الجزائر - A la une


ينتظر أن تبدأ اليوم الأربعاء بأديس أبابا أعمال القمة الاستثنائية رفيعة المستوى للاتحاد الافريقي لبحث الأوضاع في ليبيا ، وهي قمة متأخرة جدا عن موعدها فيما له علاقة بالدور الأوربي في حسم الصراع بين أطراف العملية الليبية وخاصة بعد أن كثفت فرنسا هذا الأسبوع ضرباتها الجوية على الأراضي الليبية ساعات قبل زيارة أوباما لفرنسا في اطار جولته الأوربية ، وذكرت الأنباء أن بارجة فرنسية لحمل طائرات الهيليكوبتر رست قبالة طرابلس في إشارة واضحة الى نجاح الاستراتيجية العسكرية الفرنسية أمام منافس شرس هو الولايات المتحدة الأمريكية وما يؤكد هذا هو انضمام لندن الى المسعى الفرنسي الهادف الى تفكيك القدرات القتالية الليبية في مرحلة أولى والحضور كمتغير فاعل في إعادة تشكيل الخارطة الأمنية والاقتصادية لمنطقة المغرب العربي . حقيقة تتقاسم كل من روما وباريس العمق الاستراتيجي لشمال افريقيا بسبب التاريخ وتتفوق فرنسا على ايطاليا في الموقع المغاربي على سلم التجارة وحضور الشركات واللغة وعلى سلم الرقع الاقليمية ولاسيما الاتحاد من أجل المتوسط الذي تتزعمه باريس فضلا عن مؤشر المتانة في الأداء الديبلوماسي الذي يتيح لفرنسا هامش تحرك أوسع بفضل ديناميكية الرئيس ساركوزي . فماذا يعني أن تستغرق عملية الحسم في المشهد الليبي كل هذا الوقت ؟ وما جدوى الاعتبارات الاقتصادية والمالية في ذلك ؟الأورومتوسطية من جديد
تختزن ليبيا ما قدره 900 مليار دولار في شكل احتياطي نفطي مؤكد وهو المجال الأوحد المرشح للصراع والتنافس حيث يبدو المشهد الثقافي واللغوي بعيدا عن التناول على العكس من حالة كوت ديفوار حيث نلمس حضورا قويا للمتغيرين السياسي والثقافي في الصراع الذي شهدته البلاد منذ أواخر العام الماضي بين القطبين الفرنسي والأمريكي . وفي حين تعول واشنطن على النفط الإفريقي في تمويل احتياجاتها الطاقوية بنسبة تصل الى 20 بالمائة من إجمالي وارداتها النفطية في آفاق العام 2015 بحسب ما أعلنته إدارة شؤون الطاقة في الادارة الأمريكية ، تعول فرنسا على أية ورقة استراتيوجية تسمح لها بالمحافظة على موقعها داخل حلف الناتو ' الحلف الأطلسي من جهة ، واستمرارالهيمنة على السوق المغاربية التي باتت تشهد منافسة جديدة تقودها الشركات الأمريكية .
وبلغة الأرقام تهيمن فرنسا على السوق الجزائرية بنسبة 50 بالمائة من مشاريع الشراكة مع الاتحاد الأوربي و ب 20 بالمائة من مشاريع الشراكة الأجنبية حسب أرقام أفادت بها ' الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار الجزائرية - وعلى السوق التونسية ب 1250 شركة حسب تصريح أخير لكاتب الدولة الفرنسي للتجارة الخارجية وهي شركات في أغلبها ظلت متحالفة مع عائلات تونسية ذات نفوذ قبل الثورة التونسية ، وعلى السوق المغربية بألف شركة أشهرها مصنع - رونو- للسيارات الأكبر افريقيا وشبكة البنوك - باري با - إلا أن توجها جديدا للادارة الأمريكية في المنطقة أحدث في الفترة الأخيرة اختراقا للاستراتيجية الفرنسية في الشمال الافريقي من خلال إطلاق مبادرة "نابيو" أي ' فرص الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية وشمال افريقيا - شهر ديسمبر وهي مبادرة أمريكية بامتياز تعنى بتنفيذ مشاريع على الأرض لصالح 20 ألف مقاول جزائري في مرحلة أولى بميزانية قدرها 7.4 مليار دولار وهي خطوة تكاد تكون مكملة لخطوة سابقة تتمثل في إطلاق قاعدة مركزية للأمن في افريقيا عرفت بأفريكوم العام 2008 تحسبا لأي طارئ يخص المصالح الغربية فيما يعرف بمنطقة الساحل .
تحرك أمريكي بين دول الشمال الافريقي على الجبهتين الاقتصادية والأمنية يدفع باريس الى ضبط خططها الاستراتيجية في المنطقة على موسيقى التوازنات الاقليمية واستباق الميادين .
استثمار الاعمار وتشتتيت التفكير
لا يمكن تفسير الاستباق الفرنسي للميدان الليبي بمهمة الثورة وحدها وإلا تحركت في إطار إجماع دولي لم يتحقق حتى الساعة ، ولا تفسيرالموقف الأمريكي المحتشم في دعم الثورة بموقف الادارة الأمريكية الداعم دوما لنظام القذافي وإلا ساعدت على حسم الصراع في لحظاته الأولى كما تفعل دائما في عمقها الاستراتيجي ، ولكن صحيفة عريقة في مستوى ' لو موند ديبلوماتيك ' كانت نشرت في فيفري 1992 مقالا لافتا للكاتب "قاي قايرو" يقول فيه بأن على فرنسا تقوية دورها في الدول المتوسطية وأن مستقبل باريس موجود في تلك الدول ، ويفهم من ذلك أن مسار الاتحاد الأوربي لا يكفي وحده لتأمين مصالح باريس الاستراتيجية في الاقتصاد والأمن والثقافة . وفي نفس السياق نشر "كلود ليوزو" العام 1994 كتابا بعنوان ' أوربا وافريقيا المتوسطيتين ' يجسد الرؤية الأوربية للدول المطلة على المتوسط والمستعمرة أوربا وفي الرؤية خلاصة الهيمنة الأوربية على تلك الدول في إطار ما يعرف بالأورومتوسطية ، وهو ما يفسر سلوك الحلف الأطلسي من الجانب الأوربي وتقاعس الموقف الأمريكي في دعم الثورة .
ستحصد أوربا من خلال المشهد الليبي فرصا ثمينة لصالح شركاتها التي عليها مهمة إعمار ما خربته الحرب ، وكلما طالت مدة القصف ونسف المنشآت كلما زادت أرباح الاعمار ، وهو ما يفسر عدم الحسم الفرنسي في الملف الليبي عكس ما فعلته في حالة كوت ديفوار ، وستقايض أمريكا موقفها الوسط بين أطراف الصراع أي التخلي عن الموقف الداعم مباشرة لنظام القذافي بتأمين شحنات إضافية من النفط لدعم خطة الادارة الأمريكية في التزود بالطاقة كما فعلت في العراق وتحاول أن تفعل في منطقة ' أبيي ' بالسودان . أما العرب والمسلمون فسيحصدون تفكيرا مشتتا ومتفككا بين خطط الغرب في الهيمنة على مواردهم الطبيعية وطبيعة أنظمتهم الحاكمة التي ترفض أي تنازل عن الحكم إلا على وقع التدخل الأجنبي أوالضغط الأممي أو الثورة الشعبية ولكن على أنقاض آلاف الضحايا .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)