لا يختلف اثنان في أن الإسلام السياسي اكتسح مساحة قد تكون أكبر من حجمه خلال الانتفاضات التي خاضتها الشعوب العربية في بعض البلدان ورأت فيه ذات الشعوب نموذج الحكم الراشد بعد القضاء على دكتاتوريات عمّرت ردحا من الزمن ، فكان هذا الإسلام السياسي الملجأ الذي تحوّلت إليه الشعوب المذكورة أو هذا ما ظهر خلال الفوز الذي تحقق له في الانتخابات النيابية و حتى الرئاسية و هو ما أعطى الانطباع أنّ هذا الفكر السياسي قد وجد طريقه إلى السلطة التي خاض من أجلها مسارا طويلا و في أحيان كثيرة استعمل القوة في سبيل تأكيد وجوده و قوّته و الانتقام لمنظرِيه (حسن البنا و سيد قطب ) و معارضته للأنظمة (اغتيال السادات ).لكن لماذا عاد و تراجع الإسلام السياسي في ظرف وجيز حتى أنّه لم يعمِّر بين فترتين انتخابيتين (الحالة الجزائرية و المصرية فالأولى أوقفت المسار الانتخابي و الثانية انقلب فيها العسكر على الرئيس المنتخب و زجّ به إلى السجن ) و في أحيان أخرى سحبت الشعوب البِساط من تحت رجليه( الحالة التونسية ) و لا يزال هذا التيّار يصارع البقاء في الحالة الليبية ، ووضعته الحالة المغربية أمام واقع اجتماعي متردٍ حيث لا تتوانى الطبقات الشعبية في انتقاده بعد أن ظلّ خطابه الانتخابي مجرد وعود اصطدمت بواقع صعّب تحقيقها في ظل تزمت القصر الملكي و احتفاظ الملك بمعظم الصلاحيات رغم ما يبدو من إصلاحات غذّت الاستهلاك الإعلامي.لقد أدت الانتفاضات التي عرفتها بعض البلدان العربية و التي سمّيت إعلاميا بالربيع العربي إلى مسارعة الحكّام بالترخيص لعديد الأحزاب بالنشاط حيث تمكنت بعضها من الخروج إلى العلن بعد العمل السري أو النشاط في الخارج فتأسس حزب العدالة و الحرية في مصر و وصلت النهضة إلى الحكم في تونس و كذلك حزب العدالة و التنمية في المغرب و العدالة و البناء في ليبيا .و قبلها العدالة و التنمية في تركيا حيث استطاع رائده طيب أردوغان التدرج في الحكم من عمدة اسطنبول إلى رئيس تركيا . و كذلك بالنسبة لحكام الملّا في إيران و حزب الله في لبنان الذي هزم اسرائيل في 2006 باسم الإسلام السياسي و أمثلة أخرى في بلدان متفرقة .يقول مؤرخون أنّ الإسلام السياسي لم ينحسر بفشل الإسلاميين في تقديمه كنموذج صالح للحكم في العشريات الأخيرة بل يعود تاريخ تراجع الإسلام السياسي إلى بداية انتشار القومية العربية التي دعت إلى التشبث بالانتماء إلى العروبة و ليس الإسلام كما جاء في فكر جمال عبد الناصر و أحزاب البعث و من هنا بدأ يظهر التفاوت في تطبيق الشريعة في البلاد العربية الناشئة خاصة تلك المستقلة حديثا في الخمسينات و الستينات .و يرجع كثير من المهتمين بتاريخ الإسلام السياسي أسباب سقوطه إلى خطابه في حدّ ذاته فهو خطاب عاطفي لا يوازن بين الكائن و ما يجب أن يكون بل يلعب على الأحاسيس و يقدم الوصفة على أنّه المهدي المنتظر الذي يخلص الشعوب من الأنظمة التي يصفها بالأوتوقراطية . كما أنّه لا يقدم الحلول الناجعة للأزمات الاقتصادية و الاجتماعية التي غالبا ما يصطدم بتطبيق الحلول لها عندما يصل إلى السلطة لأنّ النُظم و القوانين المطبقة في المحيط العالمي قد تجاوزته.و يحمل الإسلام السياسي خيبته بين يديه عندما يجادل رواده من غير دليل مادي أو الذهاب إلى تطبيق الأفكار التي تبقى حبيسة الورق و هي الأفكار التي ظلت مجرد وعود انتخابية أو دعائية. و لأنّ الصراع أزليٌ بين الإسلام السياسي و العلمانية الليبرالية فإن أي َّ انكماش للأول يرجح كفة الفكر الثاني و المثال الصارخ يأتي من تونس التي تراجع فيها حزب النهضة لراشد الغنوشي رغم قدم نشأته مقارنة بحزب نداء تونس حديث النشأة الذي اكتسح الحياة البرلمانية و يعول على دخول الانتخابات الرئاسية هذا الشهر في حين لم تُجمع الأحزاب الإسلامية على مرشح . و عن أسباب تراجع الإسلام السياسي لا يجب أن ننسى الدور الذي يلعبه الإعلام في هذا الشأن خاصة الموجه و المأجور الذي يحاول دوما تخويف الشعوب من أفكار الإسلام السياسي التي يصفها بالعنيفة و الداعية دوما إلى الجهاد و سفك الدماء و السبي و ما إلى ذلك من أفكار تتنافى مع الدين و لكن قد تجد طريقها عند الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على الإسلام من الجماعات الإرهابية و المتطرفين الذين لا يؤمنون بأنّ الإسلام دين الوسطية و الحوار و التقدم الحضاري و تقديم البدائل السلمية و يذهب البعض إلى القول بأنّ التركيبة التاريخية للإسلام السياسي تعتبر ضعيفة من الجانب السياسي و ليس التكوين الإيديولوجي و أثبتت التجربة في الميدان ضعف الممارسة و أيضا إلغاء معارضة التشاركية التي تؤمن بالجدال و الاختلاف رغم ما ينص عليه الإسلام في هذا المجال. كما أن الإسلام السياسي سرعان ما يوقع شهادة وفاته بالوصول إلى الحكم و يظهر ذلك في النموذجين التونسي و المصري حيث تبدو أحزاب تيّار الإسلام السياسي غير مستعدة للمواصلة و التعمير طويلا من خلال تزمتها و انفرادها بالسلطة و القرار و التنفيذ و الغاء الآخر و غلق باب المشاركة السياسية بل و معاداة أجهزة الأمن التي لا تزال مسيطرة في البلاد العربية من خلال نفوذها في المؤسسات.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 09/11/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فاطمة شمنتل
المصدر : www.eldjoumhouria.dz