الجزائر

حول سلطة القذارة والقذرين ومخاطرها..



حول سلطة القذارة والقذرين ومخاطرها..
أحد ملامح الأزمة في الجزائر اليوم، الأزمة التي تحول دون الإنتقال إلى مجتمع متفتح وخلاق ودون دولة القانون والعدل والحرية، هو صعود هؤلاء القذرين وتمكنهم من السيطرة على مفاصل الدولة
ما معنى أن يكون المرء قذرا؟! هو أن تكون روحه ملوثة، وعقله ملوثا وثقافته ملوثة، ونظرته إلى الحياة والناس والبلاد ملوثة، أي أن يكون آلة منتجة لكل ما هو سلبي ومدمر ومخرب. وبعبارة أخرى أن تكون القذارة خاصة عندما تتجمل وتتأنسن وتتأمسس هي النفي المطلق للخلق الحقيقي وللحياة والتقدم وللحرية.. والقذرون نجدهم في كل مكان، وفي كل الأجهزة وفي كل المؤسسات وعلى رأس العديد من الوزارات والقطاعات.. وهم يتحولون أحيانا إلى جماعة، وأحيانا أخرى إلى طبقة ظاهرة وخفية في معظم اللحظات التي تختفي فيها الشفافية ويتعاظم فيها الإستبداد والتسلط.. ومع قوة العطالة داخل المجتمع وفي أجهزة الحكم، يصبح القذرون سلطة حقيقية وفعلية تمارس وترعى الفساد وتعمل على تعميم كل ما هو منحط وسلبي، فتتوطد بذلك آلية تثبيت أقدام الخنوع والإذعان وآلية انتشار سلوكات مثل الإنتهازية والغش والكذب.. وأحد ملامح الأزمة في الجزائر اليوم، الأزمة التي تحول دون الإنتقال إلى مجتمع متفتح وخلاق ودون دولة القانون والعدل والحرية، هو صعود هؤلاء القذرين وتمكنهم من السيطرة على مفاصل الدولة والتغلغل إلى دهاليز الحكم ومؤسساته، من المؤسسة البلدية المحلية إلى البرلمان إلى الأحزاب إلى الحكومة إلى الرئاسة. ففي طريق سلطة القذارة أصبحت عملية شراء الأصوات ظاهرة جلية في الإنتخابات وتحولت كلمة “الشكارة" إلى مصطلح ذائع الصيت وسيء الصيت، وجعلت سلطة القذارة كل شيء قابلا للبيع والشراء، وما الفضائح التي راحت تنشرها كل يوم وسائل الإعلام إلا دليل على كيف تحولت القذارة ليس فقط إلى سلطة حقيقية وفعلية بل إلى ثقافة رائجة وسائدة. كما عملت سلطة وثقافة القذارة أن تتفه كل شيء، وذلك من خلال وضعها على الأرض آليات جهنمية إسمها استراتيجية التتفيه، بحيث تفهت المطالب الإجتماعية، وتفهت اللعبة الديمقراطية، وتفهت الإعلام، حيث أصبح المنتسبون إلى هذا القطاع يفتقرون إلى أدنى المؤهلات والشروط وجعلوا من خلق المؤسسات الإعلامية ذريعة لجني الريع ووسيلة للإبتزاز والمقايضات الرخيصة.. إن القذارة ترتبط أساسا بالفساد، فهي منتجته وحامية له، وفي الوقت ذاته ذراعه القوي للوقوف في وجه انبلاج الحقيقة وسلطتها... كيف وصلنا إلى هذا الحد؟!
ذات مرة قال الرئيس الجزائري، هواري بومدين، أمام كوادر الأمة أن خلال حرب التحرير كان المجاهد ينقل الأموال من جهة إلى أقصاها على مستوى التراب الوطني، ومع ذلك ورغم كل الصعوبات وغياب آليات الرقابة كان يحافظ على الأموال المنقولة بكل أمانة، ليضيف، أما اليوم، فلاحظنا اختفاء مثل هذه السلوكات التي جعلت الثورة الجزائرية مضربا للمثل. كان خطاب هواري بومدين في نهاية السبعينيات، ومع ذلك فلم تكن الرشوة ضاربة بأطنابها، ولم يكن الفساد شائعا، لكن مع الثمانينيات ومع تغير الحكم الذي ادعى أنه انخرط في إصلاحات هيكلية بدأ القذرون، سواء في الحزب أو خارجه، سواء في مؤسسة الحكومة أو الرئاسة، يرون النور ويتعاظم نفوذهم. لكن مع ذلك فهؤلاء القذرون كان يشار إليهم بالبنان ولم يكونوا يمثلون سلطة فعلية، إلا أنهم في السنوات العشر الأخيرة قفزوا إلى الواجهة دون خوف أو وجل، وانتقلوا من الهامش إلى المركز ومن الظل إلى النور، وانتشروا كالجراد متحصنين بمؤسسات الدولة. وما جرى من فضائح في الطريق السيار، وبنك الخليفة وسوناطراك إلا مؤشرات على تحول القذارة والقذرين إلى معلم من معالم السياسة في الجزائر.. السبب في ذلك؟! هو تهميشنا للنخب الحقيقية، وتحويل النظام الذي كان من المنتظر أن ينفتح إلى علبة مغلقة، وكان من نتائج هذا الإنغلاق تفضيل الجهل على العلم والكفاءاة والنزاهة في تسيير الشأن العام، وتلميع الموالين للحكم حتى وإن كان هؤلاء الموالون مرادفين للرداءة، وغلق الأبواب أمام الممثلين الحقيقيين للجزائر الجديدة، بحيث تحولت جزائر الشباب إلى مكلية خاصة للعجزة بيولوجيا وثقافيا وسياسيا..
إن القذارة جشعة ولا تؤمن بالحدود، وهي شبيهة بالسرطان وغير قادرة على إنتاج أي قيمة لها دلالة.. بل هي تمثيل للقوة السلبية الخلاقة للركود والعطالة والجمود، وبالتالي للإنهيار في اللحظة الفاصلة.. وعدم توفر الوعي بتصاعد سلطة القذارة والقذرين يشكل خطرا وتهديدا ليس فقط للمكاسب التي حققها الجزائريون والجزائريات خلال عقود من تاريخهم، بل للحاضر والمستقبل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)