الجزائر

دماء الجزائريين تسيل بسبب "شبر" أرض



لا تزال قضايا الإرث تقسم العائلات وتزيد من حدة التناحر بينها، فلم تعد المحاكم فقط وجهة هؤلاء في الآونة الأخيرة، بل امتدت المشاحنات لحد إراقة دماء أبناء العائلة الواحدة بسبب متر مربع أرض موروث عن أجيال سابقة.لا تعالج في ملف العقار مؤخرا، القضايا المتعلقة بالقسمة والميراث فقط، بل امتدت إلى معالجة قضايا جنائية ضد الأصول أبطالها أبناء العائلة الواحدة، التي لم تشفع لهم صلة القرابة ولا رابط الدم في الحفاظ على هذه العلاقة بعدما انتزع حب التملك والماديات مكانة لا يستهان بها في النفوس على حساب العائلات، التي وصل الحد بأبنائها لإراقة دماء بعضهم البعض دون أن يرف لهم جفن.
قضايا مماثلة أصبح المجتمع الجزائري يشهدها باستمرار والمحاكم تعج بها، وقد تكون أكثر حدة في المجتمع القبائلي الذي عرف منذ القدم بخصوصية هذا الجانب، كعدم توريث المرأة وتماثل التعلق بالأرض بالتعلق بالعرض.
قضية التناحر حول الممتلكات لم يعد بحاجة للتنقيب أو البحث عن أسباب الفرقة والخلافات بين الأسر والعائلات، إذ لا تتفاجأ بتشتت عرش أو قرية كاملة أبناؤها منحدرون من عائلة واحدة، بسبب مسلك ترابي أو شبر أرض، وتمتد المشاحنات والثأر من جيل لآخر، فقد تجد وقوع جريمة قتل مقترفة من قبل شاب بسبب خلاف وقع بين أجداد والده قبل عقود من الزمن.

يستعين بابنه لقتل شقيقه بعدما حرمه والده من الميراث
التناحر والمشاحنات المنتشرة بين الأسر والعائلات كثيرا ما تزيدها تفرقة الأهل بين أبنائهم حدة، وذلك بسبب الهبات التي يمنحونها لأبناء دون غيرهم من الإخوة، ما يجعل هؤلاء يقطعون صلتهم ببعض بشكل دائم يمتد إلى أطفالهم من بعدهم، ويصل بهم الأمر إلى تصفية بعضهم البعض.
إحدى القضايا المماثلة لما سبق ذكره، اهتزت على وقعها منطقة تيقزيرت بتيزي وزو قبل سنوات، حين أقدم الشقيق الأكبر رفقة ابنه على إزهاق روح الشقيق الأصغر، وهو بطل وطني في الملاكمة، بعدما قام والدهما بحرمان الأكبر من الميراث وجعل كل ممتلكاته من نصيب الضحية، الأمر الذي لم يهضمه الأخير فقام رفقة ابنه بالاعتداء عليه بواسطة أسلحة بيضاء أردته قتيلا في عين المكان.
العائلة التي تعتبر من أغنياء المنطقة، لم تكن تملك سوى الشقيقين رفقة فتاة واحدة، لكن الخلافات وسوء التسيير جعلا الوالد يتصرف بشكل أراد به تأديب ابنه الأكبر، لكنه فقد أثره. الشاب الذي كان مشهودا له بالأخلاق والسلوك الحسن، لتكون أملاكه سببا في مقاسمته المقبرة والسجن لأبنائه.

جد يحرم ابنه من الميراث فيُحدث فتنة في العائلة
قضية أخرى اهتزت على وقعها منطقة الأربعاء ناث ايراثن، راح ضحيتها والد وابنيه في عمر الزهور، حيث وجد هؤلاء أنفسهم في وضع دفعهم لقتل الوالد وولوج غياهب السجون، بعدما كانوا شبابا يشهد لهم البعيد قبل القريب بحسن السلوك والأخلاق الحميدة، كانا شابين يافعين، متعلمين، على قدر كبير من التربية والأخلاق، شاءت الأقدار أن تجعل منهما مجرمين وتلطخ أيديهما بدم والدهما، بعدما وجد نفسيهما ضحايا ميراث فضّل جدهما من الوالد أن يكون من نصيبهما بدل ابنه الذي يكون والدهما، هذا الأخير الذي جن جنونه ومارس عليهم ضغوطا انتهت به في القبر وبابنيه في السجن.
قضايا وأخرى تجعل المطلع عليها حائرا وناقما على الثروات والأملاك، التي أصبحت في الغالب تقسم العائلات وتحطمها أكثر مما تجمعها، حيث طغت الماديات على حياة المواطنين وجعلتها أكثر قداسة وأهمية من العلاقات الأسرية، ونشرت وسطهم الفساد والإجرام من بابه الواسع.

شيخ بمنطقة القبائل: تراجع نظام "ثاجماعث" وراء النزاعات
وبهذا الخصوص قال أحد مشايخ منطقة القبائل، إن مشاكل وجرائم الميراث بدأت منذ اعتماد القانون فيها، حيث كان القبائل يستندون إلى العرف في تقسيم الميراث بشكل اعتمد على خصوصية المنطقة واحترم من قبل الجميع، حيث لم تكن هذه القضية تطفو إلى السطح، لاعتمادها من قبل الجميع وتطبيقها دون اعتراض أو حسابات، إذ لا يمكن لولي العائلة الخروج عن عرف العرش والحكم بما يخلق مشاكل بين أبنائه قد تمتد إلى غيره، وإن حدث واختلف الورثة عن القسمة، ترفع إلى تنظيم "ثاجماعث" الذي يحكم مشايخه بما يرضي الجميع ولا تعلو كلمة أحدهم عما تقضي به هذه الأخيرة.
إلا أنه وبعد التخلي عن الاستناد إلى هذا التنظيم وتفضيل المحاكم في قضايا القسمة، فتح المجتمع القبائلي بابا واسعا لمشاكل لم يعد بالوسع احتواؤها والتحكم فيها، خصوصا بعد السماح بتوريث المرأة الذي منعه العرف القبائلي لعدة قرون لأسباب كانت كفيلة باعتماد ذلك حينها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)