الجزائر

حين تختفي لغة الحوار الأسري: أزواج يكلمون أنفسهم … . هل هي بداية الجنون ؟


حين تختفي لغة الحوار الأسري: أزواج يكلمون أنفسهم … . هل هي بداية الجنون ؟
[زواج]
هو لا يرغب في النقاش.. حديثه معها مجرد أوامر ونواهٍ … هي.. لا ترغب في إثارة المشاكل..حين تبكي.. تبكي في صمت … وحين تنتحب.. تنتحب بعيدا عن أعين فضولية … وتزرع في البيت قنابل عنقودية. تنتظر لحظة الانفجار.. لكنها قد لا تنفجر … تتعبأ وتترجم في شكل كلام للذات.. الكثير من الأزواج والزوجات يشتكون من حديث الطرف الآخر مع نفسه.. حوارات برمتها يكون طرفاها زوجا وذاته… الأمر لا يثير الغيرة بقدر ما يثير الريبة.. هل أن تكلم نفسك معناه أنك مجنون؟
يكلم الإنسان نفسه، أو يطلق بعض الكلمات، من دون أن تكون موجهة إلى أحد بعينه، أمر يحدث معنا كثيراً، لكنه شيء له دلالات كثيرة. فما الذي يختبئ وراء تلك الكلمات العابرة؟ وما معنى أن يُجري الإنسان حواراً مع نفسه بصوت عالٍ؟
من منا لم يطلق صرخة ألم، لأنه مثلاً أغلق الباب على إصبعه عن غير قصد، فأطلق كلمات غيظ يسب فيها الباب اللعين، لأنه ما كان يجب أن يغلق على إصبعه، ولعن الإصبع نفسه لأنه ما كان يجب أن يوجد في ذلك المكان بالضبط عند إغلاق الباب؟ كلنا نفعل هذا، ونفعله حتى إن لم يكن ثمة أي شخص آخر معنا في المكان، لكي يسمع ما نقوله أو يرد عليه. لكن، لماذا نحن في حاجة إلى أن ننطق بتلك الكلمات؟
زوجتي تكلم نفسها، إذن لقد جنت
حديثنا كان مقتصرا على ملء القفة ومتطلبات الأبناء. كنت كلما فكرت في فتح حوار جاد إلا ولاذ بالفرار وكأنني سأحدثه عن عذاب الفبر… حياتي معه استمرت 20 سنة أقسم بأننا لم نفتح فيها يوما موضوعا للنقاش. علاقتنا هي أخذ وعطاء وتكاد تكون بلغة اإشارة لا لأننا أذكياء بل لأن غباءنا منعنا من فتح
حوار جاد.. أحيانا يجدني أحدث نفسي، وهي عادة اكتسبتها بامتياز من تهميشه لشخصي.. فيقول لا حول ولا قو ةإلا بالله لقد جنت، بل ويتهكم علي أمام أبنائي فتجده لا يجد فرصة ليثبت لهم أنه على حق فأمهم بدأت تفقد عقلها… لكن الحقيقة أن تهميشه لي.. جعلني أهرب الى ذاتي من سطوته وجبروته.
بدل البكاء عليه.. كانت تكلم نفسها!!
المشهد مشهد جنائزي. نعش وزوار معزون ومناديل ورقية مرمية في كل ركن من أركان البيت العتيق.. بكاء وتظاهر بالبكاء. وصمت رهيب تعلوه أصوات النادبات. لكنها الوحيدة التي لم تكن تبكي. نعم إنها زوجته، كانت رابضة في ركن صغير تتأمل بعيدا، ربما قد دخلت أغوار ماضيها. لم تكن لتبكي وهي التي بكت طول حياتها قهرا وظلما وأسى. لم تجد النسوة ما يفعلنه أتواسينها وهي أصلا لا تحتاج لمواساة؟ لكن من يعرف حقيقتها يدرك يقينا لما هي كذلك.. خالتي مريم اليوم جنازة زوجها واليوم كذلك نهاية مأساتها وبداية حياة جديدة. فهل بالله عليكم يبكي من ماتت أحزانه؟!!.. كنت تعيسة 40 سنة من حياتي أذلني فيها جعلني عبدا أسيرا لشهواته. قتلت فرحتي في مهدها. إني الآن وأنا أنظر إلى نعشه وبياض كفنه أرى فيه سعادتي المسروقة والضائعة في بحر عجرفته الرجولية. أكرهه وللمرة الأولى أقولها دون أن أخشى ضربه. قالتها وهي تحدث نفسها بصوت عال… ظنها الحضور جنت لكنها لم تجن لأول مرة تتحدث بصوت عال دون أن تخشى أن يسمعها زوجها.
