الجزائر

رثاء فاطمة، أصيلة فومبيطا••



رثاء فاطمة، أصيلة فومبيطا••
أنبئت، أن فاطمة بنت جارتنا خالتي وجارنا العربي، توفت·· اختفت هكذا فجأة من هذه الدنيا، كم من عام مر على رؤيتي لها؟! زمن مديد، ارتبط بكل تلك الصور التي مرت كشريط خفي وصامت وسط كل هذا الصخب الذي تفرقنا به هذه الدنيا الباغية والمغرية النزقة والكئيبة المثيرة للإشفاق والعطف والغضب في آن·· تكبرني فاطمة بخمس سنوات، لها أبناء وبنات عديدات، ما تجذر في ذاكرتي، هو زمن مراهقتها، وإقبالها على قراءة ''المعذبون في الأرض'' لطه حسين·· يا إلهي، لازلت أحتفظ بالكتاب المهدى إليّ من قبلها برغم انهيار كل تلك اللحظات التي لم يبق منها سوى الأطلال الشبيهة بالظلال الرمادية المتحركة في أعماقنا·· كانت فاطمة من مواليد فومبيطا، مسقط رأسنا·· أتذكر يوم قرر بومدين ذات يوم من ,1975 طرد سكان حينا من ذوي الأصول المغربية إلى وجدة·· ويومها طرد جدها المشرف على سن الثمانين، وأيضا خالها صاحب الدراجة النارية الزرقاء، وأيضا أخوها الشقيق خليفة، ويومها تحوّل حينا إلى كآبة عمياء شبيهة بالزرقة القاتمة المجهضة للفرح·· كانت فاطمة تسحرنا جميعا عندما ترقص رقصة الجذبة في محلة الديوان، رفقة العريفة بختة الزنجية والمقدم بوبحيترة وزهرة القجعاء ذات السن السبعين ومبخوتة ذات الستين سنة والتي كنا نعتقد أنها عديمة المؤخرة·· فاطمة ذات الصوت المدمدم، الضاحك وذات العفوية والوجه الوضاء، وذات الذكاء الوقاد، كانت تحلم أن تكون شاعرة لأن الشعر كان يسري في مفاصلها ونزقها وجنونها الطفولي·· ربما كانت وظلت الشاعرة ذات اللغة الخاصة، هي لغة الحياة ونسجها من جديد·· توقفت عن الدراسة، ولم تغادر مسقط الرأس يوما·· بل ظلت الخزان لكل ذلك الزمن الذي انفرض وتداعى، بينما ظل حيا في جسدها·· في زمنها المطلق، لترحل وإياها إلى هناك·· إلى هناك حيث المطلق يلفنا بغموضه وإبهاماته وظلاله المتمتمة في دهاليزنا المظلمة··


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)