الجزائر

دروب تلمسان



تتصل المنازل والدور بالشوارع والسكك بمداخل جانبية ودروب صغيرة وأحيانا كبيرة 1. وتحتوي هذه الدروب على أبواب في أولها، وكان الغرباء لا يدخلونها، إلا من أذن لهم سواء كانوا من الرجال أم من النساء؛ بل حتى الحطابون والفحامون وتجار العسل والحليب والبضائع المختلفة، لا يمكنهم دخول الدرب ببضاعتهم، وإنما يضعونها أمام الباب، فيأتي السكان ويأخذونها إلى بيوتهم، وهذا بالنظر إلى أن المجتمع التلمساني ظل محافظا على عاداته وتقاليده.
وتحدد هذه الدروب والشوارع التنقل داخل المدينة، فكانت تختلف عن دروب وشوارع المدن الأوروبية في العصور الوسطى والتي تميزت باتساعها واستقامتها حتى تكون صالحة لاستعمال العربات، بينما دروب مدينة تلمسان مثل غيرها من حواضر المدن الإسلامية ببلاد المغرب، ضيقة وكثيرة المنعرجات، لا سيما الطرق الثانوية والمتفرعة في الأحياء. فكان أهل تلمسان يتنقلون فيها مشاة أو على ظهور دوابهم 2. كان لكل درب باب يغلق ليل، أما عند حدوث اضطرابات أو تهديد خارجي فكان أهل الدرب يعزلون حيهم عن بقية أجزاء المدينة وشوارعها بغلق باب دربهم 3.
وكانت لمدينة تلمسان سكك كبيرة تربط بين الأبواب الرئيسية، تتفرع عنها دروب أخرى تصل إلى الحومات والأحياء وتدور حول المباني الكثيرة. وكانت الشوارع الرئيسية تحتكر كل النشاطات التجارية والحرفية والمناسبات الدينية والسياسية. وقد احتفظت لنا كتب التاريخ ببعض تلك الدروب:
درب شاكر:
يعد هذا الدرب من الدروب الكبيرة المشهورة في مدينة تلمسان، كان يقطنه العالم التاجر أبي زيد عبد الرحمن النجار، صاحب مصانع الصوف، ويمتلك فيه حوانيت ومنازل عديدة له ولأبنائه وعماله وخدامه، ويتفرع من هذا الدرب الكبير، درب صغير توجد به منازل خاصة لأبي زيد جعلها لأولاده وبناته 4.
اشتهر درب شاكر بثلاثة منازل كبيرة وهي: الدار الكبيرة، و دار الأنجاصة، و الدار الجديدة، وهي جميعها ملكا للفقيه التاجر أبي زيد عبد الرحمن النجار 5. وكان يوجد خارج الدرب الصغير درب آخر كبير، في عهد ابن مرزوق الخطيب (القرن الثامن الهجري) 6، به منازل ودورا كثيرة لكنه أصبح خرابا.
درب ملالة:
ذكره ابن مرزوق الخطيب، والشيء الوحيد الذي نعرفه عنه هو أن الشيخ الصالح علي بن محمد الحمال كان يقطنه، ويستقبل الفقراء والمعوزين والضعفاء من الناس والمسافرين في بيته التي أصبحت قبلة يلجأ إليها الناس بحثا عن الطعام والإيواء 7.
درب مرسى الطلبة:
يقع هذا الدرب بتلمسان العليا (تاقرارت)، ويحتوي على عدة منازل وحوانيت وكتاتيب لتعليم الأطفال ومسجد. ابتنى فيه ابن مرزوق الجد الأول مسكنا لآل مرزوق قطنه وعائلته وولد فيه أغلب أبنائه وأحفاده، منهم محمد بن مرزوق الذي ترعرع في الدار المعروفة بـدار ابن مدور 8.
درب مسوقة:
ويقع بتلمسان العليا، ذكره ابن مريم دون تحديد موقعه أو حجمه 9.
دريبة ابن الذيب:
وهو عبارة عن درب صغير مغلق، يوجد في ظهر السجن الذي يقع بسوق السراجين 10.
درب اليهود:
جاء ذكره عند ابن مريم، ولعل هذا الاسم يشير إلى حومة اليهود، أو إلى درب من دروب هذه الحومة 11.
زنقة المشور:
وتقع بالقرب من قصر المشور بتلمسان العليا 12. كانت تقطن هذه الدروب والأزقة شرائح اجتماعية متباينة من ميسورين ومتوسطي الحال وفقراء 13.
وتتضمن مدينة تلمسان أحياء أخرى يسكنها الجند والحرس وعائلاتهم، والقائمون بخدمة الدولة وحمايتها، ولعلها كانت قريبة من قصر السلطان، وبالقصبة، وبالقلاع المحيطة بالمدينة. أما الجند النصارى المتكون من القشتاليين والقطلانيين والروم، فلقد أنزل في ثكنات تقع خارج أسوار المدينة، في أماكن تعرف بـربض النصارى، وذلك حرصا من ملوك الزيانيين على إبقائهم خارج المدينة بالنظر إلى عدم تأكدهم من ولاء جند النصارى والخوف من تمردهم. وكان السلطان يغمراسن قد استخدمهم كفرقة عسكرية مرتزقة، ثم تخلى عنهم بعد تعرضه لمحاولة اغتيال من قبلهم 14.
1 : يطلق على الشوارع والممرات في تلمسان أسماء عديدة، منها السكة والزنقة والدرب، والدريبة وهي أصغرها.
2 : R. Le TOURNEAU : Les villes musulmanes de l'Afrique du nord,Alger, 1957, p.47.
3 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 5.
4 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 14.
5 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 14.
6 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 14.
7 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 12.
8 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 12.
9 : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مريم، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، تحقيق: محمد بن أبي شنب، الجزائر: المطبعة الثعالبية، 1908، ص 76.
10 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 39.
11 : أبو عبد لله محمد بن أحمد بن مريم، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، تحقيق: محمد بن أبي شنب، الجزائر: المطبعة الثعالبية، 1908، ص 269 وما يتبعها.
12 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المسند الصحيح في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن، تحقيق: ماريا بيغيرا، الجزائر: ش.و.ن.ت، 1981، ص302.
13 : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مريم، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، تحقيق: محمد بن أبي شنب، الجزائر: المطبعة الثعالبية، 1908، ص 79.
14 : R. Le TOURNEAU : Les villes musulmanes de l'Afrique du nord,
Alger, 1957, p.p.34-


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)