الجزائر

خطر الشعور باليأس


خطر الشعور باليأس
بقلم: أحمد برقاوي*نعرّف اليأس بأنه شعور بالعجز عن تحقيق أهداف ما وفقدان الأمل من الخروج من مأزق أو مشكلة شعور قد يصل حد إقامة قطيعة مع الحياة إلى حد يصبح فيه الموت خلاصاً.وأخطر أنواع اليأس هو يأس الجماعات يأس المجتمع حين يصل إلى حائط مسدود في الخلاص من عذابات الفقر والقمع والنهب.كان المشهد الذي رأيته على إحدى شاشات التلفيزيونات العربية محزناً وصادماً ومؤلمًا.تسأل المذيعة في اليوم الأخير من عام 2016 سيدة من الفئات الشعبية وتلبس الزِّي الوطني القديم وعلى وجهها ملامح التعب والقهر وتحمل بيدها باقة من الخضار: ما هي أمنيتك للعام الجديد؟ فتجيب السيدة بلهجتها العفوية وبحزن: أن تقوم القيامة. ويبدو بأن جواب السيدة قد فاجأ المذيعة فأعادت عليها الاستفهام: ماذا قلت؟ وتعيد السيدة الإجابة نفسها وبلهجة تأكيد: أتمنى أن تقوم القيامة.ينطوي هذا الجواب في طياته على شعور ممض باليأس المطلق. وفقدان معنى الحياة. فلم تَر هذه السيدة خلاصها إلا بقيام الساعة والتخلص من عذابات الأرض. والحق إنها رمز لملايين المعذبين على هذه الأرض العربية الذين يتوسلون خلاصهم بالخروج من هذه الأرض.أي خطر أكبر من خطر فقدان الأمل بالخلاص الأرضي المتولد من الشعور باليأس؟هذه السيدة اليائسة لا تريد عنفاً في مجتمعها لكنها وقد فقدت الأمل بخلاص أرضي توسلت من القدرة الإلهية خلاصها وتمنت لو أنها في الآخرة حيث العدل الإلهي.اليأس من الخلاص الأرضي وفقدان الأمل لا يقود فقط إلى موقف هذه الأم الرؤوم المؤمنة المحبة للناس لأن أملها الذي عبرت عنه لا يؤذي أحداً ويجعل جميع الناس بمن فيهم الأموات أحياءً في الآخرة بل قد يقود جماعات إلى سلوك العنف المؤدي إلى التدمير الذاتي وتدمير الآخر فأن يكون العيش والموت سيان لدى بعض الجماعات يجعلها قادرة على اقتحام الموت لها وللآخر.وينبري نَفَر من نخبة يائسة عنفية لاستغلال حالة اليأس العامة وتقديم خطاب متكئ على تأويل عنفي للنص الديني لشرعنة العنف على أنه سلوك مأمور به. وإذا ما انتشر خطاب كهذا وتحول إلى سلوك عملي دون أي تغير في شروط الحياة التي تخلق الأمل وحب الحياة نفسها فإننا ندخل في دوامة التدمير الذاتي التي لا يعلم نتائجها أحد.ومن أخطار اليأس هجرة الفئات الوسطى وجمهور من العاطلين عن العمل إلى دول أوروبا وأميركا وبخاصة عن طريق لا قانوني. ولو كان للبحار لسان لحدثتنا عن الأرواح التي ابتلعتها. لقد رحلت الملايين من أرضها يأساً من حال بلدانها بلدانها التي لم تعد تجد فيها معنى كينونتها وهناك تبدأ معاناتها في الاندماج ومحاولة العيش في عالم لم تألفه وما يتولد عن ذلك من مشكلات ما أنزل الله بها من سلطان.ومواجهة الشعور باليأس لا يكون بخطاب حول الأمل بل بممارسة على الأرض وبخلق الشروط التي تجعل الحياة ممكنة وتجعل الإنسان فرِحاً بالحياة وحريصاً عليها.ولعمري إن الدولة الرشيدة هي بالتعريف الأدق تلك الدولة التي تحرص دون توقف على جعل الحياة مليئة بإغراءات العيش فيها. تلك التي تخلق الآمال الممكنة القابلة للتحقق. أما جعل الآمال الممكنة ضرباً من المستحيل فتلك الطامة الكبرى لأن في ذلك تعبيد الطريق أمام شعور اليأس بكل ما ينطوي عليه من خطر.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)