كذا وكذا..
هذا يعني أنك ستظل قادرا على العمل لمدة ثلاثين عاما، بل وأكثر!
أعجبني كلام ذلك المستعرب الصيني الشاب. صوت جهير وقامة فارعة على غير ما تعودت رؤيته. وهل ينبغي القول إنني وغيري من أبناء المغرب العربي لا نعرف عن أبناء الجنس الأصفر سوى أنهم ذوو قامات قصيرة؟ وخطرت على ذهني صورة ذلك الدبلوماسي الصيني الذي استجوبته في مطار الجزائر ذات يوم من عام 1970. كان هو الآخر ذا قامة فارعة بالقياس إلى من كانوا يحيطون به من صينيين يعملون معه في الحقل الدبلوماسي بالجزائر.
فصيح اللسان، لا يتلعثم ولا يتعثر، كأنه أحد أبناء العهد العربي الجاهلي، أيام كانت العربية مسألة سليقة فيما بينهم.
وظللت مشدوها، لا بفصاحة لسانه فحسب، ولا بتحكمه في اللغة العربية، بل بفكرة العمل التي وردت على لسانه. هو من شعب يقدر العمل، بل ويدرجه ضمن العبادات.
سألته: وما الذي تقوم به في الجزائر؟
أجابني بأنه يريد الإطلاع على أحوال الجزائر والجزائريين والأمة العربية برمّتها. وسألته أيضا عن الأدب الصيني فقال لي إن هناك ترجمات إلى اللغات العالمية يقوم بها بعض المختصين في اللسانيات و في اللغات المتداولة عبر العالم أجمع.
عندما استخدم تعبير (أريد أن أكرمك)، ظننتني أنني في العهد العربي الإسلامي الزاهر، وعدت معه قرونا إلى الوراء لأسأله عن أبناء أمتي في ذلك الصقع البعيد. أكد لي أن الدين الإسلامي دخل أجزاء من الصين بفضل بعض التجار المسلمين. وقال لي إن اللغة العربية تدرس في عدد من المعاهد والمؤسسات. واكتفيت بهذا الجواب لأنني ما كنت أريد الدخول في مجال سياسي قد يحرجنا معا.
وتذكرت الرئيس السنغالي السابق ليوبولد سيدار سنغور، ذلك الذي أجاب عن سؤال حول مستقبل اللغة العربية في بلده بمطار الجزائر، فأجاب بنية مبيتة مكتفيا ببعض الجمل التي يشوبها الحقد الدفين للغة العربية والمسلمين الذين تعلموا اللغة العربية من أبناء وطنه وأردف بأنه لا مستقبل لأولئك ولا للغة العربية في السنغال!
ولم أتعجب يومها من رد الرئيس السنغالي لأنني كنت أعتبره وما زلت أعتبره أحد سدنة الاستعمار الفرنسي في السنغال، بل إن نظرية الزنوجة عنده عبارة عن كلام صادر عن إنسان يتملق الفرنسيين على حساب أبناء وطنه لأنه يأخذ بالتقية الكاذبة ظنا منه أن الفرنسية هي اللغة التي ينبغي أن يواصل الشعب السنغالي توظيفها في حياته إلى أبد الآبدين وهي التي تخرجه من حالة التخلف
أعجبني من ذلك المستشرق الصيني الشاب حبه للعمل وتقديره له. ومنذ ذلك الحين وأنا أقول بيني بين نفسي إن نظرتنا إلى العمل ينبغي أن تتغير في الجزائر وفي العالم العربي الإسلامي كله. وبعملية رياضية بسيطة قال لي أنت في سن كذا وكذا، وأمامك أكثر من ثلاثة عقود يتعين عليك أن تجتهد خلالها وتقدم شيئا جديدا لك ولأسرتك ولبلدك وللإنسانية جمعاء.
وكان أن ضحكت بيني وبين نفسي وأنا أستذكر نشيدا تعلمته في الصبا الأول، أيام الاستعمار الفرنسي. كنا نردده في ساحة المدرسة وفي كل مكان. يقول مطلع ذلك النشيد:
يا بني هبوا واعشقوا العمل واتركوا التواني واهجروا الملل!
فهل ينبغي أن يجيئنا الدرس من الشرق القصي لكي نراجع نفوسنا وننكب على العمل الجاد المثمر؟
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/11/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مرزاق بقطاش
المصدر : www.el-massa.com