الجزائر

ربيع الشعوب.. شتاءٌ على العلماء



 إذا كانت الثورات التي ميّزت المنطقة العربية ربيعا على شعوبها، فإنها جاءت شتاء قارصا على علماء الأمة وورثة أنبيائها، الذين تباينت آراؤهم وفتاويهم إلى حد التضاد. فمنهم من أبدى مساندته غير المشروطة للرعية، ومنهم من تحيّز للحكام، وكلٌ له سنده الشرعي الذي يستدل به، مع أن الحق لا يمكن أن يتواجد إلاّ في خندق من الخندقين، ما دام أن الفريقين اختارا مواقف وأحكام مُختلفة من النقيض إلى النقيض.
فها هو رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، يُقسم، قبل أيام في إحدى خطب الجمعة بالعاصمة القطرية، أن نظام بشار الأسد قد انتهى، وأن كل الطغاة سينتهون والبقية آتية، وقبلها دعا علنا إلى قتل ملك ملوك إفريقيا معمر القذافي، وساند ثورة الشعب المصري ضد فرعونه مبارك، وأيّد السبق التونسي الذي فجّره البوعزيزي في وجه الفار إلى قصور جدة. ليرد عليه قامة أخرى في العلم، في جمعة موالية من أعلى منبر المسجد الأموي بالعاصمة السورية دمشق، الشيخ البوطي، واصفا ما يجري في الشارع السوري بالغوغائية والورم السرطاني الذي يستهدف الأمة بأكملها، بتخطيط مُحكم من أعدائها، داعيا القرضاوي إلى تحكيم ضوابط الدين في حل المعضلة، بدلا من تحكيم الظروف والمصالح، التي قال إنها تأمره أن يصمت فيصمت، ويثور فيُثير.
إن الاختلاف لا يُفسد للوُد قضية، بل على العكس، هو في جوهره ظاهرة صحية، لكن أن يتم كل هذا الاختلاف ورقاب الأبرياء تطير، ودماء المسلمين تجري مجرى الماء في الوديان، رغم حُرمتها، فهنا مكمن العجب. ثم إذا كان هذا هو حال علماء الأمة، الذين حباهم الله بالعلم والبصيرة، فكيف الحال والمآل بالنسبة لعوام الناس الذين باتوا تائهين بين فتاوى هذا العالم، وموقف ذاك الفقيه المتباينة الوجهة حد الاتجاه المعكوس؟ فبقراءة بسيطة لمواقف الدعاة، وجرد سريع لرأي العلماء حول الثورات، نجد أن الإمام عبد العزيز آل الشيخ، رئيس هيئة كبار العلماء بالسعودية، نعتها بالفتن والأراجيف والفوضويات التي يؤيدها من ليس له بصيرة ولا فقه، وهو نفس موقف العلامة صالح الفوزان، واللحيدان، والنابلسي، الذين اشتركوا جميعا في كونها هلاك عظيم، وإن كان زُخرفها طلب الحرية وتحقيق الإصلاح. وفي الجهة المقابلة اعتبر الشيخ القرضاوي الثورات التي قامت بأنها نفحات من الله، وأنها ليست من الفتنة في شيء، مادام أن الإسلام يأمر بإزالة ظلم الحكام، وهو ما اتجه إليه أصحاب هذا الرأي، أمثال الدكتور عائض القرني، والشيخ وجدي غنيم وغيرهم كثير.
لقد سمعنا وشاهدنا، في هذا الربيع الدامي، مواقف وأحكام جعلتنا نكتشف أننا لا نملك مرجعية دينية نجنح إليها عندما تختلط علينا الأمور، وننفر باتجاهها لمّا تلتبس علينا الأحداث. وقد كان من الهيّن تجاوز هذا الوضع، لو اجتمع علماء الأمة تحت سقف واحد، ونازعوا الأمر بينهم بالحجة والدليل الشرعي، ليخرجوا بموقف مُوحّد، وكلمة سواء، تُجنّب بعضهم زلّة العالِم التي قد يزل بها عالَم بأسره.


derkimed@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)