الجزائر

راحة الجمعة .. ضريبة التغيير



لعله من السذاجة الاعتقاد بأن التغيير الإيجابي لأوضاع البلاد سيكون عبر مطالب ترفع , و صرخات بشعارات تسمع , و تقارير و تحاليل إعلامية تبث و تحرر و مبادرات سياسية تصاغ و تطرح حتى و إن نالت رضا و إعجاب الملايين , إن لم تحظ كل هذه الوسائل بسواعد و عقول تحولها إلى ورشات ميدانية للتغيير . و هناك مقولة تروى لعباس محمود العقاد يقول فيها:» أنا لا يهمني كم من الناس أرضيت, ولكن يهمني أي نوع من الناس أقنعت».لأن إقناع شخص واحد يملك قدرة التغيير, أجدى من إرضاء جمهور عريض يكتفي بالتصفيق لمدغدغي العواطف, و ما أكثرهم في الحقل السياسي المكتظ بالشعبويين .
لقد سألني منذ أيام قليلة أحد الزملاء , عن العوامل التي دفعتني إلى الالتحاق بمهنة المتاعب ,فاضطررت إلى أن اسرد على مسامعه وقائع إحدى محاولاتي الفاشلة للإقناع , و هي وقائع تعود إلى بداية الثمانينيات , و تتعلق بإصلاح المنظومة التربوية الذي جاء بنظام التعليم الأساسي , يومئذ كنت مدرسا بالتعليم الابتدائي , و كلفت مع أحد الزملاء بتدريس قسمين نموذجين لتلاميذ السنة الأولى من التعليم الأساسي . ورغم أن التجربة جديدة , فقد تعاونت و زميلي من أجل أداء المهمة الموكلة إلينا على أحسن وجه , بما في ذلك كتابة تقارير يومية عن العملية التعليمية و ما يعترضها من صعوبات , و ربما كثرة التقارير الواردة على الهيئة المشرفة , فرضت تقليص عددها بجعلها أسبوعية ثم شهرية...
و رغم ما تضمنته تقاريرنا من ملاحظات حول النقائص التي تشوب هذه التجربة التربوية في مختلف المواد , إلا أننا لم نلمس أي تغيير يشعرنا بأن جهدنا قد أخذ بعين الاعتبار من طرف الجهة الوصية التي وضعت البرامج وأعدت الكتب المدرسية . و لأني لا أحب الاستسلام بسهولة للأمر الواقع , فقد حررت تقريرا شاملا من عدة صفحات ضمنته كل الملاحظات و الانتقادات «المستمدة من التجربة الميدانية» حول التعليم الأساسي (أقصد برنامج السنة الأولى منه), و أرسلته إلى الوزارة الوصية , لكن ذلك لم يغير من الواقع شيئا . مما أجبرني على إرسال نسخة من التقرير المذكور إلى جريدة وطنية , و انتظرت نشره في ركن مخصص لمساهمات المواطنين , و بعد عدة أيام , نشرت الجريدة جملة في ركن الردود تخبرني بأن رسالتي «وجهت إلى الجهات المعنية «؟ و هكذا ضاعت تقاريري و تقارير أمثالي من معلمي الأقسام النموذجية التجريبية للسنة الأولى من التعليم الأساسي وسط أكوام التقارير التي وردت على الوزارة الوصية, دون أن تُسْتَثْمَرَ في تصحيح الأخطاء و تجاوز الأفكار النظرية غير القابلة للتجسيد في الواقع .
المغزى العميق
و قد سنحت لي الفرصة خلال السنة الثانية من التجربة , أن استعرض بعض ما ورد في هذه التقارير من ملاحظات تربوية , على وزير التربية في ذلك العهد خلال زيارة تفقدية له , كان القسم الذي أُدَرِّسه أحد محطاتها , و قد كلف الوزير المفتش المركزي المشرف على وضع مناهج وكتب المدرسة الأساسية , بالرد على ملاحظاتي , غير أن رده لم يكن مقنعا كونه مستمدا من تصور نظري , بينما الملاحظات مستمدة من تجربة واقعية . هذه المواجهة لم تسفر هي الأخرى عن أي تغيير , إلى أن تم التخلي كليا عن المدرسة الأساسية و العودة إلى النظام القديم سنة 2003 , أي بعد 23 عاما ذهبت سدى من عمر المدرسة الجزائرية و الدارسين خلالها ؟
لكن المغزى من سرد هذه الوقائع هنا , هو التحذير من اعتبار إرضاء الناس أداة للتغيير و إصلاح الأوضاع , و ضرورة إقناعهم بأنهم هم صناع التغيير و أن هناك ضريبة لكل تغيير , قد تكون عبر دعم الدولة في استغلال أموالها في إنتاج العمل , باعتباره المورد الوحيد الذي لا ينضب , و من أجل ذلك فلتوجد آليات تجعل كل عامل مسؤولا عن عمل قابل للقياس , أيا كانت مدته الزمنية . و قبل ذلك عليها ( الدولة )تقويض أركان فلسفة الكسل التي عششت في أذهان الكثير من الجزائريين .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)