الجزائر

خوصصة الدولة



قرأت تصريحات وزير الداخلية التي هدد فيها أعوان الحرس البلدي المحتجين بالعقاب وبإمكانية فصلهم من السلك، ولم أجد أي تبرير لمثل هذا التصعيد في اللهجة الذي لجأ إليه ولد قابلية سوى أنه يعتقد بأن كل ما يقع تحت وصاية وزارة الداخلية يعد ملكية خاصة ولا يحق لأحد مناقشته أو الجدال حوله. فهل يعقل أن يهدد الوزير أعوان الحرس البلدي الذين لم تخفهم تهديدات الجماعات الإرهابية يوم أن اختاروا حمل السلاح والدفاع عن الجمهورية؟
قد يكون وزير الداخلية قد نسي أو تناسى أن الحرس البلدي هم الذين واجهوا ''الجيا'' التي دعا عناصرها إلى مقاطعة المدرسة والانتخابات في95  بشعار ''الفوط أو الدم في الحيوط''، بدليل أن الوزير لم يستطع أن يصبر على احتجاجهم يومين فقط، ليقوم بإطلاق تصريحات ضدهم، أقل ما يقال عنها أنها نارية، رغم أن هؤلاء الأعوان صبروا لأكثـر من عشرية كاملة دون أن يسمع لهم أحد كلمة ''أح'' أو التفوّه بشكوى واحدة، علما أن معاناتهم لا تختلف عمن يمسك بـ''الجمرة'' بفمه، ويكفي أنهم كانوا طيلة سنوات الدم والدمار في الخط الأول من النار.
وما يزيد من الغصة في القلب، أن وزراء هذه الحكومة الميمونة يتحدثون وكأنهم هم الأشخاص الوحيدون الشرعيون في هذه البلاد، وما دونهم من أبناء هذا الشعب كل ما يفعلونه يفتقد للشرعية. فمطالبة عناصر الحرس البلدي بحقوقهم تعتبر، حسب ولد قابلية، ''عصيانا وتمردا''، وما ينادي به الأطباء المقيمون ''غير شرعي''، حسب ولد عباس، وما يهتف به طلبة الجامعات ''غير قانوني''، استنادا لتصورات رشيد حراوبية وغيره من المسؤولين. والأغرب من ذلك كله، أن لا أحد من وزراء الحكومة الموقرين، قدم شهادة اعتراف بتقصير أو بتهاون في قطاعه، رغم أن كل الدلائل تقول إنها ''مخروبة'' منذ زمان. فهل بعد خوصصة الاقتصاد، تمت خوصصة الدولة إلى هذا الحد الذي أضحى فيه الشعب كله ''شياطين'' والوزراء وحدهم هم الملائكة وأصحاب العقل والحق في هذا البلد؟
لم يجانب الصواب من قال إن ''الثورة كالقطة تأكل أولادها''، إذ بمجرد أن بدأت ترتسم معالم الأمن الأولى في البلاد، بفضل جهود أبناء الشعب من جيش وشرطة وحرس بلدي وأطباء وطلبة وعمال وموظفين وحتى بطالين، حتى بدأت التضحيات بالذين استعانت بهم الجمهورية لحمايتها في أيام كان جزاء من يتحمّل فيها مسؤولية الدفاع عن الدولة، القتل بالمحشوشة أو الذبح بالمنشار الحافي. إن لسان حال الشعب ليس بمقدوره سوى تذكر المثل الشعبي القائل ''وين كنتو يا لكباش عندما كنا جزارة''. h-slimane@hotmail.com


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)