الجزائر

خروج النص من يد المؤلف وغياب مقاصده لصالح مقاصد القارئ التلقي في الثقافة والإعلام لمخلوف بوكروح


خروج النص من يد المؤلف وغياب مقاصده لصالح مقاصد القارئ                                    التلقي في الثقافة والإعلام لمخلوف بوكروح
جاءت نظرية التلقي من الثقافة والأدب، وصارت اليوم أحد أهم النظريات التي قفزت إلى أفق جديد وسارعت إلى توضيح الضفة الأخرى من النهر حيث يكون القارئ والمتلقي أساسا لإنتاج معنى جديد للنص، في الإعلام التلقي هو التفاعل، هو نهاية السلبية وأحادية الخطاب الذي ظل طويلا محصورا في دراسات ومقاربات منهجية أسقطت على الدوام الضفة الأخرى، وحكمت عليها بالسبات.
في كتابه الأخير ”التلقي في الثقافة والإعلام” ينهض هذا القارئ أو المتلقي ويفتح الدكتور مخلوف بوكروح من خلال 187 صفحة السؤال النقدي حول خصوصية التلقي عبر أربع فصول جاءت على النحو التالي: نظرية التلقي النشأة والأسس، المنطلقات الفكرية لنظرية التلقي، تلقي المنتجات الثقافية والفنية، تلقي الخطاب الإعلامي.
الفصل الأول والخاص بنشأة التلقي وضح فيه الكاتب أصول النظرية القادمة من الأدب الذي أمدت للقارئ دورا فعالا في عملية تحليل النص، من خلال الظرف الثقافي الذي ارتبط بالمشروع الفلسفي لما بعد الحداثة، الخاص بمجموعة كبيرة من المفكرين الذين حاولوا تقديم نظريات القراءة تسمح بفهم فعل القراءة، والذي ينقسم بدوره إلى قراءة منتجة وقراءة غير منتجة، هذه الأخيرة التي قدمت لنا النص النقدي الجديد، وعليه يوضح الكاتب أن هناك أبحاث مكثفة وفي جوانب متعددة منها السسيولوجية، الجمالية، النفسية، الاجتماعية والتاريخية وكذا دراسة المعطيات الثقافية والمعرفية من أجل الوصول إلى الحلقة التأويلية، ”فيقوم القارئ باختيار عناصره وتنظيمها في وحدات كلية متصلة، مقصيا بعضها ومقدما بعضها الآخر، علما أن القراءة ليست حركة خطية مستقيمة أو مسألة تراكمية”.
يتوقف الكاتب أيضا عند رولان بارت ولذة النص، وعند امبرتو إيكو والقارئ النموذجي من دون إهمال نظرية فريديريك شلايماخر الخاصة بفن إدراك النص، كل هذا يبين بوضوح خروج النص من يد المؤلف وغياب مقاصده لصالح مقاصد القارئ، أما بخصوص فعل التلقي فيوضح الكاتب مجددا أن عملية التلقي ترتبط بالإرسال وعليه يبين هذا صلاحية النظرية وإسقاطاتها الإعلامية الممكنة، وهنا لابد أن نعرف اختلافات وظروف التلقي التي تقدم لنا في النهاية تفاعلات مختلفة، منها على الصعيد النظري وجود التأثير الواقعي، وتأثير الغرابة effet d'étrangeté التي تحيلنا بدورها إلى المحاكاة والإيهام، ولكن كل هذا يؤكد وجود المشاركة في النص أو العمل الفني.
في الفصل الثاني يقدم لنا الدكتور مخلوف بوكروح مساحة نظرية واسعة تجمع مختلف المنطلقات الفكرية الخاصة بنظرية التلقي، المتمثلة في التيارات النقدية الأولى وأفق التوقع والتفاعل وحدث القراءة والجماعات التأويلية، كل هذه الأفكار ساهمت في بناء نظرية التلقي وتجدر الإشارة هنا على أن الجوانب النظرية وسياقاتها التاريخية والثقافية مهمة جدا في اكتشاف هذه النظرية، بينما يتطرق الفصل الثالث إلى تلقي المنتجات الثقافية والفنية، من خلال النقاط التالية وهي تلقي المادة الثقافية، والحضور الحي للمرسل والمتلقي، وتلقي خطاب الوسائط الجماهيرية، وصولا في الأخير إلى إنتاج المعنى.
هذه النقاط العملية التي يريد الكاتب من خلالها تقريب الممارسات الثقافية الجديدة وغياب النماذج التقليدية إلى حدود الجمع بين عدد من التناقضات كذلك التأثير التكنولوجي الكبير الذي ضيق الحدود وفتح الأفق أمام الخيارات الجديدة المرتبطة بالتكنولوجيا.
يقدم لنا الكاتب أيضا فكرة ثقافة البيت أو الاستعمال المحمول كنوع جديد من الاستهلاك خلق لنا في النهاية ملتقي جديد وكذلك مرسل جديد، ذات الوضع ينطبق على طبيعة الجمهور التي تغيرت وتبدلت ملامحها منذ جمهور المسرح اليوناني صاحب الطبيعة المباشرة، وبعد رحلة تكنولوجية طويلة في الزمن خصوصا القرن الماضي تواجدت حواجز جديدة تفصل بين المؤدي والجمهور إلى حدود وضع الرمزية عنوانا لكل هذه المستجدات.
كل هذا يحيلنا إلى المحتوى الجديد للمادة الثقافية والفنية بعدما كان المحتوى شعبيا جماهيريا يؤكد الانتماء إلى الجماعة أصبحنا أمام ثورة رقمية تعتمد على إرسال الرسالة الواحدة بطرق مختلفة وبآليات تعديل أيضا. ليصل بنا في الأخير إلى ضرورة التركيز على تلقي المادة تماما كما ركزنا لفترة طويلة على إنتاجها.
الفصل الرابع والأخير تضمن النقاط التالية إشكالية بحوث الجمهور، من تأثير المطلق إلى التلقي الانتقالي، الإرسال والتلقي واستخدام وتلقي الرسائل الإعلامية في الحياة اليومية ولعل أهم ما نقرأه في هذا الفصل هو رأي جون بوديار في عملية التحول التي يشهدها المشهد الإعلامي قائلا ما نشده اليوم هو اختفاء الواقع أي تحول الحدث إلى ظلال لوقائع مصطنعة”. وهذه هي خلاصة وصعوبة دراسة التلقي في آن واحد.
كما نجد في آخر الكتاب قاموسا للمصطلحات الخاصة بالموضوع باللغات الثلاثة، العربية، الإنجليزية والفرنسية، كما تجدر الإشارة أن مخلوف بوكروح من بين القلائل الذين يشتغلون في هذا الحقل وفي تقريب النظريات الثقافية بالإعلام، خاصة وأن المكتبة الإعلامية الجزائرية لا تزال تخوض في مواضيع ميتة تقريبا ولم تقترب بعد من هذا الحقل الفكري الجديد.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)