الجزائر

«دخول الدولة العثمانية للجزائر كان طلبا للحماية من غزو النصارى»



أثبت التاريخ الذي لا يمكن لأحد تزييفه أو التشكيك فيه أن الجزائر حسب المؤرخين أمة أثبتت وجودها منذ ملايين السنين ، وبان الأمة الجزائرية التي أوجعت فرنسا سواء خلال الثورة التحريرية أو في الوقت الحالي الذي تشهد فيه الجزائر تكالبا من قبل رئيس قصر الاليزيه وإعلامه بسبب الانهزامات السياسية المتكررة لفرنسا وانهيار اقتصادها قد شهدت يقول البروفيسور في علم التاريخ أودان بوغوفالة في مطلع القرن ال 16 تأسيس الحلف الجزائري العثماني للدفاع والتحرير في أجواء دولية مكهربة، و ظروف مشحونة مضطربة في القسم الغربي للبحر الأبيض المتوسط في أعقاب سقوط الأندلس عام 1492م بسقوط آخر معقل للمسلمين بإمارة غرناطة. وكانت قد تغيرت الخريطة السياسية للعالم، وتغير معها وجه التاريخ في القسم الشرقي للبحر الأبيض المتوسط منذ عام 1453م بفتح القسطنطنية و زوال الإمبراطورية البيزنطية، و تنامي قوة العثمانيين كقوة بحرية ضاربة في المتوسط الغربي، تحمي المسلمين في شمال إفريقيا، و تعوضهم ما فقدوه في غرب أوروبا بفتوحات الشرق.إن وعي علماء الجزائر وأعيانها بهذه المستجدات وإدراكهم لخطورة الأوضاع المُحدقة بهم في ظل ضعف الدولة الزيانية، وتنازع الزعامات والإمارات المحلية على السلطة يضيف المؤرخ انه قد دفعهم إلى طلب تأسيس تحالف ثنائي بين العثمانيين والأمة الجزائرية المهددة في كيانها السياسي بالغزو. و تعود جهود التأسيس لهذا الحلف حسب البروفيسور إلى سنوات 1514م و1519م باستقبال الإخوة بربروس، وما ترتب عن ذلك من تحرير للأوطان، ودحر لزحف العدو الأوربي (خاصة الاسباني) بمباركة من السلطان العثماني سليم الأول (1512-1520م) من جيجل شرقا إلى وهران غربا حيث قال علماء الأمة بمدينة الجزائر لخير الدين بربروس حسب العنتري في "فريدة منيسة ... ... ...": "يتعين جلوسك في هذه المدينة لأجل حراستها والذود عن ضعفاء أهلها، ولا رخصة لك في الذهاب عنهم وتركهم عرضة للعدو ... "، وقال بعضهم لتعزيز جبهة الصمود والتحدي الداخلية: "هؤلاء ... قدموا من حضرة السلطان العثماني ... إذ لا يليق بنا مقاتلتهم ولا يسعنا منعهم ... ".
وتشير المصادر التاريخية حسب المؤرخ أن الولي سيدي أحمد بن يوسف الراشدي الملياني ( 1524م) التزم مع عروج بالتحالف والتأييد، والتزم بعده المرابطون والمتصوفة و الفقهاء بعد ذلك، و تعجب حمدان بن عثمان خوجة (1842م) وديوان أحمد باي قسنطينة من الذين طرحوا فكرة فصل الجزائر عن الدولة العثمانية، وقبلهم أفصح ابن العنابي (1851م) عن موقفه قائلا: "ولولا ظهور الدولة العثمانية ... فجدد القائمون بأعبائها معالم الدين ... لأتسع الخرق، وعم الفساد سائر الخلق". إن العثمانيين يضيف البروفيسور أنهم لم يدخلوا الجزائر بقوة السلاح وعنوة لقهر أهلها كما تروج بعض الكتابات، وإنما وصل العثمانيين عدد من رسائل الاستغاثة والاستنصار، و كانت تطلب تدخلهم العاجل وتستبشر بقدومهم لتخليصهم من الوضع المتردي الذي آلت إليه أحوالهم. لقد ساند علماء الجزائر العثمانيين وزكوا وجودهم، وباركوا التحالف معهم، بوصفهم حماة للدين والعرض والأوطان المهددة من طرف النصارى الأعداء على الثغور. ولم تتقاعس بعد ذلك هذه النخبة الجزائرية في عصرها عن دورها في انتقاد سياسة الأتراك العثمانيين، والاعتراض على مواقفهم خاصة خلال الفترة الأخيرة من حكمهم، وذلك بطرق و كيفيات مختلفة كانت تصل أحيانا إلى حد الجهر بالمعارضة والثورة بعد تقديم النصح. وقدّم معظم العلماء استقرار الأوضاع واستتباب الأمن، وحفظ الحقوق والأعراض، وتحرير الأوطان ودحر الأعداء المتربصين على عصيان الحاكم، والتمرد عليه، وشق عصا الطاعة والثورة ضده، والدخول بالبلد في فتنة الحرب والحرب المضادة، والزج بالأمة في معارك هامشية. وعندما حل الاستعمار الفرنسي بالجزائر عام 1830م، يقول الخبير في علم التاريخ الأستاذ بوغوفالة أنهم وجدوا الأمة الجزائرية قائمة في تلاحم بكل مكوناتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وخصائصها الحضارية، ترعاها دولة بأركان محققة نص عليها الفقه القانوني من إقليم وسكان ونظام سياسي وسيادة واستقلال واعتراف دولي. فاستهدف الاستعمار الأمة في هُويتها العربية الإسلامية، وكانت سياسته واضحة في محاربة الإسلام وهدم مؤسساته من أوقاف ومساجد وزوايا، وتعطيل التعليم باللغة العربية ومحاصرته وعدم تعميمه وترقيته، والبحث عن مجتمع بديل، وإنشاء سلطة بوظيفة جديدة. وظل الخطاب الاستعماري وأبواقه الناعقة، من كتاب وأثريين ومترجمين وعسكريين، يُنكرون وجود الجزائر كدولة ووطن وأمة، لتبرير احتلالهم والإدعاء المخزي برسالة الحضارة، وتشويه صورة الأتراك العثمانيين .
وفي الأخير يشير البروفيسور أن الجزائريين قد انخرطوا بقوة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين في صحوة عارمة للتخلص من الأوضاع المزرية التي أصبحوا يعيشونها، لرد تكالب الاستعمار الفرنسي عليهم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)