الجزائر

رافق أحمد وهبي وبلاوي الهواري، الفنان زبير رحال لـ الخبر : أنا في غنى عمّن يتذكّرني أو يكرّمني بعد مماتي



أعرب الفنان القدير زبير رحال، في حوار خصّ به الخبر ، عن أسفه الشديد إزاء منطق الإقصاء والتهميش المفروض عليه قسريا. وقال إن ما يحدث حاليا بين أروقة قطاع الثقافة، يستدعي فتح تحقيق عاجل لإزاحة الدّخلاء والطفيليين من جهة، وإعادة الاعتبار للفنانين الحقيقيين من جهة أخرى. ارتديت عباءة الاحترافية وسنّك لا يتجاوز عتبة الـ81 ربيعا، هل لك أن تستوقفنا عند أولى بداياتك الفنية؟ l كنت أهوى الموسيقى والغناء منذ الصغر، غير أن ولوجي عالم الاحتراف يعود إلى سنة 1967 عندما انخرطت في صفوف جوق إذاعة وهران الجهوية، بقيادة الفنان القدير بلاوي الهواري وأنا في الثامنة عشرة من عمري. وفي سنة 1969 انتقلت إلى الجزائر العاصمة والتحقت بالمسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي (دار الأوبيرا سابقا)، أين احتككت بكوكبة كبيرة من الفنانين، وأصبحت عضوا في الأوركسترا التي أثرت المدوّنة الفنية الجزائرية آنذاك بأعمالها الجميلة والقيـّمة. غير أنني سرعان ما عدت أدراجي إلى وهران التي غبت عنها قرابة ثلاث سنوات (1970 ـ 1973)، وهي الفترة التي قضيتها في الجزائر العاصمة.كنت عازفا عصاميا على آلة الكمان لسنوات طوال، بعدها تفرّغت للبحث والدراسة لصقل موهبتك؟l صحيح، لقد بدأت كعازف هاو على هذه الآلة التي أعشقها إلى حدّ النخاع، قبل أن أتعلق فيما بعد بآلات موسيقية أخرى، على غرار العود و الفيتارة اللتين لا أملّ لحظة واحدة من مداعبة أوتارهما. علما أن الفضل في ذلك يعود إلى أخي عبد القادر الذي حثّني على صقل موهبتي، فهو من ساعدني ودعّمني للمضيّ قدما في هذا الحقل الذي أعتزّ كثيرا بانتمائي إليه. صحيح أنني في البداية كنت عصاميا، ولكن مع مرور الوقت أخذت أكوّن نفسي شيئا فشيئا، إلى أن صرت ملمّا بكافة قواعد وأصول الموسيقى. ما جعلني أحزم أمتعتي وأشقّ طريقي صوب بلجيكا التي مكثت بها زهاء عامين، تواصلت خلالهما بثلة من الفنانين المغاربة والأوروبيين الذين تبادلت وإيّاهم عددا لا يستهان به من التجارب والخبرات. لكن غربتي لم تدم طويلا، ففي سنة 1978 التحقت مجدّدا بإذاعة وهران الجهوية التي كانت تضمّ، وقتئذ، جوقين موسيقيين، الأول كان بقيادة الفنان الرّاحل أحمد وهبي والثاني تحت إشراف الفنان القدير بلاوي الهواري الذي أدعو له بالشفاء العاجل، أضف إلى ذلك أنني في سنة 1976 نزلت ضيفا على البرنامج التلفزيوني الشهير رصد وماية الذي كان يولي اهتماما بالغا بكبار الفنانين.تعدّ من المجدّدين الأوائل في الموسيقى العربية إجمالا والجزائرية تحديدا، فقد مزجت ما بين الموّال الشرقي والاستخبار الأندلسي، أليس كذلك؟l لقد عكفت طيلة مسيرتي الفنية على تحديث الموسيقى العربية والجزائرية على حدّ سواء، خصوصا ما تعلق بالقصيد الذي ارتأيت مزجه بالموسيقى العربية والغربية وكذا بعض الإيقاعات الجزائرية الأخرى، وهو نمط موسيقي جديد تغنّت به مجموعة كبيرة من الفنانين الذين عاصروني، ما فتح لي الأبواب سنة 1982 لتوقيع أوبيرات وسام الخلود رفقة كل من أحمد وهبي وبلاوي الهواري. ناهيك عن تعييني قائدا لجوق إذاعة وهران الجهوية إلى غاية .1986قلت إنك أول من اكتشف طابع الفناوي في الجزائر، حدثنا قليلا عن هذه الخطوة النوعية؟l بداية، أودّ التلميح إلى أن الأغنية الفناوية الحقيقية تختلف كثيرا عمّا هو متداول اليوم. إن طابع الفناوي ليس مجرّد قرقابو و فمبري ، بل هو لون غنائي يحتكم إلى أسس وأبجديات، أجزم بأن مؤدّييه الحاليين على جهل تام بها. الأمر الذي أثّر سلبا على نوعية ومردودية هذه الموسيقى الروحية، التي ينبغي إعادة النظر في واقعها، إذا ما أردنا انتشالها من حالة التدهور التي طالتها في الآونة الأخيرة. وهنا تحديدا، أحيطكم علما بأنني بصدد التحضير لـ ديوان وهران الذي تفرّغت له منذ ستة أشهر تقريبا، وذلك إلى جانب نسج ألحان حوالي 15 أغنية، سأحتفظ بها لنفسي، فلربما سيأتي يوم وأؤدّيها.بعد كل هذا العطاء، يبقى اسمك غائبا في الساحة الفنية الجزائرية، ما تعليقك؟ l أظنّ أنه أمر مؤسف للغاية، كوني لا أستحقّ مثل هذا المصير البائس الذي أضحى يطبع يومياتي. ولكن، بغضّ النظر عن سياسة التهميش والإقصاء التي أعاني منها في الوقت الحاضر، تبقى قناعتي بما قدّمته طيلة هذه السنوات التي قضيتها في خدمة الفن، عزائي الوحيد في غربتي وأنا في بلدي، فأنا لم أندم لحظة واحدة على اقتحامي هذا العالم الفريد من نوعه. لقد تنكّرت لي الإذاعة والتلفزيون بعدم بثّ أعمالي، كما أنني مقصى تماما من المهرجانات الفنية والتظاهرات الثقافية التي يتمّ تنظيمها بين الفينة والأخرى بعدد من الولايات الوطنية، وفي مقدّمتها الباهية التي فرضت عليّ منطق الفنان الحاضر الغائب، مضيفا بألم شديد: أنا في غنى عمّن يتذكّرني أو يكرّمني بعد مماتي . صدّقيني أنني أبكي يوميا الحال الذي آل إليه الفن في بلادنا، ولعل أكثر ما يستفزّني ويثير اشمئزازي في كل هذا هو التفاف معظم شركات الإنتاج حول الأعمال الرديئة والهابطة، ومن ثمّة تسويقها والترويج لها بالشكل الذي يدرّ عليها أموالا طائلة، ولو على حساب أخلاقيات هذه المهنة النبيلة. لذا، تجدينني أطالب باسمي الخاص كافة القائمين على تسيير شؤون قطاع الثقافة، بغربلة وتصفية كل هذه المعطيات، بغية إيجاد الحلول التي من شأنها التكفل بالفنان الحقيقي وإزاحة هؤلاء الدّخلاء والطفيليين من الوسط الفني.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)