الجزائر

ختامها مدح



آثر جمال ولد عباس أن يختم مشواره كوزير لقطاع الصحة وإصلاح المستشفيات، قبل أن يُعلن رئيس الجمهورية الإقالة الرسمية للحكومة الحالية في أعقاب النتائج التي تمخضت عن استحقاقات العاشر ماي الماضي بمدح نفسه، والافتخار بالإنجازات العظيمة التي حققها منذ مجيئه على رأس الوزارة، فقال للجزائريين بأنه راض عمّا قدمه في السنتين الأخيرتين، وأن ما تم تحقيقه في هذه المدة الزمنية الوجيزة يضاهي ما تم إنجازه في العشرين سنة الأخيرة التي تعاقب عليها العديد من الوزراء والمسؤولين قبله.
وأصدقكم القول بأني حاولت أن أعصر مُخّي، وأن أُجهد ذاكرتي حتى ألمس هذه الإنجازات التي يتباهى بها وزير الصحة ويفتخر بأنه كان وراء تحقيقها، فشقّ عليّ الأمر، حتى لا أقول بأني لم أعثر عليها إطلاقا في مشوار مسؤولنا المتفائل. وبالمقابل، كان الأمر غاية في اليُسر والسهولة، عندما تذكرت فاجعة منظومتنا الصحية المعلولة، ومآسي مئات الآلاف من المرضى ممّن أنهكتهم البيروقراطية، وعذّبهم سوء التكفل أكثر من محنة العلل والأسقام التي تنخر أجسادهم، ومسيرات الأطباء الذين خرجوا إلى الشوارع إشفاقا على حالة مرضاهم بعد أن تعذر عليهم حتى إيجاد الأدوية التي تُمكنهم من تخفيف الألم عنهم.
قد أكون قاسيا بعض الشيء، ولكن هذه القسوة مردها أسلوب الاستهتار والاستخفاف الذي جنح إليه ولد عباس في الساعات الأخيرة من تقلده مسؤولية صحة المواطنين الجزائريين، وإذا كان السيد الوزير غير مُطلع على حقيقة ما يجري في قطاعه، نُخبره بأن عشرات المصابين بأمراض السرطان يموتون يوميا بسبب عدم تمكنهم من إجراء العلاج بالأشعة، أو لعدم وفرة الأدوية التي تتلاءم مع أوضاعهم الصحية، ومئات المرضى الآخرين يضطرون إلى عرض صورهم المشوهة وإصاباتهم النادرة على صدر صفحات الجرائد لاستجداء عطف المحسنين والجمعيات الدولية ذات الطابع الخيري والإنساني، علّهم يخضعون لعمليات جراحية خارج الوطن أو داخل عيادات خاصة. وإن كان ناسيا، نُذكره بأن عهدته وُسمت بعار ضرب الأطباء المقيمين في الشوارع بهراوات مصالح الأمن، رغم أنه قبل كل شيء زميل لهم يتقاسم معهم مهنة الطب. وأنّه خلال إشرافه على الوزارة، التي يقول ضمنيا بأن إنجازاته فيها لا يُنكرها إلا جاحد أو حاقد، تم اغتصاب مريضة ساعات فقط عقب خضوعها لعملية جراحية داخل المؤسسة الاستشفائية أول نوفمبر بوهران من قبل ممرض كان من المفروض أن يسهر على وضعها الصحي. وفي نفس الفترة، تم العثور على مريض ميّتا داخل مرحاض، أكرمكم الله، بجناح الأمراض الصدرية بمستشفى وهران الجامعي والجرذان تنهش جثته.. ووو.
ثم إذا كان قطاع الصحة بهذه الصورة الوردية التي يريد الوزير أن يرسمها للرأي العام، لماذا يُفضل كل مسؤولينا العلاج في مستشفيات خارج الوطن لمجرد إصابتهم بأمراض بسيطة أو وعكات صحية عارضة؟ إن الإجابة عن هذه المفارقة الغريبة هي الجواب الشافي والكافي لواقع منظومة صحية مريضة رغم ملايير الدينارات التي تنفقها الدولة ولا تجد طريقها إلى المريض.

derkimed@yahoo.fr




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)