إذا كان موضوع الاعتراف الكامل لحق القاضي الإداري في رقابة الوجود المادي للخطأ وصحة تكيفه لم يعد يثر أي خلاف، فإن الخلاف انصب في عهد قريب حول مدى سلطته في الرقابة على تقدير تناسب الخطأ مع العقوبة المقررة له، ليتم التساؤل عن الدور الذي يلعبه القاضي الإداري في هذه الحالة. فهل له البحث في التناسب باعتباره ضمانة فعالة وجدية لحقوق الموظفين في مواجهة سلطة التأديب؟ أم أن الأمر يقتصر على التأكد من احترام السلطة التأديبية للنصوص القانونية عند توقيعها للعقوبة التأديبية؟
ولأجل ذلك طور القضاء الإداري أساليب رقابته على السلطة التقديرية لسلطة التأديب حيث بلغت حد البحث في ملاءمة القرار التأديبي للتأكد من مشروعيته. فبعدما كان تقدير أهمية وخطورة الخطأ والتناسب بينه وبين ما يقابله من جزاء ضمن إطلاقات الإدارة التي لا يمكن الرقابة عليها، أصبحت السلطة التأديبية طبقا لمبدأ المشروعية مطالبة بإقامة ذلك التناسب تحت رقابة القاضي الإداري.ومن منطلق أهمية الرقابة القضائية التي تسعى إلى حماية مبدأ مشروعية الجزاء التأديبي، فإن تنظيم مسألة التناسب يعتبر من أهم وأقوى الضمانات المقررة لحماية حقوق الموظف العام،لأنه يتيح للموظف المتضرر الحق في مخاصمة السلطة التأديبية أمام القاضي الإداري باعتباره قاضي حامي للحقوق والحريات من خلال البحث في التناسب بين الخطأ والعقوبة.
وما يبرر هذه الرقابة طبعا هو عدم تحديد المشرع للأخطاء التأديبية التي تُعبر عن سبب العقاب على سبيل الحصر، كما أنه لم يربط كذلك بينها وبين ما يقابلها من عقوبات كما هو الحال في المجال الجنائي، وجعل هذا الربط من اختصاص السلطة التقديرية لسلطة التأديب في حدود احترام قاعدة المجموعات أو الدرجات كما هو مشار إليه في المادة 183 من الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15-07-2006، المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، حيث تنص على أنه:" تؤدي حالات الأخطاء المهنية المنصوص عليها في المواد من 178 إلى 181 من هذا الأمر إلى تطبيق إحدى العقوبات التأديبية من نفس الدرجة، كما هو منصوص عليها في المادة 163 أعلاه" وبناء على ذلك، سيعالج هذا الموضوع من خلال مطلبين، يتم التعرض للجانب النظري الذييتممن خلاله تحديد الإطار القانوني لرقابة التناسب (المطلب الأول)؛ ثم يليه بعد ذلك التطرق إلى الجانب التطبيقي لرقابة التناسب من طرف القضاء الإداري المقارن وموقفه منها باستعراضه وسائل الرقابة القضائية على التناسب في مجال التأديب (المطلب الثاني).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/02/2023
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - محمد مهدي لعلام
المصدر : مجلة الدراسات الحقوقية Volume 4, Numéro 1, Pages 209-230 2017-06-01