حيرة كبيرة تعيشها العواصم الغربية في الأيام الأخيرة حيث يجد ''أساتذة الديمقراطية'' أنفسهم في ورطة لا مثيل لها. لقد سعت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث 11 ديسمبر في تلقين شعوب العالم الثالث معاني الديمقراطية وكثفت من دعواتها إلى احترام حقوق الإنسان ونزلت إلى برلمانات الدول العربية لتلقين البرلمانيين دروسا في حرية الرأي والإعلام وفي التداول على السلطة، واحتضنت دورات تدريبية للصحفيين حول كيفية ممارسة الديمقراطية في بلدانهم، إلى غاية أن أخذ المواطن العربي بزمام أموره وبدأ يقول كلمته بشكل مباشر لرفع الغبن عن نفسه، وتمكن من الإطاحة، في ظرف شهر، بأحد أشد أعداء الديمقراطية وحرية الرأي في العالم، إنه زين العابدين بن علي، وما أدراك من بن علي. ما أذهل ''أساتذة الديمقراطية''، وفرنسا على وجه الخصوص التي اضطرب ساستها ولم يتمكنوا من الحركة أو اتخاذ أي قرار في خضم الأحداث، وبقيت سياسة الإليزيه تتململ ولم تعرف كيف تتصرف، إلى أن دق بن علي باب باريس وهو يطلب اللجوء إليها. في الحقيقة أن فرنسا هي التي خلقت بن علي، دعمته وشدت على يده وعلمته طرق القمع والاستبداد، لأنه بكل بساطة كان بتصرفاته يحمي مصالحها، وطالما كان السكوت في تونس كانت باريس تعتقد أن مصالحها محمية وساسة فرنسا يذهبون للتمتع بشمس وزرقة البحر في الحمامات، وكان شيراك يصرح أمام الملأ أن تونس بن علي تعيش ديمقراطية خصوصية. نفس الوضع يعيشه اليوم الرئيس الأمريكي أوباما من اضطراب في المواقف وتذبذب في التصريحات بخصوص الثورة القائمة في الشارع المصري، المفاجأة كبيرة ولم يكن رجال الرئيس الأمريكي، بكل تقنياتهم ووسائلهم واستخباراتهم، يظنون، في لحظة من اللحظات، أن أحفاد الفراعنة كان باستطاعتهم المطالبة بالديمقراطية وبالشكل الذي نشاهده منذ أسبوع، لأن أمريكا خلقت مبارك بنفس الشكل الذي خلقت به فرنسا الرئيس المخلوع بن علي، ودعمته وشدت بيده وجعلته يعتقد أنه محبوب الجماهير، لأنه، وبكل بساطة، حامي إسرائيل والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وما لم يفهمه الغرب أن الديمقراطية لا تلقن فقط في المعاهد الاستراتيجية، بل يمكن، أيضا، انتزاعها مباشرة في سيدي بوزيد وميدان التحرير.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/01/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : كمال جوزي
المصدر : www.elkhabar.com