. هو أولا مطلب يحمل مدلولا سياسيا بحتا، لأن هامل عيّنه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وكلّفه بتسيير أحد أهم القطاعات الاستراتيجية، التي يراهن عليها النظام في استتباب الأمن الداخلي عن طريق مراقبة دائمة للمجتمع.فالمطلب إذن تعبير عن رفض سياسة معينة انتهجها هامل في تسيير القطاع بعد رحيل علي تونسي، المغتال من طرف عقيد الجيش المتقاعد شعيّب ولطاش. هو أيضا حالة عاكسة لموقف جماعي لأفراد الأمن، من الطريقة المعتمدة في منح المناصب والمسؤوليات في جهاز الشرطة، وأيضا من طريقة تعامل رؤساء المصالح في هياكل الأمن الحضري، المنتشرة بالآلاف في البلاد. مواطن الخلل موجودة أولا في هذه الهياكل المحلية التي تواجه يوميا المشاكل التي تعاني منها الأحياء الشعبية، التي يعشش فيها الإجرام والسرقة وكل أشكال الاعتداءات. وتتضمن لائحة المطالب أيضا رفضا صريحا لمسؤولين، يعدّون بحكم الممارسة، من أبرز مساعدي المدير العام. يأتي على رأسهم مدير الوحدات الجمهورية للأمن الوطني، وكل القادة الذين يشتغلون معه. وعندما يحدد أفراد الشرطة الغاضبون المسؤولين بوظائفهم ومناصبهم وبدقة، فكأنهم يتهمونهم بأنهم موطن الخلل في الجهاز الأمني الذي يوظف أكثر من 200 ألف عامل. بل يحمّلونهم مسؤولية فصل 6 آلاف عون أمن، على أساس أنهم كانوا ضحايا تعسف إداري، لما يطالبون بإعادة إدماجهم. وهذان المطلبان هما أقوى ما تتضمنه الوثيقة، التي يمكن أن تستغلها المعارضة السياسية في مسعاها لتغيير النظام.وبلغت درجة الوعي السياسي لدى أفراد الأمن بهم، إلى رفع سقف المطالب لتشمل إلغاء نظام أوقات العمل (3 فرق/8 ساعات في ال25 ساعة)، ولم يترددوا في وصفه ب«عقوبة كانت تسلّط على الجنود الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية”! غير أن الرسالة الهامة التي أرادوا إيفادها للمسؤولين أصحاب القرار، إن كان لازال هناك مركز قرار في البلاد، هي المطالبة بحرية التصرف “إزاء الإهانة التي يتعرضون لها من طرف مسؤولين في الدولة ومن رجال أعمال”. ويبيّن هذا المطلب بالتحديد الجهة التي تمارس عليهم الضغط، من وجهة نظرهم.وقد رفض المحتجون في العاصمة تبليغ هذه المطالب لوزير الداخلية الطيب بلعيز، وهو الجهة السياسية المكلفة بتسيير قطاع الأمن في السلطة التنفيذية. أما والي الجزائر عبد القادر زوخ، فمروا عليه أمام قصر الحكومة دون أن يلتفتوا لمحاولاته التحدث إليهم لتهدئتهم. وفي ذلك دلالات عميقة ورسائل قوية للنظام، فهي تعني أن الداخلية وتمثيلياتها على المستوى المحلي، لا تشكل في أعين رجال الأمن الغاضبين أي مصداقية لأنها لا تملك سلطة القرار. وبما أن عنوان النقاط ال19 التي تضمنتها لائحة المطالب، مكتوب عليها إلى “السيد الوزير الأول عبد المالك سلال”، فإن المحتجين يرون في سلال ربما الشخص الوحيد الذي يمكنه إيصال صراخهم للرئيس بوتفليقة. غير أن محاولة اقتحام قصر المرادية أمس، أكدت أنهم يبحثون عن الرئيس شخصيا وليس غيره، ولكن بوتفليقة غادر مكتبه بالرئاسة ولم يعد قادرا على حل مشاكل الجزائريين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/10/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حميد يس
المصدر : www.elkhabar.com