الأدب كله يجتذبنا إليه تماما مثلما يجتذب المغناطيس الكتل الممغنطة. والقليل القليل منه يبعثنا على النفور، هذا إذا أمكن أن نطلق عليه صفة الأدب.أنا إلى حد الآن لم أستسغ كتابات الروائي والمسرحي البريطاني- الفرنسي صموئيل بيكيت، باستثناء تمثيليته الفلسفية ”في انتظار جودو”، تلك التي يصوّر فيها القلق الإنساني، ولا أقول عبثية الحياة، مثلما قال هو به. قرّاء كثيرون احتفوا به في جميع أصقاع العالم، وفي اللغات التي ترجم إليها أدبه، لكن ذوقي ورأيي لم يتغيرا فيه منذ قرأته أول مرة في أواسط الستينات من القرن المنصرم، في ترجمات عربية وفرنسية، ثم في الأصل الإنجليزي.وقد ازددت نفورا من كتاباته يوم قرأت في مجلة أدبية فرنسية، تصريحا له، يتحدث فيه عن تجربة مأساوية حدثت له قبيل الحرب العالمية الثانية. كان واقفا في محطة من المحطات بلندن، فجاء من طعنه في ظهره دونما سبب، على ما يقوله هو. ومنذ ذلك الحين وهو ينظر إلى الحياة نظرة من ينكر الوجود كله، ولا يرى فيه إلا العبث، وذلك شأنه. لكن أغرب ما في حكمه هذا هو أنه طبّقه على البشرية كلها، وجعله قاعدة يقوم عليها أدبه كله.وليس هناك من شك في أن أدبه أثر كثيرا في الذين اطلعوا عليه، كما أنه وضع بصماته على أولئك الذين حذوا حذوه في مضمار الكتابة الأدبية، والمسرحية بوجه أخص. لكنني، وهذا رأيي الشخصي فيه، لم أُعجب به في يوم من الأيام، وذلك من حقي، ثم إن ذوقي الأدبي يجعلني أعتز كل الاعتزاز بما أنتقيه وأقرأه في اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. وصمويل بيكيت في هذا الشأن، أشبه ما يكون – في نظري - بالفنان التشكيلي الإسباني السريالي سلفادور دالي، هو الآخر ”لم يدخل قلبي”، كما نقول في اللغة الدارجة. لم أستحسن لوحاته على الرغم من قوّته وتمكنه في مضمار اختيار الألوان وبسطها، بل إنني ازددت نفورا منه عندما قرأت مذكراته وعرفت أنه جعل من نفسه، أحد نزلاء جبل الأولمب في أرض اليونان.وفي مقابل ذلك كله، استهجنت ما قاله أحد نقاد الفلسفة في فرنسا عن جان بول سارتر . لقد ذهب به طبعه المتشنج إلى أن يحكم عليه بأنه ينظر إلى الوجود نظرة فيها الكثير من الانكسار والاعوجاج، وسبب ذلك أن عينيه الحولاوين لا تسمحان له بأن ينظر إلى الوجود نظرة سديدة، وهذا حكم أقل ما يقال عنه إنه غريب ولا يمكن أن يصدر عن إنسان يشتغل بشؤون الفلسفة أصلا.يحق لكل قارئ ولكل متتبّع لشؤون الفن، أن يكون لنفسه نظرة عما يقرأه ويتأمله من لوحات وإنجازات فنية، كما يحق لكل مبدع على غرار صموئيل بيكيت وسلفادور دالي، أن يحكم على الوجود وفقا للنظرة التي يكوّنها عن هذا الوجود بالذات. ومن هذا المنطلق بالذات، حق لي أن أقول بيني وبين نفسي إن صموئيل بيكيت وسلفادور دالي، لا يمكنهما أن يشكلا جزءا من تكويني الفكري ومما أتطلع إليه في هذه الحياة. قد يكون رأيي هذا فيهما غريبا، ولكنه مازال يتبعني كلما قرأت بعض النقد عن صموئيل بيكيت وتأملت على صفحات الأنترنت بعض لوحات سلفادور دالي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/01/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مرزاق بقطاش
المصدر : www.el-massa.com