الجزائر

حي باب الواد بارومتر حقيقي لنبض الشارع الجزائري



حي باب الواد بارومتر حقيقي لنبض الشارع الجزائري
تتوجه الأنظار في الجزائر كلما كان هناك احتقان سياسي واقتصادي أو صراع في عصب السلطة، إلى حي باب الواد الشعبي احد أقدم أحياء العاصمة وأكثرها اكتظاظا بالسكان، فهو بارومتر حقيقي ومنه يقاس مدى غليان الشارع الجزائري، ففي تشرين أول/ أكتوبر عام 1988، انطلقت أولى شرارات انتفاضة انتقلت و بسرعة إلى كافة أرجاء البلاد، دفعت آنذاك بالرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد إلى إحداث
إصلاحات و تغييرات في نظام الحكم لا يزال الجزائريون يدفعون ثمنها إلى يومنا هذا

لا شيء تغير منذ عام 1988 الأمور تراوح مكانها ... بهذه العبارة استقبلنا شباب حي باب الواد الشعبي، أياما فقط بعد خروج شبان من الحي مطلع السنة الجارية في حركة احتجاجية سرعان ما انتشر فتيلها إلى بقية ولايات الجزائر ما أعطى انطباعا على حالة الشارع الجزائري وموقفه من الحكومة وطريقتها في تسيير الشأن العام وتوزيع الثروات.

واغلب سكان باب الواد، هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشر و الثلاثين عاما، و إن كانت نسبة لا يستهان بها قد استطاعت مواصلة الدراسة إلى غاية الجامعة، إلا أن غالبية هذه الشريحة لم تتعد مرحلة الثانوية.

وفي غياب فرص العمل يفضل الشباب و حتى الصبيان، نصب طاولات لبيع الخضر و الفواكه أو الملابس واسطوانات لأفلام مقرصنة وغيرها من المواد التي يقبل عليها الجزائريون بشكل كبير.

وظل حي باب الواد لسنوات طويلة يشكل وجعا للرأس بالنسبة للسلطات، فهو يضم خليطا من الشرائح الاجتماعية وكان سنوات الاستعمار الفرنسي يضم يهودا ومسيحيين و لا زالت كنيسة "السيدة الإفريقية" بضواحي سانت اوجان (القديس اوجان) إحدى أهم المعالم الدينية بالجزائر.

ويؤكد الكثيرون أن لهجة سكان باب الواد القريبة من لهجة سكان القصبة هي اللهجة الحقيقية للجزائر العاصمة و هو ما يفسر نفور سكانها من كل ما هو غريب و أجنبي. " هذا يعود لمئات السنين و باقي اللهجات العاصمية هي عبارة عن إضافات لا أكثر ولا اقل" وذلك حسب قول أستاذ في الأدب العربي بجامعة الجزائر الذي تعجب من تنكر الكثيرين من أبناء الحي ممن بلغوا مستويات عليا في السلطة لأقربائهم و حييهم الذي ترعرعوا فيه و ذكر في هذا الصدد الفريق محمد العماري، قائد أركان الجيش سابقا الذي يعد احد أبناء باب الواد لكنه مع ذلك لم يعد للحي حتى في غمرة الفيضانات التي اجتاحت المدينة في تشرين ثان/نوفمبر عام 2001.

عبد القادر إطار ذو الأربعين عاما و يشتغل بمؤسسة "اتصالات الجزائر" الحكومية، يرى أن المدينة التي تخرج منها عمالقة الجزائر في الفن والسينما و الرياضة وحتى السياسة، ينظر إليها على أنها " مصدر السوء إلى السلطة "، فسكانها لا يبالون بالسياسة لكنهم يثورون و ثورتهم تأتي على الأخضر واليابس".

ويروي لنا عبد القادر كيف شهد الحي تطورات منذ الاستقلال وقال في هذا الصدد :" لم يتغير الحي ولم تفكر السلطة في الجزائر في أن تحافظ على الأقل في نسقه العمراني وإهمالها له ولُّد أحياء فوضوية مجاورة تنمو كالفطريات" .

