من حقّ الجهات المختصة أن تتحدث عن عقوبات قضائية قاسية تنتظر الغشّاشين في امتحان البكالوريا الذي سيبدأ اليوم، فهي تبحث عن إنقاذ سمعة هذا الامتحان بعد ما تدهورت بفعل فاعل في السنوات الأخيرة تحديدا، وبات تسريب الأسئلة والمواضيع فيها أمرا واقعا، هذا من دون الحديث عن المستوى المتدنّي والأخطاء الشائعة، وكذا المضمون المثير للجدل أحيانا.لكن من واجب الجميع، وفي مقدِّمتهم الخبراء ومختلف العارفين بشؤون التربية، البحث عن أساليب جديدة لعصرنة التعليم وإصلاحه، وفتح ورشات حقيقية من أجل بلوغ التطور المنشود. ورشات علمية لا روائح ايديولوجية فيها، ولا تدخلات من هنا أو هناك، وقد كان وزير العدل بلقاسم زغماتي صريحا وهو يرد على أسئلة النواب حول مادة دستورية تتعلق باستقلالية المدرسة، قائلا إن الأمر "يتعلق باستقلاليتها عن التوجُّهات السياسية الضيقة وليس عن الانتماء الحضاري للأمة".
وبالعودة إلى البكالوريا، فإنّ مستواها ومستوى التعليم عموما لم تُحطمه رغبة البعض بالغشّ ولا تسريب المواضيع فحسب، وإنّما المناخ العام الذي بات فاسدا في المجتمع ككل، بعد ما سادت ثقافة الاتكالية وانتشر فيروس المحسوبية، وبات المتعلّم وصاحب الشهادة الجامعية العليا، في مؤخرة فئات المجتمع، مهمّشا ومنسيا، أو مجرّد شخص محطم الإرادة، مسلوب العزيمة، فاقد الكرامة.
على امتحان البكالوريا الذي نتمناه "صحّيا" هذه السنة، أن يستعيد سمعته من هؤلاء جميعا، وليس من الغشّاشين فقط، وعلى المدرسة عموما أن تنقذ شرفها ممّن استباحوه، وجعلوه مُداسا بسهولة، كما صنعوا من بعض الفاشلين نموذجا ناجحا ومتمكنا من المناصب والمكاسب في البلاد، بل إن بعضهم دخل المؤسسة التشريعية بلا مستوى، وآخرون حصلوا على وظائف في شركات إستراتيجية مهمّة دون الحاجة إلى شهادة علمية أو أخلاقية، فيما لم يحصل المتخرِّجون في الجامعات ومعاهد التكوين غالبا سوى على أرباع الفرص، وبشق الأنفس، فيصبح الفرار من البلاد والهجرة سرا أو علانية ضمن الأحلام المشروعة، إن لم يكن الحلم الأول والأخير.
وفي السياق ذاته، على الجهات التي تتناقل خبر العقوبات القضائية المشددة، أن تفكر أيضا في طرق أخرى لحماية البكالوريا أفضل من عسكرة الامتحان وتحويله إلى مناسبة أمنية أو بوليسية، وكأن هؤلاء الذين سيُمتحنون مشاريع مجرمين أو غشاشين وقطاع طرق، وليسوا زبدة المجتمع ونخبته المستقبلية. وزارة التربية، مطالبة بالبحث عن صيغة جديدة تحترم التفوق وتحارب الغش، صيغة رقمية وعلمية أكثر، تمهد للذهاب فورا إلى إصلاح مستعجل، مع كثير من الجرأة والشجاعة لفتح كل الملفات، وتجاوز كل العقبات، وهذه هي المعركة الحقيقية التي تشغل بال الأمم والمجتمعات حاليا، وما دونها معارك فارغة وهامشية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/09/2020
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشروق اليومي
المصدر : www.horizons-dz.com