أرتب أفكاري بصوت عالٍ
«أحياناً، أكلم نفسي بصوت عالٍ، وأعدد ما أنوي فعله في فترة بعد الظهيرة مثلاً»، اقول»إذن، الآن سأغسل الأطباق، بعدها سأمرر «النشاف» على الصالة، أوووه، لا، يجب أن أذهب لشراء الحليب قبل أن يغلق محل البقالة» أنا بهذه الطريقة أضع لائحة كاملة بصوت عالٍ، أحيانا أجد ابنائي يضحكون على تصرفاتي لكني أجدني بذلك أرتب أ افكاري، لكن بصوت مسموع.
علماء النفس وحديث الذات: هل هو جنون؟
هناك جُمل قصيرة نوجهها إلى أنفسنا بصوت عالٍ، من دون وجود جمهور يستمع، التي تصدر نتيجة لإحساس ما، مثل عبارات: «غير معقول»، « يا لي من مجنونة»، «مستحيل». كل هذه العبارات، تشف عن حالة نفسية نحاول أن نعبر عنها بصوت عالٍ. وهذه الجمل القصيرة، لها أيضاً معناها. فحسب المحللة النفسية نيكول فابر، «يتعلق الأمر غالباً بجملة تعجب، سواء وُجد من يستمع إليك أم لا». مع العلم أن العبارات ذات المعنى السلبي، التي تصدر عنا بهذه الطريقة، هي أكثر من مثيلاتها ذات المعنى الإيجابي. وتفسير هذا، كما تقول فابر، هو «إن العبارات من النوع الأول تكون محملة بمشاعر أقوى، وبالتالي فالمشاعر هي التي تدفعها إلى الخروج». وعلى العكس من ذلك، فإن عبارات من قبيل «واو، لقد أصبت هذه المرة»، فقليلاً ما ننطق بها بصوت عالٍ إذا كنا وحدنا، لأن شحنتها العاطفية أقل من تلك، التي تحملها عبارات الغضب أو الخوف أو الألم.
أما بالنسبة إلى الاختصاصي النفسي فرانسوا سولجي، فإن «هذا النوع من ردود الأفعال، يمكن أن نشبهه برؤوس الأقلام التي نخطها على الورق». ويقول سولجي إن «هذه الجمل في الواقع، هي وسيلة لتركيز انتباهنا حول مشكلة معينة». يضيف: «في أحيان أخرى، يكلم الإنسان نفسه من خلال سرد وقائع ورطة كاملة، من دون أن يكون هناك مستمع، ويمكن أيضاً أن يلخص كل ذلك السرد في سؤال نفسه بصوت عالٍ: ما العمل إذن؟». ويوضح الاختصاصي النفسي كلامه قائلاً: «أن تكلم نفسك، قد يكون أحياناً علامة على المعاناة من الوحدة، لكن ليست الوحدة بمعنى العزلة، وإنما بمعنى أن تكون وحيداً في مواجهة مشكلة ما، في مواجهة حدث ما».
الكلام كتابة
«هذا يحصل معي عندما لا أكون قادراعلى طرح المشكلة على شخص آخر، ولكن في الوقت نفسه، لا بد من أن تُطرح المشكلة للنقاش. زوجتي عصبية جدا لدرجة أن أي شيء يمكنه أن يشعل نار الفتنة في البيت.. ومع مرور الوقت أصبحت أناقش المواضيع الأسرية مع نفسي بحثا عن حلول وهروبا من ردة فعل عكسية لزوجتي من هنا، فأنا أحكي بصوت عالٍ، فكتمانها في داخلي أو مجرد التفكير فيها في السر، هو أمر غير مريح أو لم يكن كافياً. ومن جهة أخرى فإني أستعمل التفكير بصوت عالٍ، لأنها وسيلة تساعدني على فهم أفضل وعلى اتخاذ قرار أفضل. وإذا كان التفكير بصوت عالٍ، لتكون بديلاً عن الحديث من دون وجود مستمع لإيجاد الحل للكثير من الهموم. ويقول علماء النفس في هذا الصدد: «لكي يكون للكلمات تأثير، يجب أن تُنطق أو أن تُكتب لهذا، فإذا ما اجتاحت الواحد منا مشاعر مبهمة، من الأفضل له أن يلجأ إلى القلم والورقة، فالكتابة تساعدنا على أن نرى الأمور في شكل أوضح».
عندما يصبح الأمر عادة… تحدث القطيعة مع الآخر
«لقد أصبح يتجنبني. تجده يدخن بنهم وهو يحدث نفسه.. يضحك… يبتسم … ويتأوه.. وكأنني حجر بجانبه. إنه لا يحادثني… في البداية كان كلما علقت على حديثه مع الذات يستحي.. ويتوقف.. اليوم أصبح وكأنه يتحداني.. لا يخجل وهو يتجنبني ليغرق في حديث آسر مع النفس..
لقد أصبحت عادة مستكينة في شخصيته المريضة «هل لكونك تكلم نفسك كثيراً قد يكون أمراً سلبياً قيل هذا نجيب عن سؤال مهم وهو: هل تحدُّث الشخص إلى نفسه هو هروب من الفعل أو تأجيل له؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)