وتضم باب الواد العديد من الأحياء الفوضوية فهناك " الكاريير وكليما دوفرانس وبوفريزي و فونتان فراش"، وهي أحياء صنعت الحدث العام الفارط بعد نشوب حرب شوارع على مقربة من مقر المديرية العام للأمن الوطني " لسبب أو لآخر تنشب مشادات بين شبان الأحياء الفوضوية تستعمل فيها السكاكين و السواطير و حتى الكلاب. أما عن سبب تلك المواجهات فيقول محدثنا :" أنها البطالة والظروف المعيشية، ما الذي يمكن أن ننتظره من مراهق طرد من المدرسة وهو لم يتجاوز الابتدائية؟"

المنظر العام لباب الواد من فوق كنيسة "السيدة الإفريقية"، يعطي انطباعا على أننا نطل على إحدى مدن المتوسط و هي تشبه إلى حد بعيد مرسيليا الفرنسية، لكن نظرة خفيفة ومدققة تكشف لك الوجه الآخر للمدينة التي فقدت مع السنين بريقها بعد أن اكتسح الأسمنت و القصدير "جبل كوكو" كما بنت السلطات ملعبا مثيرا للجدل أمتارا فقط من على شاطئ الكتاني حجبت على الراجلين رؤيته والتمتع بزرقة مياهه.

الجميع يكفر بالسياسة و السياسيين
التجول في شوارع باب الواد انطلاقا من ساحة الشهداء وإلى غاية سانت اوجان، تجعل المرء يحس و كأنه يمر من مدينة لأخرى ومن بلد لآخر، فالنسوة المتجلببة تعانق أخريات نصفهن عاريات، فيما أكد العديد من سكان الحي أن مظاهر التدين في باب الواد عادت و بقوة في السنوات الأخيرة بعد أن اختفت سنوات التسعينيات بفعل الحرب التي شنتها الحكومة على المتطرفين الإسلاميين الذين اتخذوا من باب الواد معقلا لهم إذ كانت تحتضن إطارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وخرج منها الشيخ علي بلحاج، الناطق الرسمي باسمها و الرجل الثاني فيها الذي كان يخطب أمام المصلين في جامع "السنة" بقلب باب الواد.

غابت جبهة الإنقاذ التي تم حلها بقرار رسمي، لكن أفكارها لا تزال حاضرة، و إن كان المواطنون هنا قد فقدوا التواصل مع زعماء هذا التيار آخرها كانت محاولة علي بلحاج نفسه، تأطير الحركة الاحتجاجية في الأسبوع الأول من كانون ثان/ يناير الجاري والذي كاد يفقد حياته بعد أن طرد شر طردة.

والحق يقال، ففي باب الواد السياسة هي آخر الاهتمامات ومنذ انتخابات عام 1990 واكتساح الإنقاذ لغالبية الأصوات وما تبعه من وقف للمسار الانتخابي، أصبح الجميع يكفر بالسياسة والسياسيين، وهو ما يفسر قلة زيارة الوزراء إلى المدينة مقارنة ببقية مدن الجزائر. "السكان هنا لا يعرفون أسماء الوزراء و لا حتى الأحزاب التي ينتمون إليها" حسبما يقول رضا وهو شاب في العشرين من العمر بالقرب من مستشفى محمد لامين دباغين " مايو سابقا"- مؤكدا أن السياسيين لديهم عقدة اتجاه باب الواد فهي تذكرهم بـ 1988 وشعار " باب الواد الشهداء" لا يزال إلى يومنا هذا يردده الشبان في الملاعب وأضاف انه كان يرددها دون أن يعرف معناها قبل أن يسال والده الذي روى له كيف سقط أبناء الحي في مظاهرات 5 أكتوبر رميا بالرصاص.

وتختلف الاحتجاجات الأخيرة عن تلك التي وقعت في 1988، خصوصا من حيث الشعارات التي رفعها المحتجون، ففي الوقت الذي اعتقدت فيه السلطة أنها أمام ثورة كبرى سرعان ما تلاشى ذلك، بعد أن اكتشفت أن ما يحدث هو مزيج من التنديد بغلاء الأسعار والغوغائية والتخريب المتعمد ضد كل الأملاك عمومية كانت أم خاصة.

