الجزائر

''خيوط'' الجزائري السعيد



 لكي تعيش سعيدا في الجزائر، يجب عليك أن تتنبأ بالمشاكل التي قد تواجهك في حياتك اليومية وتحتاط منها قبل أن تطرأ، وهو ما يعرفه الجزائري العادي وغير العادي سواء كان يعيش في قرية منسية، أينما كان موقعها في ربوع هذا الوطن الكبير أو في عاصمته قريبا من مصدر القرار.
ولم يعد للجزائري العادي وحتى غير العادي، خيار آخر إذا أراد أن يعيش حياة سعيدة ولا يتعرض لوعكة صحية مفاجئة، كأن يتوقف قلبه عن الخفقان، أو ترتفع نسبة السكر في دمه أو يصاب بجلطة في دماغه، غير مد خيوط على كل المستويات وفي كل الإدارات والمصالح التي هو في حاجة إلى خدماتها. وأكثـر من ذلك، يجب عليه أن يربط علاقة جانبية وطيدة حتى مع العامل عند بقال الحي، لكي لا يتسبب له الحليب الذي اشتراه على أساس أنه حليب، ولا يتحول إلى رايب ، يشعل حربا بينه وبين زوجته. 
في الجزائر، يجب أن يكون للمواطن، مهما كانت منزلته أو وظيفته، معارف في البلدية وبالتحديد في مصلحة الحالة المدنية لكي لا يضيع يوم كامل من حياته، أو أكثـر، كلما أراد استخراج شهادة ميلاد أو التصديق على وثيقة. وهو في حاجة أيضا إلى خيط في مركز بريدي لكي لا يختنق في الطابور، وآخر في مركز الاتصالات السلكية واللاسلكية الذي يزوده بالأنترنيت، لكي يعيد الوصل بالشبكة بسرعة قبل أن تقتل الكآبة أبناءه وبناته من طول انتظار عودة السيد غوغل ، أما إذا كان رزقه مرتبطا بالشبكة العنكبوتية -إن كان اختار التطور وحول معاملاته الورقية إلى رقمية يتعامل بها مع الداخل والخارج- فلا بد أن يكون خيطه متينا لكي لا يتكبد خسائر.
وفي الجزائر فالمواطن ليس في حاجة إلى معرفة شخصية مع رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو وزير العدل أو غيرهم ممن يعتقد الناس بأنهم أصحاب القرار ، ولكنه لا يمكن أن يستغني عن جمركي في سجل معارفه حتى وإن كان في أقصى الحدود الجنوبية للبلاد، حتى وإن كان لا يملك جواز سفر ولم يغادر التراب الوطني منذ أن ولدته أمه، وحتى إن لم يكن يملك رخصة سياقة يتوجب عليه أيضا أن يعرف من يقدر على استرجاعها (الرخصة) من الحجز. ولو أن الجزائري لا يملك شركة أو سجلا تجاريا لا بد له من خيط في مصلحة الضرائب، الواحد ما يقدر يعرف . وفي حاجة أيضا إلى خيوط في المستشفى، والمدرسة التي يتعلم فيها أبناؤه والجامعة والميناء والمسجد والمطار و دار الشرع والملعب والغابة والشاطئ... الفايدة في كل مكان وموقع من المحتمل أن تحمله إليه رجلاه.
لكي يعيش الإنسان الجزائري سعيدا يجب أن يحيط نفسه بشبكة عنكبوتية من المعارف النافعة والمستنفعة ، تسهل له الخدمات التي من المفروض أنها سهلة من دونهم، رغم أنه يعلم يقينا بأنه مشارك مباشر أو غير مباشر في الفساد .


lahcenebr@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)