رمزية الحي كبيرة عند الجزائريين
رمزية باب الواد عند الجزائريين كبيرة جدا و رغم اتساع رقعة هذا البلد إلا أن القلة القلائل ممن لا يعرفونه أو لم يزوروه، فهو معقل أنصار اكبر واعرق نادي كرة القدم في الجزائر وهي المولودية الفريق الذي تأسس في عز الحركة الوطنية و كانت نشأته شبيهة بالتحضير للثورة الجزائرية من حيث الإعداد و السرية وكذا الوجوه التي أرادت أن تخلق ناديا في كرة القدم جزائري مئة بالمئة و لا يمت بصلة لفرنسا والفرق الأخرى التي كانت تضم في صفوفها معمرين فرنسيين و يهود. ويردد أنصار الفريق الملقبين بالشناوة (الصينيين) نظرا لكثرة اعد ادعم شعارات "باب الواد الشهداء" في تنقلاتهم و حتى أمام غريمهم التقليدي اتحاد الجزائر الفريق الآخر الذي ولد من رحم باب الواد.

كرة القدم و التجارة والسيارات والنساء و الحرقة، هي ابرز أحاديث شباب الحي، وما عدا ذلك فان الذي يخوض في السياسة كمن يتحدث عن السراب.

ويروى شباب الحي قصص غريبة لأقرانهم الذين جربوا الهجرة نحو الضفة الأخرى، فهذا تزوج من امرأة عجوز بفرنسا وورث عنها ممتلكاتها وآخر يعمل في حقل للعنب و مع ذلك يبعث بأموال لعائلته و ثالث ضبط بدون وثائق و طرد وعاد من جديد عبر ايطاليا. ولا يؤمن شباب باب الواد بالخطابات التي تكفر الهجرة وتلك التي تبث عبر التلفزيون الرسمي التي تتغنى بإنجازات الرئيس " والله ما رانا فاهمين والوا" يقول عمر بائع للخضروات بـ"تريولي" في أعالي باب الواد. ويضيف " كل يوم نشاهد عبر التلفاز إنجاز للطرقات و بناء الآلاف من المساكن وتوفير مناصب الشغل و غيرها من الإنجازات، انظروا إلى حالي ابلغ من السن 45 سنة و لم أتزوج و اسكن رفقة والدي و أمي و إخوتي في شقة مهترئة آيلة للسقوط و لم اظفر على محل مما يصطلح على تسميته بمحلات الرئيس (( 100 محل في كل بلدة). أين هذه الإنجازات؟ أنهم يكذبون علينا. على كل حال طلقت السياسة منذ سنة 1990".

وما يحز في نفوس سكان باب الواد، هو التفات السلطات إليهم كلما حلت الكارثة، فعند كل زخة مطر تنهار البيوت القديمة الواحدة تلوى الأخرى على رؤوس قاطنيها، وعند كل هزة أرضية تتشقق جدران عماراتها و الكارثة الأكبر هي الفيضانات أو (الحملة) بالتعبير العامي الجزائري و التي راح ضحيتها أكثر من 500 مواطن في 11 تشرين ثان/نوفمبر 2001، حيث أدى تهاطل الأمطار من ليل الجمعة إلى السبت، إلى فيضانات مدمرة سرعان ما حملت السلطات مسؤوليتها بعد أن أثبتت التحقيقات أن مجاري المياه الموروثة عن العهد الاستعماري كانت موصدة بإحكام من قبل الشرطة خشية استعمالها من قبل العناصر الإرهابية للقيام بعمليات تفجيرية ومن ثم الاختباء بأنفاقها التي تتجاوز العشرات الكيلومترات وهو ما ولد شعورا إضافيا معاديا للسلطة لم تكف أشغال الترميم والتجميل و التزفيت والتبليط في محوه من مخيلة السكان

د ب أ



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)